«كومرسانت» : شعبية موسكو سيتي ستتأثر

هجمات الطائرات المسيّرة تكشف استراتيجية أوكرانيا ضد روسيا

هجمات الطائرات المسيّرة تكشف استراتيجية أوكرانيا ضد روسيا

أظهر مقطع فيديو على الإنترنت طائرة بدون طيار تندفع بين ناطحات السحاب في مجمع موسكو سيتي للأعمال، قبل أن تنفجر في جانب برج زجاجي، وعندما اندلعت كرة من النار، صرخت امرأة تصور المشهد: “سنرحل غداً! لن نبقى هنا!».
وبحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”، كان الهجوم على العاصمة الروسية في 30 يوليو (تموز) واحداً من سلسلة هجمات لطائرات مسيّرة على المدينة شملت، بعد يومين هجوماً آخر، وهجوماً سابقاً على الكرملين في مايو (أيار)، بالإضافة إلى هجمات على البنية التحتية العسكرية للبلاد في البحر الأسود وأماكن أخرى.
 
جبهة جديدة
وافتتحت أوكرانيا جبهة جديدة يوم الجمعة باستخدام مسيّرة بحرية لضرب سفينة روسية في ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود مخصصة لتصدير النفط الخام. كانت تلك الضربة هي المرة الأولى التي تستهدف فيها كييف البنية التحتية النفطية، التي تمول غزو موسكو لجارتها. وضربت مسيرة السبت ناقلة نفط روسية في مضيق كيرتش بالقرب من القرم. يقول محللون إن الهجمات جزء من جهود أوكرانيا لإنهاك موسكو، وجعل حربها أقرب إلى أراضيها.
قال سفير الولايات المتحدة السابق لدى حلف شمال الأطلسي كورت فولكر: “الغرض الرئيسي من هذه الهجمات هو دحض رواية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن هذه مجرد ‘عملية عسكرية خاصة‘ تتعلق بتحرير أوكرانيا وليس لها تأثير على روسيا».
وأضاف: “إنهم يظهرون للشعب الروسي أنها حرب حقيقية وإن رواية بوتين كذبة”. 
من جهته، قال وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاغورودنيوك إنهم بعثوا برسالة إلى روسيا مفادها أنها ليست قوة “لا تُقهر”، وأن حتى عاصمتها ومراكز سلطاتها كانت عرضة للخطر.
وتابع: “هذا مهم جداً، خصوصاً بالنسبة إلى الحكومة الروسية. في موسكو، يعيشون حياتهم الخاصة. الآن يمكن الوصول إليهم حتى هناك».
 ما النتيجة؟
ثمة أدلة على أن الضربات تحقق التأثير المطلوب. بعد هجوم يوم الثلاثاء على مدينة موسكو، ذكرت وسائل إعلامية روسية أن بعض المستأجرين كانوا يبحثون عن مكاتب في مكان آخر.  قال إيفان، وهو موظف في شركة لتكنولوجيا المعلومات: “هاجمت الطائرات المسيّرة برج آي كيو وأنا أعمل في برج أوراسيا المجاور له” في إشارة إلى إصابة المبنى الذي يضم وزارات التجارة والتنمية الرقمية والاقتصادية الروسية. وأضاف: “أخشى أن أتعرض للأذى بمجرد مجيئي إلى مكتبي. الكل يسأل الإدارة ما الذي يجب فعله. التوصية الوحيدة التي تلقيناها هي عدم البقاء في المكتب بعد الساعة 11 مساء».
وذكرت صحيفة “كومرسانت” الروسية هذا الأسبوع أن شعبية موسكو سيتي ستتأثر، وأن الشركات هناك وكذلك وزارة التنمية الاقتصادية طلبت من الموظفين العمل عن بُعد. غير أن البعض خارج الحي التجاري كان غير مهتم. قال كسينيا وهو أحد سكان موسكو: “هذه الهجمات لا تؤثر على حياتنا على الإطلاق، ولا أحد من حولي يتحدث عنها».
 
