بالتزامن مع عام المجتمع

مبادرة إنسانية إماراتية تمنح مبتوري الأطراف من 8 دول خطوة جديدة نحو الحياة

مبادرة إنسانية إماراتية تمنح مبتوري الأطراف من 8 دول خطوة جديدة نحو الحياة

9 عمليات ناجحة ضمن مبادرة «10 رحلات» بقيمة 4 ملايين درهم أطلقها الدكتور شمشير فاياليل من دولة الإمارات

في إنجاز إنساني يجسد قيم العطاء والتسامح التي تتميز بها دولة الإمارات، تتواصل مبادرة "10 رحلات" التي أطلقها الدكتور شمشير فاياليل، المؤسس ورئيس مجلس إدارة برجيل القابضة تزامنًا مع عام المجتمع في دولة الإمارات، في تحقيق أثر إنساني عميق حول العالم، إذ قدمت حتى اليوم 9 عمليات زراعة أطراف صناعية متقدمة لمصابين من 8 دول، ضمن مبادرة تبلغ قيمتها الإجمالية 4 ملايين درهم إماراتي، أطلقت مؤخراً تكريمًا للطفلين شام وعمر، الناجيين من زلزال سوريا عام 2023 واللذين تلقيا العلاج في مدينة برجيل الطبية في وقت سابق.
وتهدف المبادرة إلى إتاحة 10 عمليات مجانية متقدمة لزراعة الأطراف الصناعية بتقنية الاندماج العظمي (Osseointegration) للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم نتيجة إصابة أو مرض أو بسبب إصابات الحروب. وتُجرى جميع العمليات في عيادة الاندماج العظمي في مدينة برجيل الطبية بإشراف البروفيسور الدكتور منجد المدرس، جراح العظام العالمي المعروف، حيث تعتمد التقنية على تثبيت زرعة من التيتانيوم مباشرة داخل العظم، ما يمنح المرضى ثباتًا أكبر وراحة أعلى وقدرة طبيعية على المشي. ومع اكتمال عمليات أماندا واثنتين أخريين مؤخرًا، بلغ إجمالي المستفيدين 9 مرضى حتى الآن.
قصص من الأمل والإصرار
عندما بدأت الأسترالية أماندا دي يونغ، وهي مدربة كلاب، تفقد السيطرة على ساقها اليسرى، ظنت أن الأمر مؤقت وسينتهي سريعًا، لكن خلال أيام قليلة بدأت قدمها بالالتواء إلى الداخل وتحولت كل خطوة إلى معركة مؤلمة، كانت أماندا البالغة من العمر 36 عامًا رياضية شاركت في سباقات الماراثون، قبل أن تجد نفسها عاجزة عن المشي ومحاصرة داخل جسد لا يستجيب، وبعد سنوات من العلاجات الفاشلة، اتخذت قرارًا صعبًا ببتر ساقها أسفل الركبة أملاً في التخلص من الألم واستعادة حياتها.
قادتها رحلتها لاحقًا إلى أبوظبي، حيث أصبحت واحدة من أحدث المستفيدين من مبادرة "عشر رحلات"، كانت أماندا شغوفة بعملها في تدريب الكلاب المساعدة، إلا أن إصابتها بمتلازمة الألم الإقليمي المعقد (CRPS) غيّرت مسار حياتها تمامًا، إذ كانت تبكي يوميًا من شدة الألم عند النهوض من السرير، وعلى مدى ست سنوات، جربت العلاج الطبيعي والعلاج المائي والدعامات والعقاقير المتعددة، لكن دون جدوى، كما أن إصابتها بالتوحد زادت من تعقيد حالتها، إذ لم تكن قادرة على تحمل الضغط والحرارة الناتجين عن الطرف الصناعي التقليدي.
اضطرت أماندا إلى التوقف عن العمل، بينما لم يكن زوجها قادرًا على العمل أيضًا، ما أدى إلى انقطاع الدخل واعتماد الأسرة على المساعدات الحكومية. تقول: "كنت المعيلة الوحيدة للأسرة، وعندما لم أعد أستطيع العمل، انهار كل شيء، كنا نعيش بوضع مادي سيء للغاية، ومرت أيام لم أكن أعلم فيها ما الذي سيأتي بعد ذلك."
عندما سمعت عن مبادرة "10 رحلات"، رأت فيها طوق النجاة، فسافرت إلى أبوظبي بمفردها لأن أسرتها لم تتمكن من تحمل تكاليف السفر معها. وتضيف: "منذ لحظة وصولي إلى برجيل، استقبلني الجميع بلطف ودفء لم أشهده من قبل، الرعاية هنا تفوق كل توقعاتي، اليوم بعد العملية أحلم بالعودة إلى تدريب الكلاب، وأتمنى أن أركض من جديد يومًا ما، لقد منحتني هذه الجراحة فرصة جديدة لمطاردة الحياة مجددًا."
