لصالح اليمين المتطرف الفرنسي:
هكذا خسر اليسار، في ثلاثين عاما، تصويت العمال...!
-- هناك سيطرة إيديولوجية قوية جدًا للتجمع الوطني على الفئات الشعبية في فرنسا
-- تاريخ اليسار، الاشتراكي والشيوعي، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بظهور فكرة الطبقة العاملة
-- تعطي نوايا التصويت في الرئاسية المقبلة 45 بالمائة من الأصوات لليمين المتطرف بين الطبقة العاملة
-- العديد من المعاقل العمالية الحمراء في منطقة باريس التي صنعت عظمة الشيوعي الفرنسي تسقط تباعا
-- يعتزم أربعة من كل عشرة أشخاص من خلفيات الطبقة العاملة التصويت لمارين لوبان في الجولة الأولى
مع الوقت يذهب كل شيء ... لكن أين ذهب تصويت العمال؟ وُلدت تحت رعاية مفكرين ماركسيين في نهاية القرن التاسع عشر، ومع ميكنة وسائل الإنتاج، والتطور المتسارع للصناعة الثقيلة، احتلت الطبقة العاملة مكانة بارزة على المستوى السياسي والاجتماعي حتى النصف الثاني من القرن التالي. لم يشهد القرن الحادي والعشرون اختفاءها، بل شهد تحولها في العمق. وكان لهذا عواقب وخيمة على المستوى الانتخابي. ولان الحركة العمالية، مفهوم مختلف عن مفهوم الطبقة العاملة، فقد سجل في الوقت نفسه تراجعًا، إن لم نقل انسحابا مثيرا. المزوّد الرئيسي لتصويت العمال حتى نهاية السبعينات، تم محو الحزب الشيوعي الفرنسي تدريجياً من المشهد السياسي، الى درجة انه يحتل اليوم مكانًا لا علاقة له بالمكانة التي كانت له بعد التحرير، في نهاية الحرب العالمية الثانية... مكان هامشي تقريبًا بالنظر الى ساعات مجده التي تبدو مجرد ذكرى بعيدة، عندما لا يكونون، ببساطة، غير معروفين للأصغر سناً.
ثلاثون عاما من تحول ناخبي الجبهة
تأتي دراســــة أجراهــــا جيــروم فوركيه، مدير قطب الرأي واســـتراتيجيـات المؤسسـات في ايفـوب (المعهد الفرنسي للرأي العـام)، في الوقـــت المناســب لإلقــــاء الضوء الموثق على مســـألة معرفــة مكـــان وجــــود أغلبيـة تصويت العمال،
قبل اقل من عام من الانتخابات الرئاسية. بعنوان “1988-2021: ثلاثون عامًا من تحول جمهور الناخبين الجبهويين”، يذكّر هذا التحليل، الذي تم إجراؤه في أبريل الماضي، أولاً، بترسّخ تصويت اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي، فمنذ ثلاث عشريات يحصل “عضو من عائلة لوبان على نتيجة مكونة من رقمين في الانتخابات الرئاسية”. ونوايا التصويت المقاسة لعام 2022، لا تتعارض مع هذه الملاحظة.
وبحسب فوركيه، فإن أحد التغييرات ذات الأولوية داخل طبقات الناخبين في الجبهة الوطنية، التي أعيدت تسميتها بالتجمع الوطني عام 2018، يعتمد على مستوى الشهادة والدبلوم. عام 1988، مع لوبان الاب، كان حاملو دبلوم أعلى من البكالوريا + 2 الأكثر ترددًا في التصويت لليمين المتطرف (9 بالمائة منهم) ، والذين لديهم مستوى أقل من البكالوريا، هم الأكثر ميلًا (16 بالمائة). ونلاحظ أن الدلتا بين هاتين الفئتين كانت سبع نقاط. عام 2017، مع لوبان الابنة، ارتفعت الفئة الأولى إلى 8 بالمائة، والثانية إلى ... 31 بالمائة، واتسعت الفجوة بشكل كبير إلى 23 نقطة.
