مشاكل إيران أكبر من أن يحلها اتفاق في فيينا

مشاكل إيران أكبر من أن يحلها اتفاق في فيينا


قالت الاستاذة في جامعة جورج تاون الأمريكية والخبيرة في الشؤون الإيرانية شيرين هانتر، إن إيران حتى لو حصلت على تخفيف بعض العقوبات في مفاوضات فيينا، فإن مشاكلها لن تُحل إلا إذا غير قادتها أولوياتهم، واعتمدوا سياسة خارجية أكثر واقعية تُركز على حماية المصالح المشروعة لإيران وشعبها، وتطوير كوادر دبلوماسية احترافية، بدل الكوادر الإيديولوجية.
وقالت هانتر في موقع “ريسبونسبل ستايكرافت”، إن العقدين الماضيين، شهدا تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران بشكل مطرد. ولم تشهد طهران سوى حقبة وجيزة من التعافي بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في 2015، والرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية.
لكن هذا التعافي توقف بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وفرضه عقوبات جديدة وأكثر صرامة على إيران في مايو (ايار) 2018.

أوضاع متردّية
ورأت أن تضاؤل الدخل، وتزايد الفقر، وانخفاض معدلات المواليد، وآلاف المشاريع غير المنجزة، والوحدات الصناعية العاطلة عن العمل، علامات تعكس الأوضاع المُتردية في إيران. ويتمثل الأمر الأكثر تعبيراً عن الأزمة ذات الأبعاد المتعددة في إيران، في ارتفاع مُعدل هجرة الإيرانيين، خاصة من الفئات التي حصلت على درجة عالية من التعليم.
وتعتبر الصعوبات الاقتصادية السبب الرئيسي للهجرة، وتساهم القيود الثقافية والقمع السياسي أيضاً، في زيادة رغبة الإيرانيين في الهجرة إلى الخارج.
وقد تصدّى المتشدِّدون الذين يُسيطرون الآن على الحكومة الإيرانية لهذا الاتجاه، بقولهم للمواطنين: “غادروا البلاد إذا كنتم لا تحبونها”. وأثار هذا الوضع رداً من مدير “بيت الموسيقي” الإيراني، الذي سأل: “إذا غادر كل الموطنين إيران، فمن سيبقى في البلاد ؟”.

أوجه خلل
ووفق المقال، يعزو القادة الإيرانيون، خاصة المتشددين الذين يتخذون القرارات في سياسات إيران الداخلية والخارجية، المشاكل التي يُواجهونها إلى تأثير العقوبات الأمريكية على طهران.
ومن الواضح أن العقوبات أثّرت تأثيراً مُدمراً في الاقتصاد الإيراني، لكنها فشلت في تغيير النظام الحاكم، أو سلوكه.
وفي الواقع، لم تكن واشنطن أبداً منحازة إلى إيران منذ الثورة في 1979، وغالبا ما كانت سياساتها تجاه طهران غير حكيمة وذات نتائج عكسية. لكن المتشدّدين في إيران لا يسألون أبداً هل ساهم سلوك إيران في عداء الولايات المتحدة؟ ومع ذلك، سيُدرك أي مراقب موضوعي أن العداء المتبادل بين واشنطن وطهران وتداعياته السلبية على إيران، أسفر جزئيًّا عن أوجه خلل كبرى في المبادئ الأساسية لسياسات طهران الخارجية.

أولويات مشوّهة
واعتبرت هانتر أن المصدر الرئيسي لمشاكل إيران يتمثّل في الأولويات المشوهة لدى قيادتها المتشددة، فمعظم الدول تعطي الأولوية لتأمين مصالحها، بما في ذلك رفاهية شعوبها، وربما لا تنجح هذه الدول في تحقيقها ولكنّ هدفها الأساس يكمن في حماية المصالح الوطنية وتعزيزها. والأدهى من ذلك، أن الدول تستخدم الإيديولوجيات والقيم في خدمة مصالحها. أما في إيران، فهذا الأمر لا ينطبق على المتشددين الإيرانيين، لأن حماية مصالح إيران الدولة والشعب ليست هدفهم الأساس. فبالإضافة إلى احتفاظهم بالسيطرة على السلطة، تُعد الأهداف العابرة للوطنية، مثل مكافحة الإمبريالية، أي الولايات المتحدة، وتحرير فلسطين، والقدس، والوحدة الإسلامية، من بين أولوياتهم، حتى إذا كان تحقيقها يفرض أعباءً ثقيلة على مواطني هذا البلد.