ويتذكر البريطاني ستيفن دولان (38 عامًا) تفاصيل اليوم الذي غيّر حياته بالكامل، إذ كان جنديًا يخدم في صفوف المشاة في مقاطعة هلمند بأفغانستان عندما انفجرت عبوة ناسفة بدائية الصنع (IED) تحته، ويقول: "أتذكر الانفجار والصوت ثم الصمت، وعندما نظرت إلى الأسفل، أدركت أن ساقي لم تعد موجودة. كنت أظن أنني أستطيع تحمل أي شيء، لكن فقدان أحد الأطراف اختبار لا يمكن تصوره."
أنهى الانفجار مسيرته العسكرية التي امتدت لثماني سنوات في لحظة واحدة، وبعد أشهر طويلة من التأهيل المؤلم، تعلم المشي مجددًا باستخدام طرف صناعي. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، استخدم ستيفن أطرافًا صناعية تقليدية سببت له الألم وعدم الراحة.
ويقول ستيفن: "في الأيام ذات الطقس الحار، كان الطرف يرخو وأضطر إلى التوقف عن المشي، كنت أتظاهر أن كل شيء بخير أمام أطفالي، لكن في داخلي كان يؤلمني ألا أستطيع اللعب معهم أو الذهاب في نزهات دون قلق من سقوط الطرف الصناعي. أطفالي الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و13 و16 عامًا، كانوا مصدر إلهامي للاستمرار في التحدي، لم يروني محطمًا يومًا، كانوا فقط يريدون أن يكون والدهم سعيدًا."
وعندما علم بأنه تم اختياره ضمن مبادرة "عشر رحلات"، شعر بأن بابًا جديدًا فُتح أمامه بعد سنوات من المعاناة. وبعد الجراحة، بدأ ستيفن بالفعل في استعادة قوته وتوازنه. وأضاف قائلاً: "الآن يمكنني أن أحلم من جديد بالجري مع أطفالي، والعودة إلى العمل، والعيش دون ألم، هذه الجراحة منحتني فرصة لأن أكون الأب الذي أريد أن أكونه."
أما لويس ليتاو (68 عامًا) من دنفر، كولورادو، فتغيرت حياته بعد أسبوع واحد فقط من تقاعده عقب مسيرة امتدت 35 عامًا كعامل زجاج، حيث تعرض لحادث مأساوي عندما انقلبت شاحنته المتوقفة فجأة عليه في مزرعة صديق له، وعلقت فوقه لما يقارب 20 ساعة وهو وحيد في البرد القارس.ويقول: "صرخت حتى فقدت صوتي، وفي لحظة ما دعوت الله أن يتوقف الألم، حتى لو كان الثمن حياتي، بقيت هكذا حتى عثر علي رجال الإنقاذ صباح اليوم التالي، وتم نقلي جوًا إلى مركز صدمات، حيث بُترت ساقي اليسرى، بينما عمل الأطباء على إنقاذ كليتي اللتين بدأتا بالفشل، لقد قضيت أيامًا على جهاز الغسيل الكلوي حتى استقرت حالتي."
وأضاف: "كنت أقضي حياتي في العمل الميداني والخروج للطبيعة، كنت أتنزه وأصطاد وأمشي كل يوم، بعد الحادث، توقف كل ذلك. شعرت أنني سجين في كرسي متحرك، وبسبب قِصر الجزء المتبقي من ساقي، كان استخدام الطرف الصناعي التقليدي مؤلمًا للغاية. لم أرد أن أقضي ما تبقى من حياتي أقاتل الألم والطرف الصناعي غير المريح، جراحة الاندماج العظمي منحتني فرصة ثانية."
خضع لويس للجراحة في مدينة برجيل الطبية، وهو الآن في مرحلة إعادة التأهيل وتعلم المشي من جديد، حيث يحلم بالعودة إلى الجبال والإمساك بأداة الصيد والشعور بقدميه تلمسان الأرض مرة أخرى.
من جانبه، قال البروفيسور منجد المدرس استشاري جراحة العظام والمتخصص في تقنية الإندماج العظمي، الذي أجرى جميع العمليات:" إن قصص تعافي المرضى تبرز كيف يمكن للتقنيات الطبية المتقدمة أن تغيّر حياة الناس، فكل مريضٍ جاء إلى هنا يحمل سنوات من الألم والأمل، ومن خلال تقنية الاندماج العظمي، نساعدهم على استعادة حركتهم واستقلالهم من جديد."
وبلغ عدد المستفيدين من مبادرة "10 رحلات" حتى الآن تسعة مرضى من قارات مختلفة، من بينهم: ماسيمو كاستيلاني "50 عامًا" من إيطاليا، آلان ماي "49 عامًا" من تايوان، حسنين علي "24 عامًا" من العراق، أنس جبيحي "30 عامًا" من فلسطين، جوشوا أرنولد "29 عامًا" من الولايات المتحدة، وشارون شيريان "33 عامًا" من الهند.