تنتشر الظاهرة الآن على مستوى حملة البكالوريا في نوايا التصويت لعام 2022 (تم قياسها عام 2021). بينما يستقرّ التصويت للوبان تقريبًا في فئة أعلى مستوى تعليمي (12 بالمائة بدلاً من 9 بالمائة عام 1988)، فقد ارتفع إلى 34 بالمائة (مقابل 13 بالمائة عام 1988) بين حاملي البكالوريا، وما زالت تؤكد نفسها في فئة حملة الدبلوم دون البكالوريا: 33 بالمائة، مقابل 31 بالمائة عام 2017، كما أشرنا أعلاه.
أكثر من أربعة من كل
عشرة عمال يصوتون لوبان
من الواضح أن هذه الملاحظة التي تم إجراؤها وفقًا لمستوى الشهادة والدبلوم لها ترجمة سياسية، لأن الأقل تعليماً محصورون، أكثر من ذي قبل، في المهن الأقل ظهوراً والأقل أجراً. “كل شيء يحدث، يكتب فوركيه، كما لو أن حزب لوبان قد استفاد تدريجيًا من الاستياء والشعور بالهبوط الثقافي والاجتماعي للجمهور الأقل تعليماً مع ارتفاع المستوى التعليمي المتوسط”. النتيجة الانتخابية لهذه الحركة الاجتماعية والثقافية هي الزيادة الكبيرة على مدى ثلاثين عامًا بقليل في نسبة العمال والموظفين الذين يصوتون لصالح الجبهة الوطنية - التجمع الوطني.
وبينما كانت نسبة العمال المصوتين لحزب لوبان عام 1988 17 بالمائة -وهي نسبة لا تختلف كثيرا عما لوحظ بين الموظفين (14 بالمائة)، وفي المهن الوسيطة (15 بالمائة) ، أو بين الكوادر العليا والمهن الفكرية (14 بالمائة) -تضخم هذا المعدل بشكل كبير، حيث ارتفع إلى 39 بالمائة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2017. واتبعت نسبة الموظفين اتجاهاً مماثلاً حيث ارتفعت إلى 30 بالمائة في نفس الاقتراع. إن التوقعات التي يمكن إجراؤها من خلال نوايا التصويت لعام 2022 تزيد من حدة هذه الظاهرة التصاعدية: يصل المعدل إلى 45 بالمائة من العمال و42 بالمائة من الموظفين.
«حقيقة أن أكثر من أربعة من كل عشرة أشخاص ينتمون “إلى الأوساط الشعبية” يعتزمون التصويت لصالح مارين لوبان في الجولة الأولى من عام 2022، كما يشير فوركيه، يشهد على السيطرة الإيديولوجية القوية جدًا للتجمع الوطني على هذه الفئات”. ومن الواضح أن هذه السيطرة الأيديولوجية لم تكن دائمًا في هذا الجانب من الطيف السياسي، أي اليمين المتطرف بل بعيدة عنه.
وحتى لو كانت الطبقة العاملة دائمًا أقل تجانسًا مما اعتقده الماركسيون وقالوه لاحتياجات القضية، تظل الحقيقة أن تاريخ اليسار، الاشتراكي والشيوعي، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بظهور فكرة الطبقة العاملة. تم إنشاء “القسم الفرنسي من الأممية العمالية، الأممية الثانية” في بداية القرن العشرين، ولا يتضمن الاشتراكي في اختصاره، حيث يغطي كل من العامل والاشتراكي المجال السياسي نفسه في أذهان المبادرين.
