محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
إدارة بايدن لا تريد الحرب ولا تريد طهران نووية
هذا هو الخط الأحمر الذي على أمريكا رسمه أمام إيران
اقترح الباحث البارز في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية إريك بروير والأستاذ المشارك في جامعة دارتموث نيكولاس ميلر خطاً أحمر محدداً يمكن لواشنطن بموجبه توجيه ضربة عسكرية لإيران في حال انتهكته.
وكتبا في مجلة “فورين أفيرز” أن إيران وسعت برنامجها النووي وتباطأت بتقديم التنازلات في فيينا مما عرض خطط الولايات المتحدة من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي للخطر وأجبرها على دراسة بدائل للديبلوماسية. وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن إيران “لن تحصل أبداً على سلاح نووي تحت ناظري”. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) قال الموفد الأمريكي الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي إن الولايات المتحدة “لن تقف مكتوفة الأيدي” إذا تقدم البرنامج النووي الإيراني كثيراً مكرراً تعليقات سابقة بأن “جميع الخيارات” سيتم أخذها بالاعتبار إذا فشلت الديبلوماسية.
انتهى الترف
يشير الكاتبان إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تضع فيها واشنطن جميع الخيارات على الطاولة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. كرر ذلك كل رئيس أمريكي بدءاً من جورج بوش الابن. كان للولايات المتحدة ترف عدم الحاجة إلى التفكير بملموسية كبيرة حول ما قد يطلق الخيار العسكري لأن برنامج إيران كان بعيداً أشهراً كثيرة إن لم يكن سنوات عن جمع ما يكفي من المواد لتصنيع قنبلة. لكن هذا الترف انتهى. فالبرنامج النووي الإيراني بات اليوم أكثر تقدماً بفارق كبير وأضحت إيران قريبة جداً من العتبة النووية. إن فترة خرقها النووي، أي الزمن الذي تحتاجه لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم من أجل صنع قنبلة هو شهر على الأرجح ويصبح أقصر مع مرور الوقت. على الرغم من أن إيران قد تحتاج على الأرجح إلى سنة أو سنتين لإنتاج صاروخ يسلم السلاح النووي، سيكون كشف وإيقاف تلك النشاطات أكثر صعوبة بكثير لأن المفتشين لا يستطيعون تعقبها.
بالنظر إلى هذا الوضع المحفوف بالمخاطر، على إدارة بايدن التفكير ملياً بالتطورات النووية الإيرانية غير المقبولة فعلاً والتي تستحق توجيه تهديد لطهران باستخدام القوة العسكرية لمنع حدوثها. باختصار، ما هي خطوط واشنطن الحمراء؟
المخاطر موجودة دائماً
يجيب الكاتبان في البداية بأن رسم الخطوط الحمراء، ناهيكم عن تنفيذها، لن يكونا سهلين أو خاليين من المخاطر. لكن من دونهما، تخاطر الولايات المتحدة بالسير من دون إرادتها نحو النتيجة التي لطالما سعت إلى تفاديها. إن رسم الخطوط الحمراء يفرض تحدياً إذ إن السياسيين لا يحبون أن يتم تقييدهم أو لومهم لاحقاً إذا فشلوا في التنفيذ. حين أخفق الرئيس باراك أوباما بتنفيذ خطه الأحمر بشأن منع استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية، واجه انتقادات كثيرة في الداخل والخارج. السؤال المركزي هو مكان تحديد العتبة.
أظهرت الأبحاث الأكاديمية أن الخطوط الحمراء لمنع الانتشار النووي تتضمن غالباً نقاط ضعف تشجع متبني هذا الانتشار على التقدم نحو تصنيع القنبلة بينما يرسملون على الإفلات من العقاب. وهذه بصمة الاستراتيجية النووية الإيرانية حتى تاريخه. بالفعل، إن خطاً أحمر تنقصه الصدقية قد يكون أسوأ من عدم وجود هذا الخط على الإطلاق. لكن إيجاد التوازن الصحيح أمر صعب.
