كانت الخطوط الأوكرانية ضعيفة جداً

كيف تقدمت روسيا في خاركيف رغم الإنذار المسبق؟

كيف تقدمت روسيا في خاركيف رغم الإنذار المسبق؟


كيف نجحت روسيا في تحقيق اختراق سريع على جبهة خاركيف، رغم أنها أوضحت مسبقاً نيتها بشن الهجوم، الذي توقعته أيضاً أجهزة الاستخبارات الغربية قبل بدايته؟.
بحسب محرر الشؤون الأمنية والدفاعية في صحيفة «ذا غارديان» دان صباغ، أثار واقع تمكن القوات الروسية من التقدم نحو 4 أميال في نقاط متعددة خلال 5 أيام تساؤلات جدية حول قدرة كييف على الدفاع عن نفسها.
لقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس -آذار إلى نية إنشاء «منطقة آمنة» على طول الحدود داخل أوكرانيا. وبعد شهر، أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن خاركيف لها «دور مهم» في مثل هذه الاستراتيجية.
في الوقت نفسه، كان جيش موسكو يبني مجموعته الشمالية الجديدة من القوات، التي قدّر معهد دراسة الحرب عددها بنحو 30 ألف جندي في منطقة بيلغورود الروسية. وفي الأسبوع الماضي، قبل يومين من هجوم الفجر، قال حاكم خاركيف الإقليمي إنه تم رصد احتشاد للقوات.
وأضاف مصدر أنه تم أيضاً تمرير تحذير من الاستخبارات الدفاعية البريطانية إلى القيادة الأوكرانية. لذلك، عندما عبر ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جندي روسي الحدود عند نقطتين رئيسيتين في الخامسة من صباح يوم الجمعة الماضي، أمكن ربما توقع أن يتم صد الهجوم بسرعة.

الهدف الأولي
في الواقع، تابع صباغ، كانت الخطوط الدفاعية لأوكرانيا ضعيفة إلى غائبة. في فوفشانسك الواقعة على بعد أقل من 40 ميلاً (64 كيلومتراً) شمال غرب خاركيف، «لم يكن الخط الأول من التحصينات والألغام موجوداً» كما كتب القائد الأوكراني دينيس ياروسلافسكي يوم الأحد. بينما قال أحد المحاربين القدامى الأوكرانيين الذين لديهم اتصالات في المنطقة: «إن الوحدات ببساطة لم تكن مستعدة للقتال»، وإن الدفاعات «ليست في موقعها الصحيح».
بحلول منتصف الأسبوع، وصل القتال إلى فوفشانسك وقرى شمال ليبتسي، على بعد نحو 20 ميلاً (32 كلم) من ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا والتي يسكنها 1.3 مليون شخص. قد يكون الهدف على المدى القريب هو أن يصل الغزاة إلى مدى المدفعية الروسية من عيار 152 ملم، أي نحو 15 ميلاً (24 كلم)، حيث سيكون من الممكن استئناف قصف أجزاء من المدينة، والتي وقعت آخر مرة ضمن نطاق النار في سبتمبر (أيلول) 2022.

أحدث انتكاسة هذه السنة
إن التدهور السريع في منطقة كانت تعتبر هادئة سابقاً هو أحدث انتكاسة لأوكرانيا سنة 2024. واصلت روسيا هذه السنة زيادة حجم قواتها المهاجمة إلى 510 آلاف جندي واستغلت نقص الذخائر والدفاع الجوي لدى المدافعين للاستيلاء على أفدييفكا في فبراير(شباط)، والاستيلاء على رأس جسر شمال غربها في أبريل. وفي مايو (أيار) بدأت تهدد منطقة خاركيف، على أمل تخويف السكان ودفعهم للمغادرة.
منذ مارس(آذار)، كما حددت الخبيرة الأمنية الأوكرانية ماريا أفديفا، انخرطت روسيا في تيار مستمر من الدعاية عبر الإنترنت تهدف إلى زعزعة استقرار سكان مدينة خاركيف والمنطقة. وفي أبريل(نيسان)، طلبت منشورات من قنوات تلغرام الموالية لروسيا من سكان منطقة خاركيف (وسومي المجاورة) «الاستعداد للعمليات القتالية في المناطق المبنية»، وتم تداول رسائل عن خطط إخلاء وهمية تشجع سكان المدينة على الفرار غرباً وجنوباً.
بشكل جزئي، ترجع الصعوبات العسكرية التي تواجهها أوكرانيا إلى توقف إمدادات الأسلحة من الولايات المتحدة لمدة 4 أشهر قبل أن يوافق الكونغرس الشهر الماضي على حزمة مساعدات بقيمة 61 مليار دولار، ومعاناة الدول الأوروبية لزيادة تصنيع الأسلحة قبل أواخر 2024. في الوقت نفسه، تكافح أوكرانيا، من أجل تجنيد الرجال، وهي تواجه جيشاً أكبر على ساحة المعركة. وخفضت أوكرانيا الحد الأدنى للخدمة من 27 إلى 25 عاماً.