عندما كان الحزب الشيوعي
هو الحزب الأول في فرنسا
خلال مؤتمر عام 1920، في مدينة تور، غادر غالبية مندوبي القسم الفرنسي الأممية العمالية، الأممية الثانية، للانضمام، تحت تأثير السوفيات الذين تولوا السلطة في روسيا عام 1917، إلى “القسم الفرنسي من الأممية الشيوعية، الأممية الثالثة”. وسيصبح هذا الاخير، عام 1921، الحزب الشيوعي الفرنسي الذي يمثل، بالنسبة للماركسيين، “طليعة الطبقة العاملة”. ويوضح هذا إلى أي مدى أراد الشيوعيون التفوق على الاشتراكيين باعتبارهم أكثر ممثلي الطبقة العاملة أصالة، حتى لو لم تكن هذه الاخيرة مكونة من كتلة سياسية واحدة.
في الواقع، حتى وان صوتت أغلبية، ربما ساحقة، من العمال الثوريين أو الإصلاحيين لصالح اليسار، ولا سيما لصالح الحزب الشيوعي الفرنسي حتى السبعينات، وجزئيًا للحزب الاشتراكي حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد تعايشوا مع العمال الكاثوليك أو المحافظين، الذين يميل تصويتهم الى اليمين، كما كان الحال بشكل ملحوظ خلال الفترة الديغولية. تم وصف هذا التباين في دراسة أجراها أستاذ العلوم السياسية فلوران غوغو، بعنوان “تحولات تصويت العمال في ظل الجمهورية الخامسة”: أشار إلى أن “تصويت العمال لم يكن اذن مكتسبا اوتوماتيكيا لليسار».
تبقى الحقيقة، أن الحزب الشيوعي قدم نفسه على أنه الناقل المثالي لتطلعات العمال الذين، إذا سلّمنا بما يقول، يجدون تطورهم الكامل في “وطن الاشتراكية”. من هنا، كان الحزب الشيوعي الفرنسي هو الحزب الاول في فرنسا من حيث المفردات الانتخابية في فترة ما بعد الحرب مباشرة. كان يتمتع، على المستوى المحلي، بصورة حزب الـ 75 الفا الذين تم إعدامهم -وهو رقم بعيد كل البعد عن الواقع، ولا ينتقص من شجاعة المناضلين الشيوعيين الذين ضحوا بأرواحهم في المقاومة قبل وقت طويل من قرار جهاز الحزب الانخراط فيها بعد غزو جيوش الرايخ الثالث للاتحاد السوفياتي في يونيو 1941.
وخارجياً، استفاد من هالة الحرب الوطنية الكبرى المنتصرة بقيادة ستالين والجيش الأحمر ضد النازية على الجبهة الشرقية. وصحيح أن الحزب الشيوعي الفرنسي سيظل مخلصًا جدًا للستالينية لفترة طويلة.
ركود العصر الذهبي الشيوعي
خلال انتخابات الجمعية التأسيسية الأولى، في أكتوبر 1945 (تلك التي أنهت دورة الجمهورية الثالثة)، حصل على 26 فاصل 2 بالمائة من الأصوات و159 مقعدًا: كان متقدمًا على الديمقراطيين المسيحيين الوسطيين من حزب الحركة الجمهورية الشعبية. وبلغ ذروته عند 28 فاصل 3 بالمائة في الانتخابات التشريعية نوفمبر 1946 (تأسست الجمهورية الرابعة في أكتوبر) وشغل ثلث مقاعد الجمعية الوطنية.
بفضل تصويت العمال ودعم المثقفين اليساريين -احتل الشيوعيون مكانة بارزة بين المثقفين -احتل الحزب الشيوعي الفرنسي قمة الطيف السياسي حتى نهاية السبعينات. في الانتخابات الرئاسية لعام 1969، تحصل مرشحه، عضو الكومنترن جاك دوكلوس: على 21 فاصل 3 بالمائة من الأصوات. وبعد عشر سنوات، حصل جورج مارشيه، الذي قاد قائمة الحزب في أول انتخابات أوروبية، على 20 فاصل 5 بالمائة من الأصوات.