سابقة
يمكن أن تكون الخطوط الحمراء تعسفية للغاية وداعية بطبيعتها للانتهاكات المتدرجة. في الثمانينات، هدد الرئيس رونالد ريغان بقطع المساعدات عن باكستان إذا خصبت اليورانيوم إلى نسبة نقاء تفوق 5%. لكن الحكومة الباكستانية أصابت في حساباتها بأن الإدارة لن تتخذ خطوة بارزة بناء على ما يرقى إلى قيد تعسفي على برنامجها النووي. في نهاية المطاف ما الذي يميز نسبة 6% عن 5%؟ إن الخطوط الحمراء المبنية على عدد محدد من أجهزة الطرد أو المواد الانشطارية بالنسبة إلى إيران سيواجه على الأرجح مشاكل مشابهة.
أضاف الكاتبان أنه قد يكون صعباً أيضاً كشف متى تجاوزت أي دولة خطاً أحمر. لهذا السبب إن رسم خط حول بعض أعمال التسليح إشكالي.
على الرغم من أنه قد يبدو جذاباً رسم خط بين العمل المرتبط بالأسلحة النووية والعمل الذي قد ينطبق على برنامج نووي مدني، بإمكان المسؤولين والعلماء إخفاء بعض أهم عمليات التسليح مثل إطلاق حسابات رياضية لتصميم الرؤوس النووية. علاوة على ذلك، يمكن لإيران نظرياً الامتثال لهذا الخط والبقاء قريبة جداً من إنتاج اليورانيوم المستخدم لأغراض عسكرية، بالتوازي مع إعلانها عن نوايا سلمية محضة.
خطورة المنطقة الرمادية
يمكن للخطوط الحمراء ألا تكون دقيقة بما يكفي فتعطي ناشري الأسلحة النووية مناطق رمادية لاستغلالها. لهذا السبب، إن تحديد خط أحمر ضد سلوك محدد بشكل ضعيف مثل إطلاق “برنامج أسلحة نووية” سيكون غير حكيم بما أن ثمة نقاشاً بارزاً حول ما الذي يشكل برنامجاً كهذا. والخطوط الحمراء قد لا تكون كاملة بمعنى أنها تمكن ناشري الأسلحة النووية من تحقيق أهدافهم من دون انتهاكها. إن خطاً أحمر يمنع إيران مثلاً من اختبار سلاح نووي هو خط ملحوظ ودقيق ويمكن التحقق منه.
لكنه سيسمح لإيران بإنتاج وتخزين الأسلحة طالما أنها لم تختبر أحدها. امتنعت إسرائيل وباكستان وجنوب أفريقيا عن اختبار الأسلحة النووية بعد تطويرها للحد من الضغط الدولي عليها.
كل المشاكل دفعة واحدة
أوضح الكاتبان أن بعض الخطوط الحمراء البديهية تعاني من جميع هذه المشاكل دفعة واحدة. إن خطاً أحمر يمنع إيران من تجميع سلاح نووي، وهو ما قاله الرؤساء الأمريكيون، يقدم مثلاً جيداً. هو ليس خطاً تعسفياً بالتأكيد لكنه قد يكون صعب التحقق منه وغير دقيق وكامل. بالتوازي مع الامتثال لهذ الخط الأحمر، بإمكان إيران إنتاج يورانيوم للأسلحة وحتى إخفاؤه عن الرقابة الدولية طالما أنها لم تحوله إلى سلاح. يمكن لإيران أن تبلغ نقطة تبعد من خلالها أياماً فقط من الحصول على سلاح جاهز. عندها سيكون صعباً جداً التحقق من الفترة الزمنية التي تم خلالها انتهاك الخط الأحمر، بما أن مكان وجود المواد وتوضيبها قد لا يكونان معروفين. وعبارة “سلاح نووي” هي نفسها غير دقيقة. هل يجب أن يتم تجميع الجهاز بشكل كامل؟ هل يجب وضعه على صاروخ؟
حين لا تستحق
التهديد بالضربة