هدف آخر
يقول محللون عسكريون إن كييف تستخدم الهجمات أيضاً لصرف انتباه روسيا عن حملتها داخل أوكرانيا ولإحباط جيشها مما قد يجبرها على إعادة تخصيص الموارد لموسكو. لكن لا يوجد مؤشر حتى الآن على قيام الكرملين بأي إعادة انتشار رداً على ذلك، بالرغم من وضع أنظمة دفاع جوي على أسطح مباني الحكومة وأمن الدولة في موسكو بعد هجوم مايو. قال مسؤول عسكري غربي كبير، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إنه وبينما افتقرت الضربات الأخيرة لتأثير استراتيجي كبير، فإنها وجّهت رسالة بشأن عجز الجيش الروسي عن الدفاع عن المجال الجوي الوطني.
وقال المسؤول إن هذا يمكن أن يحبط معنويات القوات الروسية، ويساعد في الهجوم المضاد لأوكرانيا: “يمكن تقويض المعنويات بشكل مباشر، لكن أيضاً من خلال عائلات الجنود والمدنيين».
 
خيارات ضيقة
يقول جان كاساب أوغلو، من معهد هدسون، إن كييف التي تتبع سياسة عدم تأكيد أو نفي هجمات الطائرات المسيّرة تستخدم الأسلحة بشكل أساسي لأنها تفتقر إلى خيارات أخرى بعيدة المدى. وقال أوغلو إن معلومات استخبارية مفتوحة المصدر أشارت إلى أن أوكرانيا كثيراً ما استخدمت الطائرة بدون طيار يوجي-22، التي تصنعها شركة أوكرجيت الأوكرانية للمسيّرات.
وفق الموقع الإلكتروني للشركة نفسها، يمكن أن تطير يوجي-22 لمدة تصل إلى ست ساعات ومسافة تبلغ 800 كيلومتر تكفي للوصول إلى موسكو من الحدود الأوكرانية. وجمع المدون الأوكراني إيهور لاتشينكوف مؤخراً 500 ألف دولار لمشروع بيفر للمسيّرات، والذي قال كاساب أوغلو إنه يهدف إلى بناء طائرات “كاميكازي” بدون طيار بمدى ألف كيلومتر. حدد محللون عدة مسيّرات بيفر في مقاطع فيديو نُشرت على الإنترنت أثناء الضربات ضد موسكو.
 
مسيّرات أخرى على الطريق
الممثل الأوكراني سيرهي بريتولا الذي جمعت مؤسسته نحو 120 مليون دولار مخصصة لأغراض عسكرية وإنسانية نشر مؤخراً مقطع فيديو لنفسه على مدرج بجانب العديد من تلك الأجهزة. وقال مبتسماً للكاميرا: “ليس لدينا أي فكرة عما يمكن أن يطير إلى موسكو».
وتعمل أوكرانيا على بناء سلسلة من الجيل الثاني من المسيّرات البحرية البعيدة المدى والمعروفة باسم ماغورا في-5 بمدى 450 ميلاً بحرياً (نحو 833 كيلومتراً). في مايو (آيار) هاجمت إحداها سفينة التجسس الروسية إيفان خورس في البحر الأسود. تقوم أوكرانيا أيضاً بتطوير طوربيد مسيّر يُعرف باسم تولوكا.
 
رسالة إلى الروس
قال مسؤول عسكري غربي إنه “يجب على أوكرانيا أن تشن هجومها المضاد بهذه الطريقة، ببطء وتستنزف الروس، دون الالتزام بجدول زمني».
وألمح النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة الأوكرانية اللفتنانت-جنرال إيهور رومانينكو إلى أنه لن يكون هناك راحة لروسيا.
وقال: “أي شخص يتساءل لماذا تشن أوكرانيا مثل هذه الضربات على موسكو يجب أن يقضي بضع ليال في كييف”، في إشارة إلى قصف الكرملين للعاصمة الأوكرانية بلا هوادة.
وأضاف: إن على سكان روسيا، الذين دعموا بوتين لأكثر من 20 عاماً، أن يفهموا أنهم ليسوا تحت حمايته، وأن هناك شيئاً ما يجب القيام به مع قيادتهم».