رغم اختلال التوازن بين الطرفين

لا ينبغي لروسيا الاستهانة بقدرة أوكرانيا على المقاومة

لا ينبغي لروسيا الاستهانة بقدرة أوكرانيا على المقاومة

-- سـيُترجم دعم الغرب لأوكرانيا في حال وقوع هجوم، بدعم مادي وليس تدخلًا عسـكريًا مباشرًا
-- من غيـر المرجح أن تكون روســيا قـادرة على غزو أوكرانيــا بأكملهــا، ناهيــك عن الســيطرة عليهـا
-- تقدر مصادر عسكرية أن دفاع الجيش النظامي عن المنطقة لن يتجاوز الأسبوع الواحد
-- يمكن للمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية وسلاح الطاقة أن تزعزع استقرار الحكومة الأوكرانية
-- 58 بالمائة من الرجال وحوالي 13 بالمائة من النساء على استعداد لحمل السلاح ضد الغزو الروسي


   في مواجهة الفشل المعلن للمفاوضات، تهدد روسيا بالمضي في الهجوم على أوكرانيا. لكن حتى لو استسلمت هذه الأخيرة، فإن سيطرة موسكو على البلاد بعيدة كل البعد عن التأكيد.
   مهما كان إطار العمل، فشلت المحادثات بين روسيا والغرب. وتعتبر موسكو وضعها مع الناتو، والذي سيكون بالنسبة لروسيا “مسألة حياة أو موت”، “لا يحتمل”.

 تم الوصول إلى الذروة مؤخرًا عندما زعم فلاديمير بوتين نفسه، أن الوضع في شرق أوكرانيا “يشبه الإبادة الجماعية”، حيث قال الكرملين إنه مستعد للرد بوسائل “عسكرية تقنية».
  لا يمكن أن تكون الإشارة أكثر وضوحًا: بعد شبه جزيرة القرم ودونباس، تهدد موسكو علنًا بارتكاب انتهاك ثالث للسيادة الإقليمية لأوكرانيا.  وما وراء أوكرانيا، تستهدف روسيا أوروبا وحلف شمال الأطلسي والنظام الدولي.
فهل تخادع روسيا أم يجب أن نخشى فعلا من صراع مسلح أكثر حدّة في أوكرانيا؟
ومـــا هــي فرص كييف في مواجهة جارتها القوية؟

أعمال غير عسكرية
   في أوكرانيا، كما في أمكنة أخرى، تم نشر معلومات مضللة على نطاق واســع من قبل بعض وسائل الإعلام الناطقة بالروسية من أجل تقويض الاستقرار، وهي نسخة حديثة من التحريض الدعائي السوفياتي. ومع ذلك، فإن تعرض البلاد للدعاية الروسية قد تضاءل بشكل كبير بسبب ثماني سنوات من الحرب.

 وقد اتخذت كييف إجراءات متقدمة من خلال حظر العديد من وسائل الإعلام الموالية لروسيا على أراضيها.
   وكشفت دائرة الأمن الأوكرانية أيضًا عن تنفيذ آلاف الهجمات الإلكترونية من شبه جزيرة القرم المحتلة منذ عام 2014. وفي منتصف يناير، أثارت عملية كبرى جديدة رد فعل قلق في كييف.
رسالة نُشرت على المواقع الإلكترونية للعديد من المؤسسات الأوكرانية، تدعو الأوكرانيين إلى “الخوف وتوقع الأسوأ”، وزُعم أنها قادمة من بولندا -أحد أقوى مؤيدي أوكرانيا -لكن كييف قالت إن روسيا مسؤولة عن الهجوم.

   في سياق المناقشات حول الأمن الطاقي الأوروبي، تلعب موسكو أيضًا دورًا في إمدادات الغاز من خلال الدفاع عن مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي يفترض أن يمد ألمانيا مباشرة، عبر بحر البلطيق.
 وبهذه الطريقة، بات بوسع الكرملين أن يوقف إمداد أوكرانيا بالطاقة، هي التي جُرّدت اصلا من فحم دونباس، مع حرمانها من حقوق النقل التي تعادل 4 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي.
   يمكن للمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية وسلاح الطاقة، أن تزعزع استقرار الحكومة الأوكرانية من خلال استهداف مواطنيها.
 لكن لا يستطيع الكرملين ادعاء هذه التصرفات امام المجتمع الروسي، خاصة لمواجهة الإبادة الجماعية المفترضة. ومن خلال عناده الدبلوماسي وتهديداته العسكرية المتكررة، وضع الكرملين نفسه في مأزق، حيث يبدو أن استخدام القوة هو السبيل الوحيد للحفاظ على مصداقيته.

السيناريوهات العسكرية
   يمكن لموسكو الاعتماد على حشد قدرات عسكرية كبيرة للتوغل في عمق الأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون روسيا قادرة على غزو أوكرانيا بأكملها، ناهيك عن السيطرة عليها، لأنها ستواجه مقاومة مسلحة شرسة.
 وهــــذا الهجوم العسكري المحدود، يمكن أن يأتي من عدة اتجاهات.