لكن العصر الذهبي دخل في حالة ركود بسبب مجموعة من العوامل غير المواتية للحزب الشيوعي في فرنسا وأوروبا الغربية.
ويمكننا الاستشهاد دون ترتيب، بالتدخلات العسكرية الخارجية للاتحاد السوفياتي لإنقاذ “الاشتراكية الحقيقية”، والتغيرات التي طرأت على المجتمع الفرنسي بعد عام 1968، والانكماش التدريجي للطبقة العاملة لصالح طبقة وسطى ذات ملامح أقل تحديدًا في العقود التي تلت، وصعود الحزب الاشتراكي الذي توج بانتصار فرانسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية عام 1981، ثم عام 1988، وسقوط جدار برلين عام 1989، وتفكك الإمبراطورية السوفياتية بداية من عام 1991، وتراجع حركة التصنيع، إلخ.
لم يعد تصويت
العمال في الموعد
لم يعد تصويت العمال في الموعد مع اليسار والحزب الشيوعي الفرنسي على وجه الخصوص. ووفقًا لأستاذ العلوم السياسية فلوران غوغو، “يبدو أن تصويت الطبقة العاملة “بلغ” ذروته خلال الانتخابات التشريعية لعام 1973، قبل أن ينخفض تدريجيًا بعد ذلك”. تفاجأ جورج مارشيه بنتيجته (15 فاصل 4 بالمائة) في الانتخابات الرئاسية عام 1981، وتأكد هذا الانخفاض في الانتخابات الأوروبية عام 1984 حيث وصلت قائمة الأمين العام إلى 11 فاصل 2 بالمائة فقط، أي أنه على قدم المساواة مع رئيس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان الذي تحصلت قائمته على 11 بالمائة. وقبل خمس سنوات، كانت قائمة اليمين المتطرف بقيادة جان لويس تيكسييه فينانكور، قد حققت بصعوبة ... 1 فاصل 3 بالمائة.
وانطلاقا من هذا التحول، فإن بقية القصة ليست سوى تدحرج سريع نحو الجحيم الانتخابي. في الانتخابات الرئاسية لعام 1988، حصل أندريه لاجويني، المرشح الشيوعي الذي نافسه المنشق بيير جوكين، على 6 فاصل 8 بالمائة فقط من الأصوات، بينما حصل لوبان الأب على 14 فاصل 4 بالمائة. وفي الانتخابات الأوروبية عام 1989، كان للحزب الشيوعي الفرنسي نتيجة من رقم واحد فقط (7 فاصل 7 بالمائة) وكان أقصى اليمين عند 11 فاصل 7 بالمائة.
إن تسلسل الانتخابات لم يعد سوى سلسلة طويلة من الهزائم التي تسلط الضوء على خسارة القلب الانتخابي للحزب الشيوعي: قاعدته العمالية.
ان العديد من المعاقل العمالية الحمراء في منطقة باريس، التي صنعت عظمة الحزب الشيوعي الفرنسي، تسقط الواحد تلو الآخر. وحتى الفشل الذريع في الانتخابات الأوروبية لعام 2019، حيث بنسبة 2 فاصل 5 بالمائة من الأصوات، لم يرسل الحزب الشيوعي الفرنسي أي ممثل إلى برلمان ستراسبورغ، بينما حصل حزب لوبان على 23 فاصل 3 بالمائة من الأصوات.
بعد غيابه عن المحطتين الرئاسيتين الأخيرتين (2012 و2017) ، واصطفافه وراء جان لوك ميلينشون (زعيم الجبهة اليسارية وفرنسا المتمردة)، قرر الشيوعيون تقديم سكرتيرهم الوطني، فابيان روسيل، عام 2022، لمنع انسحاب نهائي من المشهد السياسي الفرنسي. هل سيتمكنون من الاعتماد، كما في الأيام السابقة، على تصويت العمال الذين تقلص عددهم من 6.9 مليون، أو 30 بالمائة من إجمالي العمالة، عام 1982، إلى 5.3 مليون (20 بالمائة) عام 2019؟ لا شيء مؤكد.