حتى الخطوط الحمراء المتحررة من هذه العيوب قد لا تستأهل استخدام القوة العسكرية في حال انتهاكها. إن التهديد بالتحرك العسكري إذا قامت إيران بنقل اليورانيوم المخصب من المنشآت التي يزورها المفتشون عادة إلى منشأة سرية لصناعة قنبلة هو أحد الأمثلة. سيكون الانتهاك واضحاً وقابلاً للكشف ومقلق. لكن بحلول الوقت الذي يلاحظ فيه أي أحد ما فعلته إيران، ستكون الإفادة من استخدام القوة العسكرية مشكوكاً بها: إذا لم يكن واضحاً المكان الذي نقلت إيران إليه تلك المواد، فما فائدة الغارة؟ يتساءل الكاتبان. ولو بنت إيران منشأة تخصيب سرية جديدة فالانتهاك سيكون محدداً وعلى الأرجح قابلاً للتحقق منه وملحوظاً بالنظر إلى إمكانية تأمينه مساراً لإنتاج مواد نووية غير خاضعة للضمانات. لكن إذا كانت المنشأة قيد البناء ولم تحتوِ على اليورانيوم أو أجهزة الطرد، فإن اكتشافها لن يستحق استخدام القوة العسكرية على الأرجح. يؤكد الكاتبان ضرورة منع واشنطن هذه التطورات. لكن ربطها بالتهديد العسكري سيكون فكرة سيئة. إن أقوى الخطوط الحمراء ستتفادى غالبية هذه المشاكل: هي ملحوظة، قابلة للتحقق منها، دقيقة، وكاملة. وهي أهل للقتال في سبيل الدفاع عنها.
نسبة 90 %
رأى بوير وميلر أن أفضل نهج سيهدف إلى منع إيران من إنتاج مواد مخصصة لغايات التسليح: تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90%. إذا أقدمت إيران على ذلك، فستظل بحاجة إلى تسليح المواد ولن تكون القنبلة بين يديها، لكنها ستكون قد أنجزت أصعب جزء في بناء السلاح. عند هذه النقطة، سيكون صعباً جداً على الولايات المتحدة دحر برنامج إيران النووي ومنعها من استخدام هذه المواد لصنع السلاح. بكلمات أخرى، إذا اجتازت إيران عتبة 90% من التخصيب بدون أي تدخل، فستحتاج الولايات المتحدة بشكل مرجح كي تستعد لإيران نووية عوضاً عن محاولة تفادي هذا الواقع. وبناء خط أحمر على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% يتمتع بمنافع عدة تفتقدها الخطوط الأخرى.
هو دقيق وبسيط ويقلص مخاطر الالتباس. مع افتراض أن المفتشين الدوليين يحتفظون بإمكانية الوصول إلى برنامج إيران النووي، يمكن أيضاً الكشف عن انتهاكه بطريقة جاهزة. تستطيع إيران تقنياً استخدام اليورانيوم المخصب إلى ما دون 90% لصنع السلاح، لكن اليورانيوم المخصب إلى 90% أكثر استخداماً ويتمتع بمنفعة أنه يحظى باعتراف واسع بأنه عتبة السلاح النووي مما يضيف الشرعية إلى هذا الخط الأحمر. مع ذلك، ثمة مشكلتان في هذا الخط بحسب الكاتبين.
قد تحاول إيران الالتفاف حوله عبر حرمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المنشآت وطرد مفتشيها. لذلك، تحتاج واشنطن إلى توضيح أنها لن تتسامح مع منع المفتشين من الوصول إلى منشآت التخصيب أو من إكمال مهمتهم الرقابية. إذا حصل ذلك فسيكون على واشنطن افتراض الأسوأ: انتهاك الخط الأحمر وقيام إيران بإنتاج اليورانيوم المخصص لأغراض السلاح. ثانياً، هنالك مخاطر بتقدم البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة تحرم الولايات المتحدة من الوقت الكافي لكشف إنتاج اليورانيوم المخصب بهذه النسبة أو تحويله إلى برنامج سري ثم الرد بالقوة العسكرية.
