قمع إيران الداخلي سيتزايد.. لماذا على أمريكا التحرك؟

قمع إيران الداخلي سيتزايد.. لماذا على أمريكا التحرك؟


رأى المتخصص بالشؤون الإيرانية في “معهد المشروع الأمريكي” نيكولاس كارل أن إيران تصبح دولة أكثر تسلطاً وقمعاً الأمر الذي سيترك آثاراً مباشرة على مستقبل المنطقة والاتفاق النووي. وأوضح كارل في دراسة أعدها لبرنامج كريتيكال ثريتس التابع للمعهد نفسه أن النظام الإيراني يكثف جهوده للسيطرة على السكان والاحتفاظ بقبضة النخبة الحاكمة على السلطة وسط تصاعد الأزمات الداخلية وغياب الاستقرار.
لطالما استخدمت قيادة النظام القمع لتأمين السلطة. لكن الاتجاهات الحديثة تشير إلى تغيير في علاقة المؤسسة السياسية بالشعب الإيراني. تتبنى الأجهزة الأمنية دولة رقابية وبوليسية بطريقة تزداد تكيفاً وتعقيداً محسنة من إمكاناتها في قمع المعارضة الداخلية بعنف. ودعا كارل صناع القرار الأمريكيين إلى إعادة ضبط سياساتهم تجاه طهران كي تعكس هذا الواقع الجديد.

البيئة الأمنية الداخلية تتدهور
لن توقف إعادة العمل بالاتفاق النووي تحول إيران إلى المزيد من الحكم القمعي. والبيئة الأمنية الداخلية المزدادة سوءاً والتي قد تتدهور بشكل إضافي في السنوات المقبلة هي الدافع وراء عملية الانتقال هذه. تصاعدت الاحتجاجات الشعبية وأعمال العنف ضد النظام على امتداد البلاد خلال السنوات الأخيرة مثيرة خوف القيادة من زعزعة الاستقرار الداخلي. أصبح الاضطراب المدني الذي تحركه إلى حد كبير المظالم الاقتصادية أمراً شائعاً ويختبر دفاعات الدولة في مواجهة شعبها. تشمل العوامل التي تفاقم مخاوف السلطات جائحة كوفيد-19، واحتمال عودة الولايات المتحدة مستقبلاً إلى سياسة حملة الضغط الأقصى، واللايقين السياسي الذي يسبق رحيل المرشد الأعلى علي خامنئي.

استراتيجية ثلاثية
يعمل النظام على تحسين جهازه الأمني الداخلي إلى أقصى حد ممكن للسيطرة على المجتمع. وتبنت السلطات الإيرانية استراتيجية ثلاثية لمواجهة التظاهرات تشمل الوقاية والقوة والرقابة. يعتمد هذا النهج على مجموعة موسعة من الدوريات الأمنية في الأحياء، القوات شبه العسكرية، والقواعد الأمنية. تم تصميم هذه المجموعة بشكل جزئي على توقع توقيت اندلاع التظاهرات وسحقها في توقيت باكر. ويزيد النظام بشكل متصاعد انخراط جيشه التقليدي المعروف باسم أرتِش ووكلائه المقاتلين الأجانب في مهمات أمنية داخلية وفقاً لكارل. التقنيات المتطورة هي أساسية بالنسبة إلى هذه الاستراتيجية. لقد تبنت السلطات الإيرانية مفهوم سيادة الإنترنت وهي تريد بطريقة متصاعدة عرقلة الإنترنت والاتصالات من أجل تمكين قمعها للتظاهرات. تستثمر السلطات أيضاً في بنية الرقابة الداخلية والذكاء الاصطناعي لضرب المعارضة. ويأمل المسؤولون الإيرانيون تسخير الإمكانات التحليلية للذكاء الاصطناعي من أجل تجميع مروحة واسعة من تدفقات البيانات التي تم رصدها عبر وسائل رقمية متنوعة من أجل تحديد واستباق التهديدات الأمنية الداخلية لحظة بلحظة.

