هل ألهم إفلات إيران من العقاب سلوك بيلاروسيا؟

هل ألهم إفلات إيران من العقاب سلوك بيلاروسيا؟


أطلق مدير مركز دوغلاس وسارة أليسون للسياسة الخارجية في مؤسسة هيريتدج الأمريكية لوك كوفي تحذيراً من إفلات بيلاروسيا من العقاب على ما فعلته من اختطاف لرحلة جوية، بما أن دولاً متمردة أخرى قد تستقي أفعالها من هكذا ارتكابات. وكتب في صحيفة “ذي ارآب نيوز” السعودية كيف صُدم كثر بما حصل مع شركة ريان إير التي كانت متوجهة من أثينا اليونانية إلى فيلنيوس الليتوانية قبل ان تُجبر على الهبوط في العاصمة البيلاروسية. اكتشفت بيلاروسيا أن الصحافي المعارض رومان بروتاسيفيتش الذي يوجه انتقادات حادة للنظام البيلاروسي كان على متن الرحلة. وذكرت تقارير أن مسؤولين أمنيين من تلك البلاد كانوا موجودين أيضاً في الطائرة نفسها التي حملت حوالي 150 شخصاً.

بينما اقتربت الطائرة التجارية من وجهتها النهائية مع دخولها أجواء بيلاروسيا، زعم أحد الركاب أنه من حركة حماس وتحدث عن وجود قنبلة. رافقت مقاتلات حربية الطائرة التجارية بينما أجبرت على الهبوط في مينسك. لم يكن هنالك قنبلة في الطائرة وتبين أن التهديد الوهمي صادر عن أحد الأشخاص في بيلاروسيا. عندما حطت الطائرة على الأرض، أخليت من الركاب وتم اعتقال بروتاسيفيتش وصديقته. بعدها سُمح لسائر الركاب بمتابعة رحلتهم إلى فيلنيوس، لكن بروتاسيفيتش لا يزال في السجن بناء على تهم يمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام. وصف كوفي هذا السلوك بأنه اختطاف طائرة برعاية الدولة البيلاروسية.

من جهة اخري الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في حالة يائسة. يُنعت لوكاشينكو عادة بأنه آخر ديكتاتور في أوروبا، وقد احتفظ بالسلطة بدءاً من 1994. منذ الانتخابات المزورة الأخيرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، كان هنالك تدفق مستمر للاضطرابات والتظاهرات في شوارع بيلاروسيا. على الرغم من عدم ترجيح رحيله عن السلطة في وقت قريب، لم يعد لوكاشينكو يحظى بالهدوء النسبي الذي كان يتمتع به قبل الانتخابات. حتى أدنى انتقاد له أو لحكومته ينتج اعتقالات وضرباً أو موتاً. منذ الخريف الأخير، أصبحت التظاهرات أكثر شيوعاً بينما صارت قوات لوكاشينكو الأمنية أكثر وحشية في قمعها. خلال الأشهر القليلة الماضية تم اعتقال الآلاف بسبب مشاركتهم في التظاهرات السلمية. نتيجة لذلك، لجأ الكثير من المعارضين، وفي مقدمتهم زعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، إلى ليتوانيا. يفسر هذا الأمر لماذا كان بروتاسيفيتش على متن رحلة من اليونان إلى ليتوانيا. بالنسبة إلى الكاتب، يعد اختطاف الطائرة برعاية رسمية بيلاروسية بارزاً ثلاثة أسباب. وتذكّر هذه الحادثة الأوروبيين بأن مشكلة بيلاروسيا لن تنتهي وحدها. أمِل العديد من صناع القرار الأوروبيين أن يحصل التغيير بعد الانتخابات وأن تتلاشى هذه المشكلة. عندما لم يحصل ذلك، سقطت بيلاروسيا بهدوء عن أجندة كثر في أوروبا. ومع تفشي جائحة كورونا، آخر ما أراده الأوروبيون هو التعامل مع لوكاشينكو. بعد إجبار الطائرة على الهبوط بناء على حجج واهية، لم يعد تجاهل أوروبا لبيلاروسيا استراتيجية حيوية.

من ناحية ثانية، إذا لم يكن هنالك من عواقب لهذا السلوك فقد يؤسس عرفاً جديداً للحكومات المتمردة حول العالم. إن تمكنت أجهزة أمنية حكومية من اختطاف طائرة تجارية لاعتقال معارض في أوروبا فإنه يمكن توقع حصول ذلك في أي مكان من العالم. ويضيف لوك أنه لا فرق بين سلوك إيران في الخليج العربي حين توقف سفن شحن تجارية وسلوك بيلاروسيا في الأجواء الأوروبية. حين يترك العالم إيران تفلت من العقاب على تصرفها المتهور فهو يلهم دولاً أخرى مثل بيلاروسيا على التصرف بالمثل.

من جهة ثالثة، حتى لو حاولت روسيا إبعاد نفسها عن أفعال بيلاروسيا، علمت موسكو بالضبط ما الذي فعلته مينسك حين أجبرت الطائرة على الهبوط في مطارها. سنة 1997، وقعت موسكو ومينسك اتفاقاً من أجل “ضمان الأمن القومي” يذكر أن “الهيئات المخولة توافق على ترتيب التفاعل عند استخدام المجال الجوي ومراقبة الحركة الجوية والملاحة الجوية والاتصالات وعلى نظام واحد للبحث والإنقاذ في حالة الاستخدام المشترك للطائرات في المنطقة، كما تضع شروطاً وإجراءات لاستخدام المطارات لصالح استفادة طائرات الطرفين”.

يرى لوك أنه من الواضح عدم قدرة بيلاروسيا على التصرف بهذه الطريقة المتعجرفة من دون علم روسيا. وطالب الكاتب أوروبا بالتحرك بسرعة وبانسجام. كانت المملكة المتحدة أول طرف يعلن حظراً على شركة بيلافيا الجوية الرسمية في بيلاروسيا فمنعتها من دخول مجالها الجوي. أعلن الاتحاد الأوروبي عن إجراءات مماثلة بعد أيام قليلة. وأصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بياناً شجب بشدة سلوك مينسك. لم تتخذ واشنطن إجراءات ضد الشركة البيلاروسية بما أنها لا تسيّر رحلات جوية مباشرة إلى تلك البلاد.

تحتاج واشنطن وبروكسل إلى التنسيق لتوجيه رسالة قوية إلى الكرملين أيضاً. الطريقة الأكثر بديهية بالنسبة إلى لوك هي وقف إدارة بايدن إعفاءها الشركات العاملة في بناء خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا من العقوبات الأمريكية. ستكون هذه الخطوة غير شعبية في برلين لكن ستحتفل بها غالبية العواصم في أوروبا الوسطى والشرقية. كما يتعين على بايدن إلغاء قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سويسرا الشهر المقبل بما أنها لن تنتج شيئاً سوى تعزيز موقع بوتين في الداخل الروسي. وطالب أيضاً بفرض المزيد من العقوبات على بيلاروسيا وروسيا.

يعتقد لوك أنه  دون توجيه رسالة قوية مفادها أن هذا السلوك المتهور غير مقبول، يمكن توقع المزيد منه في المستقبل. ثمة أنظمة مارقة أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية تراقب ما يحدث عن كثب.