محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
ما الذي ميّز التظاهرات الأخيرة في إيران؟
تطرقت الكاتبة في صحيفة “كيهان” الإيرانية الصادرة في لندن روشاناك أستراكي إلى السؤال الذي يشغل مراقبي الوضع الإيراني، هل يمكن لأزمة مياه إسقاط النظام؟
في مقالها الذي ترجمه إلى الإنجليزية موقع وورلد كرانش، تشير أستراكي إلى أن السلطات الإيرانية قمعت تظاهرات عامة في 26 نوفمبر(تشرين الثاني)، حين شجب المحتجون طيلة أسبوعين سياسات النظام المائية في مدينة أصفهان.
كانت هذه الاحتجاجات سياسية في جوهرها وناتجة عن أربعة عقود من انعدام الكفاءة بشكل إجرامي. لكن المزارعين والسكان كانوا يطالبون خاصةً بحقهم في الحصول على المياه وفي حماية البيئة الطبيعية التي ولدوا وسطها.
موجة جديدة
أضافت أستراكي أن اضطرابات نوفمبر (تشرين الثاني) كانت جزءاً من موجة تظاهرات جديدة ضد نخبة حاكمة مكروهة، إذ استلمت الحكومة الحالية برئاسة ابراهيم رئيسي السلطة في أغسطس (آب)، لكن التظاهرات اجتاحت البلاد منذ 2017.
وإيران هي واحدة من أكثر المناطق الخاضعة للإجهاد المائي حول العالم. في الحالة الأخيرة، احتج المزارعون والمواطنون بشكل سلمي وحضاري على جفاف نهر زاينده رود الحيوي، بفعل شح الأمطار وتحويل مياهه إلى مشاريع أخرى. لكن الحكومة الإيرانية لم تستطع تحمل ذلك، وردت على المتظاهرين بالهراوات والرصاص. كانت النتيجة يوم “جمعة دموي” في أصفهان مع إصابة واحتجاز المئات.
حملة مضادة
ورغم أنه لم تتوفر أرقام دقيقة عن عدد المعتقلين، أشارت تقارير استناداً إلى شهود عيان ومجموعات حقوقية إلى احتجاز أكثر من 250 شخصا، وإلى أن 40 فرداً ربما أصيبوا بإصابات في الأعين غير قابلة للشفاء بعد إصابتهم بالرصاص المطاطي في وجوههم.
وحسب الكاتبة، كان هدف النظام من استخدام أسلحة الضخ الناري إثارة خوف المتظاهرين، لكن أيضاً ترك علامات على وجوههم مع المخاطرة بحرمانهم من بصرهم.
ورغم ذلك، بقي رد المتظاهرين حضارياً على شكل حملات على الإنترنت لإظهار عنف الدولة ودعم المتظاهرين والجرحى.
بدأت الحملة بعدما عصبت والدة بيجمان كوليبور ونويد بهبودي، الشابان الذان قتلا في تظاهرات نوفمبر(تشرين الثاني) 2019، عينيها رمزياً، دعماً لشعب أصفهان. وانضم عدد من مخرجي الأفلام والممثلات والأمهات إلى الحملة بشكل جريء، متحدين الانتقام المحتمل.
مأدبة ثورية
ذكرت أستراكي أن النظام لا يزال هشاً كما كان دوماً بسبب الغياب الهيكلي للفاعلية ونقص الدعم الشعبي، والعزلة الدولية.
منذ عقدين، وضع النظام مشروع “إصلاحات” لمد عمر المأدبة الثورية التي تستمتع بها النخبة الكليبتو قراطية. إن إساءة استخدامه المخزية لشعارات مثل “السيادة الشعبية”، و”حوار الحضارات” عرضت فكرة الإصلاح في إيران إلى السخرية الشديدة. حتى أن الأجيال الشابة دأبت على استخدام عبارة “إصلاحي” باعتبارها رديفاً للإهانة ولربطها بالمخادع، تماماً مثل السياسيين الذين أطلقوا وعوداً للإيرانيين طيلة 20 عاماً لكسب أصواتهم بالتوازي مع انزلاق البلاد إلى الخراب.
