كيف تعيد واشنطن رسم خريطتها عبر أمريكا اللاتينية؟
قال الكاتب عمران خالد، الطبيب الباحث والحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية، إن الولايات المتحدة تشهد تحولاً إستراتيجياً صامتاً نحو أمريكا اللاتينية، بعيداً عن ضوضاء التوترات مع الصين وتهديدات الرسوم الجمركية. وأضاف خالد في مقال بموقع صحيفة «ذا هيل»، أن واشنطن بدأت خلال الأسابيع الأخيرة في نسج شبكات جديدة من التجارة والاستثمار مع دول تمتد من الأرجنتين والإكوادور إلى غواتيمالا والسلفادور، في خطوة يرى أنها تتجاوز الاقتصاد إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
من الهامش إلى مركز الحسابات.. وأوضح الكاتب أن المنطقة طالما جرى التعامل معها بوصفها فضاءً قريباً لا أولوية إستراتيجية، وسط انشغال الولايات المتحدة بالصين وأوروبا. وتابع الكاتب أن الاتفاقيات الجديدة تُظهر عودة التفكير في موقع أمريكا اللاتينية داخل الهيكل الإستراتيجي الأمريكي، خصوصاً مع تزايد المخاوف من اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية.
اقتصاد لا أيديولوجيا.. وأضاف الكاتب أن ما يميز هذا التحول أنه لا يرتكز على خطاب التدخل أو المواجهة كما كان الحال في الحرب الباردة، بل على سلاسل التوريد والشراكات الاقتصادية. وأوضح أن واشنطن تنقل أجزاء من عملياتها الصناعية واللوجستية إلى دول قريبة توفر تكلفة أقل، ومسافة أقصر، واصطفافاً سياسياً أكثر قابلية للتوقع.
ممر صناعي بديل عن الصين.. وقال الكاتب إن الولايات المتحدة تبني تدريجياً ممرّ سلاسل إمداد في نصف الكرة الغربي، يستهدف تصنيع المعدات المتقدمة والمواد المتصلة بالطاقة النظيفة والمعادن الحيوية.
وأضاف أن هذا التوجه لا يتعلق فقط بتنويع المصادر، بل يهدف إلى تشكيل كتلة جيوسياسية جديدة تُضعف قدرة الصين على التحكم في الأسواق العالمية.
ربح متبادل لكن بشروط.. وتابع الكاتب أن دول أمريكا اللاتينية ستستفيد بالتأكيد من الاستثمارات ونقل التكنولوجيا والدخول الأوسع إلى السوق الأمريكية، لكنها في المقابل ستصبح جزءاً من مشروع إستراتيجي كبير تحدد واشنطن إيقاعه. وأوضح أن ذلك سيعمق ارتباط اقتصادات المنطقة بالدورات الأمريكية وبالمعايير التنظيمية والسياسية لواشنطن.
أوروبا: المتفرج القلق.. وأشار الكاتب إلى أن أوروبا، التي كانت شريكاً اقتصادياً مهيمناً في أمريكا اللاتينية، تواجه الآن خطر التهميش. وأضاف أن الاندماج الاقتصادي بين واشنطن ودول الجنوب الأمريكي قد يخلق مركز ثقل ثالثاً ينافس الولايات المتحدة والصين معاً، ويزيد من صعوبة التنافس الأوروبي في أسواق فقدت فيها الشركات الأوروبية موقعها أمام القوة الصناعية الأمريكية والحجم التجاري الصيني.
استراتيجية جديدة أم رد فعل؟.. وأوضح الكاتب أن واشنطن غالباً ما تعاملت مع أمريكا اللاتينية من منطلق رد الفعل. لكن الاتفاقيات الحالية تبدو مختلفة، فهي أقرب إلى خطة طويلة المدى لخلق نطاق اقتصادي مستقر يحمي الولايات المتحدة من الصدمات الدولية. وأضاف الكاتب أن هذا التحول يمثل إعادة ضبط هادئة للإستراتيجية الأمريكية، لا مجرد تحول تجاري. فإذا ترسخت هذه الشراكات، فقد يصبح نصف الكرة الغربي محوراً جديداً لهيمنة الولايات المتحدة في عالم أكثر اضطراباً.