-- تاريخ اليسار، الاشتراكي والشيوعي، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بظهور فكرة الطبقة العاملة
-- تعطي نوايا التصويت في الرئاسية المقبلة 45 بالمائة من الأصوات لليمين المتطرف بين الطبقة العاملة
-- العديد من المعاقل العمالية الحمراء في منطقة باريس التي صنعت عظمة الشيوعي الفرنسي تسقط تباعا
-- يعتزم أربعة من كل عشرة أشخاص من خلفيات الطبقة العاملة التصويت لمارين لوبان في الجولة الأولى
مع الوقت يذهب كل شيء ... لكن أين ذهب تصويت العمال؟ وُلدت تحت رعاية مفكرين ماركسيين في نهاية القرن التاسع عشر، ومع ميكنة وسائل الإنتاج، والتطور المتسارع للصناعة الثقيلة، احتلت الطبقة العاملة مكانة بارزة على المستوى السياسي والاجتماعي حتى النصف الثاني من القرن التالي. لم يشهد القرن الحادي والعشرون اختفاءها، بل شهد تحولها في العمق. وكان لهذا عواقب وخيمة على المستوى الانتخابي. ولان الحركة العمالية، مفهوم مختلف عن مفهوم الطبقة العاملة، فقد سجل في الوقت نفسه تراجعًا، إن لم نقل انسحابا مثيرا. المزوّد الرئيسي لتصويت العمال حتى نهاية السبعينات، تم محو الحزب الشيوعي الفرنسي تدريجياً من المشهد السياسي، الى درجة انه يحتل اليوم مكانًا لا علاقة له بالمكانة التي كانت له بعد التحرير، في نهاية الحرب العالمية الثانية... مكان هامشي تقريبًا بالنظر الى ساعات مجده التي تبدو مجرد ذكرى بعيدة، عندما لا يكونون، ببساطة، غير معروفين للأصغر سناً.
ثلاثون عاما من تحول ناخبي الجبهة
تأتي دراســــة أجراهــــا جيــروم فوركيه، مدير قطب الرأي واســـتراتيجيـات المؤسسـات في ايفـوب (المعهد الفرنسي للرأي العـام)، في الوقـــت المناســب لإلقــــاء الضوء الموثق على مســـألة معرفــة مكـــان وجــــود أغلبيـة تصويت العمال،
قبل اقل من عام من الانتخابات الرئاسية. بعنوان “1988-2021: ثلاثون عامًا من تحول جمهور الناخبين الجبهويين”، يذكّر هذا التحليل، الذي تم إجراؤه في أبريل الماضي، أولاً، بترسّخ تصويت اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي، فمنذ ثلاث عشريات يحصل “عضو من عائلة لوبان على نتيجة مكونة من رقمين في الانتخابات الرئاسية”. ونوايا التصويت المقاسة لعام 2022، لا تتعارض مع هذه الملاحظة.
وبحسب فوركيه، فإن أحد التغييرات ذات الأولوية داخل طبقات الناخبين في الجبهة الوطنية، التي أعيدت تسميتها بالتجمع الوطني عام 2018، يعتمد على مستوى الشهادة والدبلوم. عام 1988، مع لوبان الاب، كان حاملو دبلوم أعلى من البكالوريا + 2 الأكثر ترددًا في التصويت لليمين المتطرف (9 بالمائة منهم) ، والذين لديهم مستوى أقل من البكالوريا، هم الأكثر ميلًا (16 بالمائة). ونلاحظ أن الدلتا بين هاتين الفئتين كانت سبع نقاط. عام 2017، مع لوبان الابنة، ارتفعت الفئة الأولى إلى 8 بالمائة، والثانية إلى ... 31 بالمائة، واتسعت الفجوة بشكل كبير إلى 23 نقطة.
