رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
ماذا يعني اعتراف بايدن رسمياً بإبادة الأرمن؟
عندما سُئل فارتان غريغوريان قبل ثلاث سنوات عما يعنيه أن تعترف الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية للأرمن في 1915، بدا يتطلع إلى المستقبل، لا الماضي، وقال: “نحن عازمون على البقاء...ولكن لماذا؟ هذا هو بيت القصيد».
هكذا استهل الكاتب الشهير ديفيد إغناثيوس مقاله في صحيفة “واشنطن بوست” عما يعنيه الاعتراف المتوقع من الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإبادة الأرمنية.
وتوفي غريغوريان في الأسبوع الماضي عن 87 عاماً، وهو رئيس سابق محبوب لمؤسسة كارنيغي وجامعة براون.
لم يعش ليرى اللحظة العاطفية المحتملة يوم السبت، حيث من المتوقع أن يصبح الرئيس جو بايدن أول رئيس أمريكي يعترف رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن.
ويوم السبت الذي يصادف الذكرى السنوية لإحياء ذكرى 1.5 مليون ضحية للإبادة الجماعية، ربما كان غريغوريان ليطرح نفس السؤال الذي طرحه في مقابلة مارس(آذار) 2018: “ما هو واجبنا الأرمن؟ لمنع الآخرين من مواجهة نفس الذي واجهناه؟، كيف نظهر تعاطفنا مع الذين تعرضوا لسوء المعاملة اليوم، مثل أسلافنا؟».
إحقاق العدالة
ومن المؤكد أن الأرمن في جميع أنحاء العالم سيفرحون بإعلان بايدن المتوقع. وسيحتفلون بإحقاق العدالة والحقيقة بعد عقود من الإنكار التركي لأحداث 1915 المروعة.
لكن إغناثيوس يأمل أن يفكروا أيضاً، كما كان سيفعل غريغوريان، في كيفية بناء الجسور الآن لمساعدة تركيا على الهروب من أهوال تاريخها.
وأضاف “يجب أن يكون السبت يوماً يتحرر فيه الأتراك أيضاً من الماضي. أدى إنكار الإبادة الجماعية إلى جروح للأرمن، لكنه أضر أيضاً بتركيا. لطالما أكد المؤرخون حقيقة ما حدث، بما في ذلك الباحث التركي تانر أكجام في دراسته التفصيلية للمصادر العثمانية بعنوان عمل مخز».
كان إنكــــار هـــــــذه الحقائــــــق حسب الكاتب، عبئاً ثقيلاً على تركيا، وكأنه يجر الماضي إلى المستقبل.
وظهر غضب تركيا المستمر أيضاً في دعمها لحرب أذربيجان ضد أرمينيا في إقليم ناغورنو قره باخ المتنازع عليه.
أشباح الماضي
ورأى إغناثيوس أنه حان الوقت للتخلي عن ذلك، في أنقرة واسطنبول، وأطلال مدن وقرى الأناضول التي تطاردها أشباح 1915.
تتحدر عائلة إغناثيوس من إحدى تلك البلدات، في مكان يُدعى خاربرت في شمال شرق تركيا اليوم، التحق جده الأكبر بكلية الفرات هناك، التي أسسها المبشرون الأمريكيون، ثم هاجر إلى إنجلترا، والولايات المتحدة، حيث التقت ابنته بجد الكاتب الذي جاء إلى أمريكا من نفس المدينة في 1903. لكن أقارب آخرين مكثوا هناك وشهدوا أحداث 1915 المروعة، فصل الرجال عن النساء والأطفال وذبحوا رغم المقاومة. أُرسلت النساء والأطفال في مسيرة موت عبر الصحراء إلى سوريا ومات فيها الكثيرون.
وقال غريغوريان إنه عندما كان طفلاً في تبريز بإيران، في الثلاثينيات من القرن الماضي ، لم يناقش الناس الإبادة الجماعية التي حدثت قبل عقدين من الزمن، إذ كانت إيران صديقة لتركيا، وتحدث الأرمن ببساطة عن “الموتى” واللاجئين الذين تدفقوا إلى تبريز، وبيروت، وحلب، ومئات البلدات الأخرى حيث عاشوا حياة جديدة.
مبادرة أورورا
وأضاف إغناثيوس إن الماضي دائماً معنا، و”نحن لا ننسى أبداً، حتى عندما نحاول”.
لكن غريغوريان كان جزءاً من حركة سعت إلى استخدام تجربة الإبادة الجماعية ليس لإثارة المرارة والانتقام، ولكن للنظر إلى الخارج والاحتفال بالروح التي سمحت للشعب الأرمني بالبقاء والازدهار، وفي النهاية إعادة بناء دولة مستقل».
هذه الحركة سميت مبادرة أورورا الإنسانية، وأسسها في 2015 غريغزريان ونوبار أفيان، رجل الأعمال الذي شارك في تأسيس شركة التكنولوجيا الحيوية موديرنا، التي أنتجت لقاحاً ضد فيروس كورونا، وروبن فاردانيان، رجل الأعمال والمحسن الأرمني الروسي.
سميت المبادرة، على أورورا مارديغانيان، يتيمة الإبادة الجماعية التي أصبحت رمزاً للمعاناة والبقاء. وشعار المجموعة “الامتنان في العمل”، لإحياء ذكرى الأبطال الذين أنقذت أعمالهم الإنسانية الآخرين.
ويخلص الكاتب إلى أنه غالباً ما تنكر العدالة وتقمع، كما حصل مع نضال الولايات المتحدة المستمر منذ قرون ضد العنصرية “لكن يجب أن يكون هناك حساب نهائي مع الماضي، كما رأينا هذا الأسبوع مع إدانة ضابط شرطة مينيابوليس السابق ديريك شوفين، وبعد ذلك، نأمل أن ننتقل إلى المستقبل، ونتقاسم نعمة الحقيقة والعدالة مع الآخرين».