قد لا يكون التفسير الوحيد له:

مالي: التنافس بين باريس وموسكو وراء الانقلاب...!

مالي: التنافس بين باريس وموسكو وراء الانقلاب...!

-- وصل الروس إلى إفريقيا الوسطى على رؤوس أصابعهم، وها هم يقاتلون حقيقة إلى جانب الحكومة
-- الضوء الأخضر الدولي للتوريث السياسي  في تشــاد أعطى أفكــارًا للضبـاط المـاليين
-- بعض ضباط الانقلاب الماليين قريبون من موسكو، ولا تخفي باريس نوعا من التوتر


بعد تسعة أشهر من انقلابه الأول، أصبح العقيد عاصمي غويتا الرئيس الجديد لمالي. تم طرد المدنيين المكلفين بقيادة البلاد حتى الانتخابات القادمة، وأصبح العسكريون الآن بمفردهم في دفة القيادة، وتضاءلت الإدانات الدولية، التي كانت صريحة في البداية.

بعد أسبوع من إقالة الرئيس ورئيس الوزراء، عاد العقيد الشاب مرتاحًا من قمة استثنائية الأحد الماضي لدول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي هددت بفرض عقوبات على جارتهم الحبيسة وغير الساحلية.
   في النهاية، لم يتم تعليق عضوية باماكو الا من هيئات الإيكواس.

حتى إيمانويل ماكرون، المستاء للغاية الأسبوع الماضي من الانقـــــلاب الجديد في مالي، انحاز إلى موقف الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، شريطة إجراء الانتخابات في موعدها، فبراير 2022.

عقود أسلحة غامضة
    عادت فرنسا إلى هدوئها لأنها لا تريد تنفير الجيش المالي منها. لقد كانوا يقاتلون الجماعات الإرهابية جنبًا إلى جنب مع الجنود الفرنسيين المنتشرين في صحراء مالي منذ عام 2013. والأكثر من ذلك، أن القوة الاستعمارية السابقة ترى أن علاقتها الحصرية مع مالي متنازع عليها. ففي أعقاب انقلاب العقيد غوتا، الذي اعتقل الرئيس ورئيس الوزراء، رأت الصحافة المالية ان ذلك كان نتيجة خلافات حول عقود أسلحة روسية.
   بعض الانقلابيين، الذين أطاحوا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، قريبون فعلا من موسكو. “الكولونيل ساديو كامارا، كان في روسيا قبل انقلاب أغسطس 2020 مباشرة”، يحلّل محمد عمارة، عالم الاجتماع في جامعة الآداب والعلوم في باماكو وفي جامعة ليون، ومؤلف كتاب “تجار القلق، مالي كما هي وكما يمكن أن تكون».

   لقد ورث هذا العقيد وزارة الدفاع الاستراتيجية. لكنه لم يعـــــد عضــــــوا في الحكومـة المعدلة التي أعلن عنها الأسبوع الماضي الرئيس المالي الانتقالي باه نداو. رد فوري من عاصمي غويتا:
 عزل الرئيس، العائد لتوه من باريس حيث حضر قمة حول تمويل الاقتصادات الأفريقية، ورئيس الوزراء.

مظاهرة مؤيدة لروسيا
   الخلافات حول التقارب المحتمل مع روسيا ليست التفسير الوحيد للانقلاب المالي الثاني. “من المؤكد أن الضوء الأخضر الدولي للتوريث السياسي في تشاد، أعطى أفكارًا للضباط الماليين”، يتابع محمد عمارة. المجلس العسكري الحاكم يلعب أيضًا على الاستياء المتزايد تجاه فرنسا، فمنذ تدخلها العسكري، ساء الوضع الأمني في البلاد.
   وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تظاهر عدة مئات من الماليين ضد الوجود العسكري الفرنسي، ملوحين بالأعلام الروسية. وقبل أيام قليلة، ندد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ “الانقلاب داخل الانقلاب”، بل ودعا إلى فرض عقوبات مستهدفة ضد الكولونيلات الماليين.

سابقة أفريقيا الوسطى
   بالتأكيد لن تخشى موسكو مثل هذا اللوم. فالمساعدات العسكرية إلى جانب الدعم الدبلوماسي، هو ما تقدمه روسيا لجمهورية إفريقيا الوسطى منذ عدة سنوات. لقد وصل الروس لأول مرة إلى هذا البلد المهجور، وهو منطقة فرنسية سابقة، على رؤوس أصابعهم. ويبدو الآن أن المدربين الروس يقاتلون حقيقة إلى جانب الحكومة وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ضد المتمردين، مقابل الوصول إلى الموارد المعدنية للبلاد. وقتل ثلاثة من هؤلاء “المدربين” الروس، الخميس الماضي.

   لا تخفي فرنسا انزعاجها، واعتبر إيمانويل ماكرون، في طريق عودته من رحلة إلى إفريقيا، الأحد، أن رئيس إفريقيا الوسطى “رهينة” المرتزقة الروس الذين يضمنون حمايته. وفي نفس المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “جورنال دو ديمانش”، هدد الرئيس الفرنسي باماكو بسحب القوات الفرنسية. ويتمركز غالبية جنود قوة برخان البالغ عددهم 5100 جندي في مالي.

    يريد إيمانويل ماكرون تقديم تعهدات لرأيه العام، قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ولا يعتقد محمد عمارة أن الرئيس سينفذ تهديداته لأن ذلك سيكون اعترافًا رهيبًا بالفشل في محاربة الجهاديين. “تتمتع فرنسا ومالي بعلاقات وثيقة للغاية، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا على الصعيد الاقتصادي... إنهما مثل زوجان عجوزان يعلو صراخهما لكنهما يظلان معًا».