تنتشر الظاهرة الآن على مستوى حملة البكالوريا في نوايا التصويت لعام 2022 (تم قياسها عام 2021). بينما يستقرّ التصويت للوبان تقريبًا في فئة أعلى مستوى تعليمي (12 بالمائة بدلاً من 9 بالمائة عام 1988)، فقد ارتفع إلى 34 بالمائة (مقابل 13 بالمائة عام 1988) بين حاملي البكالوريا، وما زالت تؤكد نفسها في فئة حملة الدبلوم دون البكالوريا: 33 بالمائة، مقابل 31 بالمائة عام 2017، كما أشرنا أعلاه.
أكثر من أربعة من كل
عشرة عمال يصوتون لوبان
من الواضح أن هذه الملاحظة التي تم إجراؤها وفقًا لمستوى الشهادة والدبلوم لها ترجمة سياسية، لأن الأقل تعليماً محصورون، أكثر من ذي قبل، في المهن الأقل ظهوراً والأقل أجراً. “كل شيء يحدث، يكتب فوركيه، كما لو أن حزب لوبان قد استفاد تدريجيًا من الاستياء والشعور بالهبوط الثقافي والاجتماعي للجمهور الأقل تعليماً مع ارتفاع المستوى التعليمي المتوسط”. النتيجة الانتخابية لهذه الحركة الاجتماعية والثقافية هي الزيادة الكبيرة على مدى ثلاثين عامًا بقليل في نسبة العمال والموظفين الذين يصوتون لصالح الجبهة الوطنية - التجمع الوطني.
وبينما كانت نسبة العمال المصوتين لحزب لوبان عام 1988 17 بالمائة -وهي نسبة لا تختلف كثيرا عما لوحظ بين الموظفين (14 بالمائة)، وفي المهن الوسيطة (15 بالمائة) ، أو بين الكوادر العليا والمهن الفكرية (14 بالمائة) -تضخم هذا المعدل بشكل كبير، حيث ارتفع إلى 39 بالمائة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2017. واتبعت نسبة الموظفين اتجاهاً مماثلاً حيث ارتفعت إلى 30 بالمائة في نفس الاقتراع. إن التوقعات التي يمكن إجراؤها من خلال نوايا التصويت لعام 2022 تزيد من حدة هذه الظاهرة التصاعدية: يصل المعدل إلى 45 بالمائة من العمال و42 بالمائة من الموظفين.
«حقيقة أن أكثر من أربعة من كل عشرة أشخاص ينتمون “إلى الأوساط الشعبية” يعتزمون التصويت لصالح مارين لوبان في الجولة الأولى من عام 2022، كما يشير فوركيه، يشهد على السيطرة الإيديولوجية القوية جدًا للتجمع الوطني على هذه الفئات”. ومن الواضح أن هذه السيطرة الأيديولوجية لم تكن دائمًا في هذا الجانب من الطيف السياسي، أي اليمين المتطرف بل بعيدة عنه.
وحتى لو كانت الطبقة العاملة دائمًا أقل تجانسًا مما اعتقده الماركسيون وقالوه لاحتياجات القضية، تظل الحقيقة أن تاريخ اليسار، الاشتراكي والشيوعي، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بظهور فكرة الطبقة العاملة. تم إنشاء “القسم الفرنسي من الأممية العمالية، الأممية الثانية” في بداية القرن العشرين، ولا يتضمن الاشتراكي في اختصاره، حيث يغطي كل من العامل والاشتراكي المجال السياسي نفسه في أذهان المبادرين.