  شرقا: يمكن لروسيا أن تشن بسهولة عملية واسعة النطاق من الشرق، حيث تدعم ميليشيات دونباس، ومعظم قواتها موجودة في هذا الجانب.
ومع ذلك، فإن المدن التي يمكن أن تستولي عليها موسكو، خاركوف ودنيبرو، مأهولة بالسكان، ولن يقبلوا باحتلالها من قبل قوة أجنبية. هناك الكثير من المساحات الفارغة في الشرق حيث يمكن لروسيا أن تتقدم، لكنها أقل أهمية استراتيجية.

   جنوبا: تم تسميتها بريشرنوموري (أقاليم البحر الأسود)، وهي بلا شك المنطقة الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لروسيا.
يمكن أن يؤدي التدخل إلى قطع أوكرانيا عن شواطئها وربط القوات الروسية من دونباس إلى ترانسنيستريا..
 وهي منطقة في مولدوفا تحتلها روسيا بحكم الأمر الواقع في غرب أوكرانيا.

وبإمكان موسكو الاعتماد على قوات الشرق وتلك الموجودة مسبقًا في القرم.
 ويشير المحللون إلى ضعف الدفاع الساحلي الواقع غربي شبه الجزيرة.
ومع ذلك، على روسيا أن تحتل بشكل حتمي مدن ماريوبول الجنوبية في الشرق وأوديسا في الغرب.
 وهنا أيضًا، قد يقاوم السكان الاحتلال الروسي.

   شمالا: تبعد كييف، العاصمة الأوكرانية، مائة كيلومتر فقط عن الحدود مع بيلاروسيا.
 وفي حــــــال فرض الحماية الفعلية، أعلن ألكسندر لوكاشينكو، مؤخرًا أن بلاده “لن تقـــف جانبًا إذا اندلعت الحرب”.
وقد أرسلت روسيا هذا الأسبوع قوات جديدة إلى بيلاروسيا الواقعة على الحدود مع أوكرانيا.
  غربا: ربما هو الاتجاه المفاجئ أكثر، الذي يمكن أن يأتي منه غزو جديد لأوكرانيا.
 في الواقع، أشارت الولايات المتحدة إلى أن الكرملين يسعى إلى القيــــــام بتلاعـب من شأنه إضفاء الشرعية على مثل هذه العملية، وستكون ترانسنيستريا مسرحًا للاستفزاز، حيث احتفظت موسكو بقواتها منذ انهيار الإمبراطورية السوفياتية.

هل أوكرانيا
 مستعدة للمقاومة؟
   منذ ثماني سنوات، تعزز كييف قدراتها. ولئن لا تزال أوكرانيا في علاقة غير متكافئة مع روسيا، فان جهود الحكومة زادت من قدرتها على القتال.
 ومع ذلك، تقدّر مصادر عسكرية ان دفاع الجيش النظامي عن المنطقة لن يتجاوز الأسبوع الواحد، ولن يكون قادرًا على الصمود أكثر من ذلك دون مساعدة الغرب.
 وقد تعهد هؤلاء بدعم أوكرانيا في حال وقوع هجوم، وعلى الأرجح، سيُترجم هذا إلى دعم مادي وليس تدخلًا عسكريًا مباشرًا.
   تعاني بعض المناطق من ضعف معين، مثل الدفاع المضاد للطائرات، لكن التطورات الأخيرة دفعت أوكرانيا إلى زيادة قدراتها الدفاعية:
 فقد حصلت على طائرات بدون طيار تركية، وكذلك صواريخ مضـــــادة للدبابات قدمتها مؤخرًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أو من إنتاج أوكرانيا نفسها.

   في دعم القوات النظامية، يعتبر الحرس الوطني، وهو نوع من الدرك، ميزة إضافية. معززًا بالاستثمارات الكبيرة والمعدات المتطورة، يمكن أن يؤمّن الأراضي الأوكرانية من الخلف، في حال تسلّل مظليين أو قوات خاصة.
   نوع آخر من الوحدات، كتائب الدفاع الإقليمي، تم إنشاؤها بموجب قانون المقاومة الوطنية الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يناير 2022، تربط البلاد بأكملها. وفي هذه الوحدات المدنية التي يدربها الجيش، يتعلم المواطنون كيفية تنفيذ تكتيكات حرب العصابات بأسلحتهم الخاصة ضد القوات الأجنبية.
 وتشكّل هذه الكتائب تحديا خطيرا لأي احتلال.

   أخيرًا، أظهر السكان الأوكرانيـــــون أنفســــــهم، الذين تمّ حشدهم بعمق للدفاع عن الأمة منذ الاستيلاء على شبه جزيرة القــــــرم والحرب في دونباس، قدرًا كبيرًا من الصمود.
 ويعرّف خبير عسكري في كييف هذا المفهوم ليس بالسلبية وانما، على العكس من ذلك، باعتباره سلوكًا استباقيًا.
   ووفق مسح أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع نُشر في ديسمبر، قال 58 بالمائة من الرجال الأوكرانيين وحوالي 13 بالمائة من النساء الأوكرانيات إنهم مستعدون لحمل السلاح للدفاع عن البلاد ضد الغزو الروسي، إضافة الى 17 بالمائة و25 بالمائة على التوالي، يقولون إنهم مستعدون للمقاومة بطرق أخرى.
   من الدعم المادي للقوات إلى العمل المباشر، يعدّ المجتمع الأوكراني، المستقل تقليديًا عن حكومته، رصيدًا جادًا لخوض حرب مقاومة.


*محاضر في دراسات الصراع والأمن في معهد العلوم السياسية بباريس