روسيا تتغلب على نقاط ضعفها
أضاف صباغ أنه في الأسابيع الأخيرة، لوحظ بشكل كبير نقص في المدفعية الأوكرانية وغياب للدفاعات ضد الصواريخ الباليستية والقنابل الطويلة المدى. لكن خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جاك واتلينغ قال إن روسيا تتغلب أيضاً على القيود المفروضة على جيشها الذي يعاني من نقص التدريب، وتبدأ في «مضاعفة مزاياه» بالذخائر.
منذ تقلص عدد الصواريخ الدفاعية من طراز أرض-جو على الجبهات، يركز الأوكرانيون على ردع المقاتلات من عبور الحدود. لكنهم لم يعودوا قادرين على تدمير طائرات الاستطلاع من طراز أورلان-10 والتي تحلق الآن بشكل روتيني فوق كل من خاركيف وزابوريجيا، كما قال واتلينغ في ورقة بحثية جديدة. ويوم الثلاثاء، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقلق من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن توفير بطاريتي دفاع جوي من طراز باتريوت بقيمة مليار دولار للمساعدة في الدفاع عن منطقة خاركيف.

انتحار
يؤكد محللون عسكريون أن هناك تفسيرات لاضطرار أوكرانيا الى التراجع. فالمنطقة المحتلة هي منطقة رمادية ذات كثافة سكانية منخفضة وكان من الصعب الدفاع عنها بشكل خاص لأن أوكرانيا محظورة من استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب أهداف في روسيا نفسها. وقال جورج باروس، محلل في معهد دراسات الحرب: «إنه لأمر انتحاري بالنسبة إلى أوكرانيا أن يكون لديها خط دفاع رئيسي على الحدود، حيث يمكن للروس أن يضربوك بالمدفعية والقنابل الانزلاقية، بينما لا يملك الأوكرانيون أسلحة متاحة مثل مدفعية هيمارس الصاروخية للرد بسبب القيود الأمريكية». وبنتيجة ذلك، يمكن للقوات الروسية أن تتجمع عبر الحدود في مساحة آمنة نسبياً. وقال المحلل إنه يتعين على أوكرانيا «الدفاع عن مساحة هائلة من الأراضي، لكنها تعاني من مشاكل تتعلق بالقوة البشرية» – مما يعني أنها لا تملك القدرة على إنشاء تحصينات تشبه التحصينات الروسية على طول الحدود الشمالية بأكملها. وفي أعقاب توغل خاركيف، أكد العميد أولكسندر ياكوفيتس أنه تم إعداد تحصينات أفضل في الخط الثاني، «على بعد 15-17 كم من خط المواجهة» وفي الخط الثالث بعمق يصل إلى 35 كم.

هل تسقط خاركيف قريباً؟
قال باروس إن القوات التي أرسلتها روسيا إلى خاركيف حتى الآن والتي يصل عددها إلى 30 ألف جندي من بيلغورود، وهو يرتفع إلى 50 ألفاً إذا تم ضم القوات المجاورة، ليست قريبة على الإطلاق مما يكفي لتهديد مدينة بحجم خاركيف.
إن المعركة ليست صراعاً إقليمياً على ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، بل هي على الأرجح مزيج من هجوم تشتيتي لإضعاف الخطوط الدفاعية في دونباس ومحاولة لاستخدام القصف من أجل تحويل خاركيف إلى «مدينة أشباح».