تصور إيراني جديد
أضاف المحلل نفسه أن طريقة حكم النظام الذي يزداد تسلطاً يمكن أن تغير كيفية تفاعله مع المنطقة والاتفاق النووي. قد يتصور حكام إيران أن نجاح استراتيجية قمع التظاهرات هو مصدر نفوذ وقوة. يمكن أن يعتقد النظام أنه يستطيع قمع مواطنيه بدون خوف من التداعيات وأنه أكثر استعداداً للعيش من دون المنافع الاقتصادية للاتفاق النووي. بإمكان فهم هذا التطور في تصورات القيادة الإيرانية مساعدة صناع القرار الأمريكيين على التصدي للتحديات الأمنية التي تفرضها إيران على الولايات المتحدة وحلفائها. ووجه كارل ثلاث توصيات سياسية إلى الإدارة الأمريكية كي تتبناها على ضوء هذا الواقع. على الولايات المتحدة دمج سياستها الإيرانية في جهد أكبر لمكافحة انتشار التسلط الرقمي. يمكن أن تصبح إيران عاملاً آخر في نشر التقنيات القمعية وأساليب الرقابة الاجتماعية في الخارج. لقد برهن النظام الإيراني إرادته وقدرته على إرسال عناصر من جهازه الأمني الداخلي إلى العراق وسوريا لقمع المتظاهرين بشكل عنيف وبالتالي الحفاظ على مصالحه الأمنية والسياسية والاقتصادية هناك.

بإمكان طهران تصدير إمكانات كهذه بشكل متزايد إذا استنتجت السلطات الإيرانية أن هذه العمليات تصب في مصالحها بما أنها تعمل على تحسين مجموعة أدواتها القمعية. إن استراتيجية أمريكية أوسع لمواجهة الانتشار العالمي للتسلط الرقمي مطلوبة خصوصاً إذا تقدمت إيران أكثر على هذا المسار.

يجب على الولايات المتحدة ألا تسمح لإيران باستغلال الاتفاق النووي لردع واشنطن عن السعي خلف مسائل مهمة أخرى لسياسة واشنطن الخارجية وأمنها القومي. سوف يروج المتشددون الصاعدون للسلوك العدواني والتسلطي في إيران والمنطقة خلال السنوات المقبلة، بينما سيرفضون التسوية مع الغرب بشأن برنامج طهران الصاروخي ونشاطاتها الإقليمية. سيستغلون الفرصة ويستخدمون الأموال المتأتية من إعادة إحياء الاتفاق النووي لتعزيز مثل هذه الجهود.

لا يعتبر خامنئي والمتشددون الاتفاق النووي مستداماً وقد يتخلون أو يؤجلون أو يعكسون تنفيذه من أجل الضغط على الولايات المتحدة في مسائل أخرى. يؤكد كارل أن إعطاء الأولوية للاتفاق النووي على كل ما عداه سوف يضر بإمكانية الولايات المتحدة لمعالجة مروحة واسعة من القضايا التي تواجهها مع إيران.

يدعو كارل الإدارة إلى بث قمع النظام لمواطنيه حيث أن القيادة الإيرانية تسعى إلى إخفاء قمعها عبر إغلاق الإنترنت. بإمكان واشنطن لفت الانتباه الدولي إلى انتهاكات النظام الحقوقية وفرض ثمن على القيادة الإيرانية إذا واصلت هذا السلوك. على الولايات المتحدة الإضاءة تحديداً على استخدام إيران الوكلاء الأجانب لممارسة القمع الداخلي لو حصل ذلك. وينبغي على المواطنين العراقيين واللبنانيين رؤية أين يصب ولاء أولئك الوكلاء. ويرى الكاتب أن استخدام النظام للمقاتلين الأجانب في مهمات داخلية يمكن أن يؤدي إلى تآكل الدعم السياسي لوكلاء إيران الأجانب في بلدانهم الأساسية.