عندما كان الحزب الشيوعي
هو الحزب الأول في فرنسا
خلال مؤتمر عام 1920، في مدينة تور، غادر غالبية مندوبي القسم الفرنسي الأممية العمالية، الأممية الثانية، للانضمام، تحت تأثير السوفيات الذين تولوا السلطة في روسيا عام 1917، إلى “القسم الفرنسي من الأممية الشيوعية، الأممية الثالثة”. وسيصبح هذا الاخير، عام 1921، الحزب الشيوعي الفرنسي الذي يمثل، بالنسبة للماركسيين، “طليعة الطبقة العاملة”. ويوضح هذا إلى أي مدى أراد الشيوعيون التفوق على الاشتراكيين باعتبارهم أكثر ممثلي الطبقة العاملة أصالة، حتى لو لم تكن هذه الاخيرة مكونة من كتلة سياسية واحدة.
في الواقع، حتى وان صوتت أغلبية، ربما ساحقة، من العمال الثوريين أو الإصلاحيين لصالح اليسار، ولا سيما لصالح الحزب الشيوعي الفرنسي حتى السبعينات، وجزئيًا للحزب الاشتراكي حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد تعايشوا مع العمال الكاثوليك أو المحافظين، الذين يميل تصويتهم الى اليمين، كما كان الحال بشكل ملحوظ خلال الفترة الديغولية. تم وصف هذا التباين في دراسة أجراها أستاذ العلوم السياسية فلوران غوغو، بعنوان “تحولات تصويت العمال في ظل الجمهورية الخامسة”: أشار إلى أن “تصويت العمال لم يكن اذن مكتسبا اوتوماتيكيا لليسار».
تبقى الحقيقة، أن الحزب الشيوعي قدم نفسه على أنه الناقل المثالي لتطلعات العمال الذين، إذا سلّمنا بما يقول، يجدون تطورهم الكامل في “وطن الاشتراكية”. من هنا، كان الحزب الشيوعي الفرنسي هو الحزب الاول في فرنسا من حيث المفردات الانتخابية في فترة ما بعد الحرب مباشرة. كان يتمتع، على المستوى المحلي، بصورة حزب الـ 75 الفا الذين تم إعدامهم -وهو رقم بعيد كل البعد عن الواقع، ولا ينتقص من شجاعة المناضلين الشيوعيين الذين ضحوا بأرواحهم في المقاومة قبل وقت طويل من قرار جهاز الحزب الانخراط فيها بعد غزو جيوش الرايخ الثالث للاتحاد السوفياتي في يونيو 1941.
وخارجياً، استفاد من هالة الحرب الوطنية الكبرى المنتصرة بقيادة ستالين والجيش الأحمر ضد النازية على الجبهة الشرقية. وصحيح أن الحزب الشيوعي الفرنسي سيظل مخلصًا جدًا للستالينية لفترة طويلة.
ركود العصر الذهبي الشيوعي
خلال انتخابات الجمعية التأسيسية الأولى، في أكتوبر 1945 (تلك التي أنهت دورة الجمهورية الثالثة)، حصل على 26 فاصل 2 بالمائة من الأصوات و159 مقعدًا: كان متقدمًا على الديمقراطيين المسيحيين الوسطيين من حزب الحركة الجمهورية الشعبية. وبلغ ذروته عند 28 فاصل 3 بالمائة في الانتخابات التشريعية نوفمبر 1946 (تأسست الجمهورية الرابعة في أكتوبر) وشغل ثلث مقاعد الجمعية الوطنية.
بفضل تصويت العمال ودعم المثقفين اليساريين -احتل الشيوعيون مكانة بارزة بين المثقفين -احتل الحزب الشيوعي الفرنسي قمة الطيف السياسي حتى نهاية السبعينات. في الانتخابات الرئاسية لعام 1969، تحصل مرشحه، عضو الكومنترن جاك دوكلوس: على 21 فاصل 3 بالمائة من الأصوات. وبعد عشر سنوات، حصل جورج مارشيه، الذي قاد قائمة الحزب في أول انتخابات أوروبية، على 20 فاصل 5 بالمائة من الأصوات.
لكن العصر الذهبي دخل في حالة ركود بسبب مجموعة من العوامل غير المواتية للحزب الشيوعي في فرنسا وأوروبا الغربية.