انتهت اللعبة
منذ 2017، هتف الإيرانيون “انتهت اللعبة” للإصلاحيين وخصومهم المحافظين. وبرفضه التصويت في 2021، ترك الشعب الإيراني الإصلاحيين والمحافظين في موقف صعب جداً، إذ فاق عدد الممتنعين عن التصويت أعداد الأصوات التي حصدها الرئيس المنتخب الذي يطلق عليه عادة اسم قاضي الموت.
طيلة أشهر، كان الناس يسخرون من الإصلاحيين، ويصفونهم بفصيل الـ”3%”.
وتضيف أستراكي أن ردود فعل الشعب الإيراني كانت معتدلة بالمقارنة مع العبارات التي استخدمها الإصلاحيون والمحافظون ضده مثل المشاغبين و”عملاء الأجانب”.
ويحب هؤلاء وصف القمع العنيف للمتظاهرين بـ”إخلاء الشوارع”، وإذا واصل الشعب العودة إلى التظاهر فذلك لأنه يعلم أن الإصلاحات لم تعد تعني شيئاً في إيران.
لا شيء نخسره
استخدم النظام الرعب منذ تأسيسه في 1979، لكنه قد لا يكون فعالاً كما في السابقا. لقد أصبح الناس جريئين بشكل غير اعتيادي في الآونة الأخيرة، وقد تكون هذه الجرأة الأداة لدفع النظام إلى الهاوية، وربما تكون أيضاً إشارة على اليأس، ففي تظاهرات السنوات الماضية، سُمع المتظاهرون يهتفون: “ليس لدينا شيء نخسره». أخيراً، انتشر فيديو على الإنترنت يظهر موظفاً في بلدية خرمشهر يقول إنه لم يستطع شراء أصغر قالب حلوى لابنته في عيد ميلادها. وادعت سلطات البلدية أن المدعو فؤاد ساديبور لم يعمل لديها. لكنه حمل صوراً مباشرة لمكان عمله على موقع إنستغرام، قائلاً إنه لن يأبه لطرده، رغم أنه لم يحصل على راتبه طيلة أشهر.
النظام خائف
كتبت أستراكي عن تشكل إجماع بين الإيرانيين، على تعذر حماية حقوقهم بغير التظاهرات الوطنية الشاملة والعابرة للقطاعات، وكان التضامن مرئياً حين دعا عمال المصانع المتظاهرون إلى الإفراج عن الأساتذة المحتجزين، أو حين تظاهر المعلمون في شمال محافظة غلستان، بعد أن عصبوا أعينهم تضامناً مع المتظاهرين الذين أصيبوا في أصفهان. ويخاف نظام الملالي من حجم هذا التضامن، وبدا الخوف واضحاً من خلال ردود أفعاله. في أصفهان، فرضت السلطات حظر تجول بالقرب من نهر زاينده رود لمنع إقامة صلاة جماعة هناك، وهو ما كان قد سعى إليه المتظاهرون.
ونبهت السلطة القضائية في أصفهان إلى ضرورة منع أي تجمع هناك وحثت على الإبلاغ عن أي “مشتبهين”. وبعد ستة أيام فقط من قمع تلك التظاهرات، تظاهر آلاف الأساتذة في 60 مقاطعة، بما فيها أصفهان، رغم التهديدات الرسمية.
أصل المشاكل
يحتاج النظام إلى زرع الانقسامات بين الإيرانيين ليتمكن من مواصلة الحكم كما فعل في الأعوام الأربعين الماضية.
وتتساءل الكاتبة إذا كان التوزيع غير المتساوي للاستثمارات في المناطق، محاولة خفية لتأليب المجموعات الإقليمية والعرقية ضد بعضها البعض. يحب النظام اللعب على الاحتياجات الشخصية والمعزولة. لكن بينما يتنازع الناس على المشاكل المالية والشخصية، أظهرت التجارب أنهم يعلمون الآن، أن أصل العديد من المشاكل هو النظام، بصرف النظر عن العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والجغرافية، والثقافية. وحسب أستراكي، فإن الخطوة الأولى والوحيدة للحل، هي المقاومة المبنية على التضامن الوطني.