رؤية خاصة للإسلام
وعزت الكاتبة الأمر إلى أن الإسلاميين المتشددين، ومن بينهم الخميني، لا يدينون بالولاء لإيران ورفاهية شعبها، بل ويرون حتى في الثقافة الإيرانية قبل الإسلام، خصماً من خصوم الإسلام، وبالتالي تُهدد قبضتهم على السلطة. ويرى هؤلاء، أن إيران تكتسب قيمتها فقط بوصفها أداة لخدمة رؤيتهم للإسلام.
كانت هذه وجهة نظر مهدي بازركان، أول رئيس وزراء إيراني، ما بعد الثورة والذي عمل عن كثب مع الخميني نفسه.
كما أشار علي مطهري، العضو السابق في البرلمان ونجل مرتضى مطهري، أخيراً إلى النهج الذي اتبعه الخميني في رؤيته للعلاقة بين إيران والإسلام.
وسبق أن أشار الخميني إلى أن تحسين مصير إيران وشعبها لم يكن الهدف الرئيسي للثورة، التي كانت  مهمتها بدل ذلك استعادة، مكانة الإسلام في إيران والعالم.
ويشترك المرشد الحالي علي خامنئي، ورجال دين متشدّدون آخرون وإسلاميون علمانيون، بالإضافة إلى أعضاء بارزين في الحرس الثوري، في هذه الآراء.

إحباط سياسة الإعتدال
وأشارت هانتر إلى أن قوى برغماتية في إيران حاولت اتباع سياسة تَتسِم بالاعتدال والرُشد، ممثلة في شخصيات بارزة مثل الرؤساء الإيرانيين السابقين، علي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وحسن روحاني. غير أن المتشددين استمروا في إحباط جهودهم.
وقالت هانتر، إنه لا يُمكن فهم الجوانب الرئيسة في السياسة الخارجية التي تتبعها إيران إلا على ضوء هذه المعتقدات الأساسية.
وتتضمَّن هذه المعتقدات، معاداة الولايات المتحدة، ورفض التحدث المباشر مع واشنطن في الوقت الحالي، والعداء المزمن لإسرائيل، ودعم حزب الله، وحركتي حماس، والجهاد، والنظام السوري؛ إذ تُمثل هذه المعقدات أجزاءً أساسية في تحالف ما يُسمى “محور المقاومة”.
ولمحت الكاتبة إلى أن الأولويات والسياسات المُشوهة القائمة على هذه المعتقدات الأساسية، تُعد السبب الرئيسي في تعرُّض إيران لضغوط وعقوبات دولية، وأسهمت هذه السياسات، بدل برنامجها النووي في حد ذاته، إسهاماً كبيراً في مأزق إيران الحالي.

الجهل بديناميكيات\ السياسة الدولية
ورأت هانتر أن القادة الإيرانيين المتشددين وواضعي السياسات الخارجية، يفتقرون إلى فهم كافٍ للسياسات الدولية، خاصةً الدور المحوري الذي تلعبه موازين القوى بين الدول.
ويعتقد القادة الأكثر نفوذاً في إيران، انطلاقاً من اقتناعهم بدعايتهم، أن ثقافة “المقاومة والاستشهاد والاعتماد” على الذات تُمكنهم من هزيمة خصومهم، الذين يتمتعون بالقوة. وأضافت أنهم اعتمدوا على التقارب الديني والتظاهر بالصداقة، ثم شعروا بالخيانة من الدول الأخرى. على سبيل المثال، عندما صوتت الهند على إرسال الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي في 2006، أعرب علي لاريجاني، المفاوض النووي الإيراني آنذاك، عن دهشة حقيقية، إذ لا يبدو أنه أدرك أن الهند، التي انخرطت بعد ذلك في التودد لواشنطن، ستسعى وراء تحقيق مصالحها الخاصة.
خيانة وافتقار
 للكوادر الفعالة
ورأت الكاتبة أنه بعد 40 عاماً من الانتكاسات، يستمر قادة إيران في اتباع هذه الأنماط نفسها، ويبدون مندهشين عندما تتصدى دول أخرى لإجراءاتهم المستفزة، بتبنّي مواقفَ عدائية ضدهم.
ويشعر هؤلاء بالخيانة عندما تستخدم دول مجاورة الصعوبات الدولية التي تُعاني منها إيران للضغط عليها، أو لتقويض مصالحها، أو لتحقيق أهدافها الخاصة، أو عندما تنقلب عليهم دول دعموها سابقاً.
وأضافت أن إيران لطالما افتقرت إلى كوادر دبلوماسية فعالة، حيث أدى تطهير وزارة الخارجية بعد الثورة، إلى فصل الأكثر خبرة أو تقاعدهم، ليحل محلهم موظفون غير متعلّمين وعديمي الخبرة، حتى على مستوى منصبي وزير وسفير.
وتدريجياً، شغل أفراد يتمتّعون بالثقافة والخبرة هذه المناصب، لكنهم افتقروا إلى الخبرة الدبلوماسية، وغالباً ما تنقصهم المهارات اللغوية. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع وزير الخارجية الإيراني الحالي إجراء محادثة بالإنجليزية.

أضرار مدمّرة
واعتبرت هانتر أن أوجه القصور هذه، يُمكن أن تُلحق أضراراً مدمرة، خاصةً عند التفاوض على قضايا قانونية وتقنية معقدة.
وخلصت الباحثة إلى أن الافتقار إلى الواقعية مصدر آخر للمشاكل التي تواجهها إيران في علاقاتها مع الدول الأخرى، إذ وضع قادة إيران أهدافاً لا يستطيعون تحقيقها، ولذلك استنفذوا البلد والشعب اقتصادياً، ونفسياً، وبيئياً.