غير مقبول
قال مسؤول أمريكي في وقت سابق من الشهر الحالي: “المقلق هو أنه في الربع الأول من السنة المقبلة، سيبدأ خرق إيران النووي بالاقتراب من هامش الخطأ... الوكالة الدولية للطاقة الذرية تزور شخصياً (المنشآت) حوالي مرة واحدة أسبوعياً... يمكن أن نصل إلى فترة حيث يدخلون أساساً هامش الخطأ لترتيب الأمور والحصول سريعاً على ما يعادل قنبلة واحدة من اليورانيوم العالي التخصيب».
لن يكون مقبولاً الوصول إلى هذه النقطة لأن ذلك سيعني تمكن إيران من إنتاج مواد كافية لصناعة قنبلة من دون أن يعلم المجتمع الدولي بذلك إلا بعد طول تأخر. بكلمات أخرى، إن انتهاكاً للخط الأحمر قد لا يكون قابلاً للتحقق منه في الوقت المناسب. إن رسم خط أحمر واضح لتفادي هامش الخطأ أصعب بكثير. هذا لأن الجداول الزمنية للخرق النووي مبنية على مروحة من العوامل التقنية المتحولة. قد تختلف الحسابات الإيرانية والأمريكية بشكل كبير مما يؤدي إلى تصورات مختلفة حول مدى قرب إيران من أي خط أحمر. من دون معيار تقني واضح، قد تُترك واشنطن لإصدار تحذيرات تعسفية أو مبهمة وتأمل أن تصغي إيران إليها.
إن مقاربة أفضل قد تسعى إلى حل تقني يجنب الأزمات. قد تسمح إيران للمفتشين بزيارة منشآت أساسية كل يوم كما كانت الحال خلال تنفيذ الاتفاق النووي. لن يتطلب هذا الأمر من إيران التراجع عن برنامجها النووي وقد يساعد في تفادي ضربة عسكرية.
ما وثقته
الأبحاث الأكاديمية
يمكن أن يقول النقاد إن رسم خط أحمر لإيران سيكون غير حكيم لأنه يسمح لها ضمناً بالتقدم حتى الوصول إلى تلك العتبة. يرى الكاتبان أن هذا خطر وأن ثمة هامشاً للنقاش المشروع حول كيفية نقل الولايات المتحدة خطوطها الحمراء إلى إيران. لكن الخطر الأعظم يكمن في أن غياب أي عتبة واضحة قد يدفع إيران لاستنتاج إمكانية مواصلة تطوير برنامجها النووي مع تفادي أي أكلاف بارزة. قد يزعم آخرون أن رسم الخطوط الحمراء مدعومة بالتهديد العسكري سيقضي على الديبلوماسية. لكن ما من دليل كبير على أن التهديدات باستخدام القوة ستجعل المفاوضات مستحيلة أو أن التهديدات بفرض المزيد من العقوبات سيردع إيران عن الاستفزازات النووية الكبيرة. لقد وثقت الأبحاث الأكاديمية أن التهديد باستخدام القوة ساعد في ردع دول عن تطوير أسلحة نووية وفي موافقتها على الحلول الديبلوماسية.
على العكس من ذلك، ثمة خطر أعظم الآن في أن تستنتج إيران بأن الولايات المتحدة لا تريد استخدام القوة. في وقت سابق من الشهر الحالي، كشف البيت الأبيض أن بايدن طلب مراجعة للخيارات العسكرية مع إيران، بينما جعلت الإدارة جهودها لتنسيق هذه الخيارات مع إسرائيل علنية. وهذا يقترح أن الإدارة تفهم أهمية صدقية التهديدات. لكن قد يتوجب عليها المضي أبعد من ذلك وتوضيح خطوطها الحمراء لإيران في السر، إن لم يكن في العلن. بالتأكيد، لا تريد إدارة بايدن الحرب ولا تريد إيران نووية. لهذا السبب إن رسم الخط الأحمر المناسب أمر جوهري.