ويمكننا الاستشهاد دون ترتيب، بالتدخلات العسكرية الخارجية للاتحاد السوفياتي لإنقاذ “الاشتراكية الحقيقية”، والتغيرات التي طرأت على المجتمع الفرنسي بعد عام 1968، والانكماش التدريجي للطبقة العاملة لصالح طبقة وسطى ذات ملامح أقل تحديدًا في العقود التي تلت، وصعود الحزب الاشتراكي الذي توج بانتصار فرانسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية عام 1981، ثم عام 1988، وسقوط جدار برلين عام 1989، وتفكك الإمبراطورية السوفياتية بداية من عام 1991، وتراجع حركة التصنيع، إلخ.
لم يعد تصويت
العمال في الموعد
لم يعد تصويت العمال في الموعد مع اليسار والحزب الشيوعي الفرنسي على وجه الخصوص. ووفقًا لأستاذ العلوم السياسية فلوران غوغو، “يبدو أن تصويت الطبقة العاملة “بلغ” ذروته خلال الانتخابات التشريعية لعام 1973، قبل أن ينخفض تدريجيًا بعد ذلك”. تفاجأ جورج مارشيه بنتيجته (15 فاصل 4 بالمائة) في الانتخابات الرئاسية عام 1981، وتأكد هذا الانخفاض في الانتخابات الأوروبية عام 1984 حيث وصلت قائمة الأمين العام إلى 11 فاصل 2 بالمائة فقط، أي أنه على قدم المساواة مع رئيس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان الذي تحصلت قائمته على 11 بالمائة. وقبل خمس سنوات، كانت قائمة اليمين المتطرف بقيادة جان لويس تيكسييه فينانكور، قد حققت بصعوبة ... 1 فاصل 3 بالمائة.
وانطلاقا من هذا التحول، فإن بقية القصة ليست سوى تدحرج سريع نحو الجحيم الانتخابي. في الانتخابات الرئاسية لعام 1988، حصل أندريه لاجويني، المرشح الشيوعي الذي نافسه المنشق بيير جوكين، على 6 فاصل 8 بالمائة فقط من الأصوات، بينما حصل لوبان الأب على 14 فاصل 4 بالمائة. وفي الانتخابات الأوروبية عام 1989، كان للحزب الشيوعي الفرنسي نتيجة من رقم واحد فقط (7 فاصل 7 بالمائة) وكان أقصى اليمين عند 11 فاصل 7 بالمائة.
إن تسلسل الانتخابات لم يعد سوى سلسلة طويلة من الهزائم التي تسلط الضوء على خسارة القلب الانتخابي للحزب الشيوعي: قاعدته العمالية.
ان العديد من المعاقل العمالية الحمراء في منطقة باريس، التي صنعت عظمة الحزب الشيوعي الفرنسي، تسقط الواحد تلو الآخر. وحتى الفشل الذريع في الانتخابات الأوروبية لعام 2019، حيث بنسبة 2 فاصل 5 بالمائة من الأصوات، لم يرسل الحزب الشيوعي الفرنسي أي ممثل إلى برلمان ستراسبورغ، بينما حصل حزب لوبان على 23 فاصل 3 بالمائة من الأصوات.
بعد غيابه عن المحطتين الرئاسيتين الأخيرتين (2012 و2017) ، واصطفافه وراء جان لوك ميلينشون (زعيم الجبهة اليسارية وفرنسا المتمردة)، قرر الشيوعيون تقديم سكرتيرهم الوطني، فابيان روسيل، عام 2022، لمنع انسحاب نهائي من المشهد السياسي الفرنسي. هل سيتمكنون من الاعتماد، كما في الأيام السابقة، على تصويت العمال الذين تقلص عددهم من 6.9 مليون، أو 30 بالمائة من إجمالي العمالة، عام 1982، إلى 5.3 مليون (20 بالمائة) عام 2019؟ لا شيء مؤكد.