من الظل إلى العلن.. «الفيلق الأفريقي» ذراع روسيا لتقويض نفوذ الغرب

من الظل إلى العلن.. «الفيلق الأفريقي» ذراع روسيا لتقويض نفوذ الغرب


بعد ثلاث سنوات ونصف من وجودها في مالي، غادرت مجموعة فاغنر الروسية رسميًا البلاد، تاركةً خلفها حضورا جديدا أكثر وضوحا وعلنية “فيلق أفريقيا”، وهو الكيان الذي تتولى روسيا من خلاله اليوم إدارة نفوذها في منطقة الساحل، في سياق مواجهة مفتوحة مع الوجود الغربي، لا سيما الفرنسي.
مركز “تمبكتو” للأبحاث الذي يتخذ من العاصمة السنغالية داكار مقرًا له، تحدث عن هذا التحول في تقرير يتناول الدلالات الاستراتيجية لهذا الانتقال من “الظل” إلى العلن، ويسلط الضوء على الأجندة الروسية في منطقة مضطربة باتت ساحة تنافس جيوسياسي محتدم.
ووفق التقرير، لا يقتصر حضور “فيلق أفريقيا” على الدعم العسكري، بل يمتد ليشمل أربعة أهداف رئيسة: حماية الأنظمة العسكرية الحاكمة، وضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية الحيوية -كمصفاة الذهب قرب باماكو- إلى جانب السعي لبناء شراكات طويلة الأمد في مجالات البنية التحتية والطاقة، والأهم: تقويض النفوذ الغربي في المنطقة، خصوصًا النفوذ الفرنسي الذي تراجع بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة.
ويقول التقرير إن الفيلق الجديد لا يحمل تغيرا جوهريا في المهام، إذ يستمر في تنفيذ العمليات القتالية إلى جانب الجيش المالي، ويشارك في إدارة مراكز القيادة، ويقدّم التدريب والدعم الاستخباراتي، تمامًا كما كانت تفعل فاغنر. 
اللافت، بحسب معهد تمبكتو، أن ما لا يقل عن نصف مقاتلي “فيلق أفريقيا”، وربما ما يصل إلى 70 أو حتى 80% منهم، هم في الحقيقة عناصر سابقون في مجموعة فاغنر.
ويؤكد التقرير أن روسيا تعزز “وجودها العملياتي” في مالي عبر قواعد جديدة قريبة من باماكو، ومعدات عسكرية متطورة، بينها عربات مدرعة ومدفعية ثقيلة، ما يدل على نية موسكو في ترسيخ موطئ قدم دائم لها في قلب الساحل.
بحسب التقرير، فإن أحد المحاور المركزية في هذا الوجود  الروسي يتمثل في ضمان حماية الأنظمة العسكرية التي تولت السلطة في انقلابات متتالية، من دون أي اشتراطات ديمقراطية أو التزامات بحقوق الإنسان، ما يوفّر الهيكل الروسي غطاءً سياسياً لهذه السلطات، ويعزز من قدرتها على البقاء، لكنه في المقابل، يغذي مشاعر الاستياء في أوساط المجتمعات المحلية، لا سيما بعد ارتكاب انتهاكات موثّقة لحقوق الإنسان. ويوضح الباحثون في “تمبكتو” أن الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها “جماعة ما يسمى نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، باتت تقدم نفسها كـ”حامٍ للمدنيين المضطهدين”، مستفيدةً من حالة الإفلات من العقاب للفاعلين الرسميين وشبه الرسميين، الأمر الذي يُسهم في تجنيد مزيد من الأتباع ويغذي انعدام الثقة بين الدولة والمجتمع.
ويخلص التقرير إلى أن انتقال السيطرة من  فاغنر إلى فيلق أفريقيا يعني نهاية “الإنكار المعقول” الذي كانت موسكو تتمسّك به، فالفيلق، على خلاف فاغنر، لا يتحرك في الظل أو تحت لافتة غير رسمية، بل يمثل كيانًا باتت أفعاله تُحسب مباشرة على روسيا. ولذا، فإن أي تجاوزات، سواء على صعيد جرائم الحرب أو الإخفاقات الميدانية، ستُحمّل لموسكو رسميًا.
ويُبرز التقرير الدور المتنامي الذي تؤديه الوكالة الروسية “المبادرة الأفريقية” في الترويج لسرديات روسية عبر وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تُصوّر روسيا على أنها “قوة استقرار” في وجه التدخلات الغربية.
وفي ظل تصاعد التوتر العالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، يرى التقرير أن توسع الحضور الروسي في الساحل قد يؤدي، بشكل غير مباشر، إلى اشتباكات جديدة بالوكالة، ليس فقط مع الجماعات المتطرفة، بل مع حلفاء الغرب مثل أوكرانيا أو حتى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، على أرض أفريقية هذه المرة. وكانت مجموعة فاغنر قد أعلنت، قبل أسابيع، أنها أنهت مهامها في مالي بعد ثلاث سنوات ونصف من القتال هناك، معتبرةً أن مهمتها أُنجزت بنجاح، دون أن تُفصّل في طبيعة هذا النجاح. وتعاني مالي من حالة عدم استقرار مستمرة منذ عام 2012، بسبب التمردات المسلحة المتعددة، التي تقودها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.