كيف يرسم كيم إرثاً منفصلاً عن إرث والده وجده؟

كيف يرسم كيم إرثاً منفصلاً عن إرث والده وجده؟


يشير الباحث في شؤون شرق آسيا، خانغ فو، إلى أنه رغم أن العالم لا يزال في شهر أغسطس -آب، يمكن بالفعل القول إن عام 2024 كان مميزاً بالنسبة لكوريا الشمالية.
وفي «معهد لوي» الأسترالي، ذكر فو عدداً من المحطات البارزة التي شهدتها كوريا الشمالية على مدار الأشهر الماضية.
ففي يناير -كانون الثاني، أعلن كيم جونغ أون أن كوريا الشمالية تخلت عن هدف التوحيد مع كوريا الجنوبية، وهي السياسة التي كانت قائمة منذ 7 عقود على الأقل. وبعد شهر، وعد كيم ببناء 200 مصنع جديد في الريف على مدى السنوات العشر المقبلة.
في أبريل -نيسان، رحبت البلاد بتشاو لي جي، ثالث أعلى عضو في الحزب الشيوعي الصيني، لإجراء أول محادثات رفيعة المستوى منذ جائحة كوفيد-19.
وفي مايو -أيار، ردت كوريا الشمالية على ناشطين كوريين جنوبيين أرسلوا منشورات مناهضة لها عبر إطلاق بالونات تحمل القمامة عبر الحدود، وقد أصاب بعضها وسط مجمع المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية.
وفي يونيو -حزيران، أحيت بيونغ يانغ معاهدة تحالف من حقبة الحرب الباردة مع روسيا، مما وضعها في موقف وسط بين موسكو وبكين.
وفي يوليو -تموز، نشرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية صوراً لكيم وهو يذهب إلى مناطق غمرتها الفيضانات ويقوم بإجلاء السكان المحليين. لقد كان من النادر أن تصور وسائل الإعلام الرسمية زعيمها وهو يتحمل مثل هذه الظروف الخطيرة. 
ويدخل كيم عامه الرابع عشر في القيادة العليا، وهي فترة زمنية تعادل تقريباً الفترة التي قضاها والده كيم جونغ إيل «1994-2011» في السلطة.
ويتطلع كيم إلى بناء إرثه الخاص الذي يمكن أن يميزه عن جده ووالده.وحين كان يبلغ من العمر 27 عاماً في لحظة انتقال سلطوي، كان من المنطقي أن يعزز كيم المفتقر إلى الخبرة سلطته أولاً. وواصل ببساطة المشاريع غير المكتملة لعائلته، سواء أكانت توسيع ترسانات البلاد النووية والصاروخية أو تبني المشاركة مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بالاعتماد على المناخ السياسي في سيؤول.
وكانت برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية مبادرات كيم إيل سونغ. حدث أول اختبار نووي للبلاد سنة 2006 تحت إشراف كيم جونغ إيل. كان كيم جونغ إيل أيضاً أول زعيم كوري شمالي يستضيف قمة بين الكوريتين سنة 2000 كما افتتح منتجع جبل كومغانغ السياحي ومجمع كايسونغ الصناعي.
من سنة 2012 حتى 2017، قام كيم بتطهير أكثر من 340 مسؤولاً رفيع المستوى، في حملة شملت اغتيال أخيه غير الشقيق كيم جونغ نام. وربما أمكن أن يبني كيم إرثه الدائم من خلال الانخراط الدبلوماسي مع دونالد ترامب بين سنتي 2018 و2019، لكن هذه الدبلوماسية انقطعت بسبب الخلافات حول نطاق ووتيرة تخفيف العقوبات.
واضطر كيم إلى إغلاق بلاده لمدة أربعة أعوام لعزلها عن الوباء، مما حول كوريا الشمالية مرة أخرى إلى مملكة منعزلة بعد فترة وجيزة من الانفتاح. وتغير كل ذلك سنة 2024، وهي أول سنة خالية من مكافحة الوباء.
مع نجاح الدولة الكورية الشمالية في تشديد قبضتها على الأسواق بعد عمليات الإغلاق بسبب الوباء، والفائدة الكبير التي حصدتها من حرب روسيا في أوكرانيا، أحدث كيم انفصالاً كبيراً عن والده وجده عبر التخلي عن فكرة التوحيد وفكرة أن الكوريين الجنوبيين يشتركون في نفس الأصل الإثني، وهي الخطوة التي كانت لافتة للنظر إلى درجة أن العديد من المراقبين المخضرمين لكوريا زعموا أنها قد تكون علامة على استعدادات للحرب.
وتم محو كلمات كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل التي ذكرت التوحيد من الأماكن العامة.
ولاقت الملصقات والعمارة والرموز التي تشير إلى التوحيد المصير نفسه.
وأدخل كيم دبابيس مزخرفة تحمل وجهه لتحل محل تلك التي تحمل وجهي والده وجده. حتى أن كيم غير اسم أهم عطلة وطنية في كوريا الشمالية، وهي إحياء ذكرى عيد ميلاد كيم إيل سونغ، من «يوم الشمس» إلى «15 أبريل» وحسب.
وحوّل كيم هذه السنة تركيز والده وجده على العلاقات مع دول صغيرة إلى العلاقات مع دول أقوى، عبر إغلاق العديد من السفارات الكورية الشمالية في الدول الصديقة تقليدياً في أفريقيا.
ومن الجدير ذكره أيضاً وفق الكاتب أن كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل لم يرغبا في بقاء كوريا الشمالية متحالفة مع حكومة روسية تتحول إلى الديمقراطية بعد نهاية الحرب الباردة بسبب الاختلافات الأيديولوجية.
وانفصلت سياسة المصانع الريفية عن التركيز التقليدي لكوريا الشمالية على الصناعة الثقيلة والتنمية الحضرية لأنها موجهة نحو إنتاج السلع الاستهلاكية للسكان في المناطق. وليس من قبيل المصادفة أن يذهب كيم إلى المناطق التي غمرتها الفيضانات لتأكيد تركيزه المحلي الجديد.
ومن اللافت أيضاً أنه قد يكون كيم يستعد لتوريث السلطة لابنته كيم جو-أي، وهو ما يتعارض مع المعايير التقليدية التي اعتمدها سلفاه. 
وفي النهاية، يعتمد نجاح هذه المبادرات على قدرة الدولة على استغلال مواردها وعمالتها بشكل فعال، وكذلك على تطورات الصراع بين روسيا وأوكرانيا. ورغم كل هذه التغييرات، يبدو أن كيم يسعى بوضوح لتمييز نفسه عن سلفيه.