منطقة المحيطين الهندي والهادي:

هل التعاون بين فرنسا وإندونيسيا ممكن...؟

هل التعاون بين فرنسا وإندونيسيا ممكن...؟

-- فرنسا هي الدولة الثالثة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إندونيسيا، بعد الولايات المتحدة والهند
-- المطلوب تصميم شراكة لا تعتبرها إندونيسيا إشعارًا رسميًا للاختيار في مواجهة الصين
-- يتمثل التحدي الذي تواجهه فرنسا في التموقع في جغرافيا سياسية إندونيسية تتميز بعدم الانحياز المعلن عام 1948
--  زار سوكارنو، أول رئيس إندونيسي، فرنسا عام 1961، وكان ميتران أول رئيس فرنسي يزور إندونيسيا عام 1986


   لتشكيل شراكة استراتيجية مع جاكرتا، يجب على باريس أن تجد طريقة تلائم الجغرافيا السياسية الإندونيسية: عدم الانحياز. بيع رافال يشهد على ذلك، ولكن هل يمثل بداية تحالف بين البلدين؟ غير مؤكد.    في 30 أكتوبر بروما، خلال اجتماع لمجموعة العشرين، التقى إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. وركزت هذه المحادثات على الوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وهي جزء من التنافس بين الصين والولايات المتحدة، حيث تسعى فرنسا إلى تعزيز نفوذها.    بمجتمعاتها الإقليمية الثلاث، كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية وواليس وفوتونا، ناهيك عن كليبرتون، وهي جزيرة غير مأهولة تبلغ مساحتها 1.7 كيلومتر مربع في منطقة تقع على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من ساحل المكسيك، تتقدّم فرنسا كـ “قوة في المحيط الهادي”. فهي عضو في مجموعة المحيط الهادي، وهي منظمة دولية للتعاون العلمي والتقني تضم أيضًا 22 دولة وإقليمًا من جزر المحيط الهادي، بالإضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. ويقع مقرها الرئيسي في نوميا، كاليدونيا الجديدة.

   أوضح إيمانويل ماكرون، الذي تمت دعوته إلى نيودلهي في مارس 2018، أن “المعنى من هذه الزيارة هو جعل الهند أول شريك استراتيجي لنا في المنطقة”. بعد شهرين، في خطاب ألقاه في قاعدة جاردن آيلاند البحرية في سيدني بأستراليا، تبنى الرئيس الفرنسي علانية تعبير “المحيطين الهندي والهادي”. وقد أعرب عن رغبته في إنشاء “محور استراتيجي بين باريس ونيودلهي وكانبيرا لمواجهة تحديات منطقة المحيطين الهندي والهادي، ولا سيما الرغبة في الامتداد الصيني والإرهاب وتغيّر المناخ».

  وكان الرئيس الفرنسي قد وصف الاتفاق الموقّع قبل عامين لبيع 12 غواصة لأستراليا بأنه “الخطوة الأولى في تعميق التعاون في جميع مجالات صناعة الدفاع، والروابط بين القيادات، والمواءمة الاستراتيجية بين البلدين”. في 15 سبتمبر، خرقت أستراليا العقد وأعلنت عن إنشاء اوكوس، وهو تحالف عسكري بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي سياق ما وصفه الجيوسياسي الفرنسي رينو جيرارد بأنه “صفعة أنجلو سكسونية”، التقى ماكرون بالرئيس الإندونيسي، الملقب شعبيا باسم “جوكوي»*.

الهندي-الهادي، ابنة الحرب العالمية الثانية
   في مقابلة مع ميرسي أ. كو في مجلة الدبلوماسي الإخبارية، يوضح جوربريت س. كورانا، المدير التنفيذي للمؤسسة البحرية الوطنية الهندية، أن مبادرات الصين، خاصة في المحيط الهندي، تدفع الهند واليابان للتعاون في التحليل الاستراتيجي. عام 2007، وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان الهندي، كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أول من استخدم مصطلح “المحيطين الهندي والهادي” في هذا السياق.
   إن عبارة “المحيطين الهندي والهادي” أقدم بالتأكيد: خلال الحرب العالمية الثانية، اعترف الحلفاء الذين قاتلوا ضد اليابان، أي الأمريكيون والأستراليون والبريطانيون –كانت اليابان تحتل جزر الهند الهولندية والهند الصينية الفرنسية -اعترفوا بالطابع “الهندي -الهادي” لمنطقة الصراع، التي تغطي المحيطين الهندي والهادي. وسيستخدم البريطانيون هذا التعبير حتى الستينات.

   مع نهاية الحرب العالمية الثانية، احتلت الولايات المتحدة اليابان وكذلك النصف الجنوبي من كوريا، الذي احتلته طوكيو عام 1910، واحتل الاتحاد السوفياتي النصف الآخر. انتهى احتلال كوريا الجنوبية عام 1948. وفي عام 1949، هزم الشيوعيون الصينيون، بقيادة ماو تسي تونغ، جيش جمهورية الصين بقيادة تشيانغ كاي تشيك وأجبروه على اللجوء إلى جزيرة تايوان مع رجاله. عام 1950، غزا جيش كوريا الشمالية، بدعم من مئات الآلاف من “المتطوعين” الصينيين، كوريا الجنوبية. تدخلت الولايات المتحدة عسكريا تحت راية الأمم المتحدة، وانتهت الحرب الكورية بهدنة. ونشر الأمريكيون قوات في كوريا الجنوبية حيث توجد قواعد جوية وبحرية. وبالجنود الأمريكيين والقواعد في اليابان وكوريا الجنوبية ومستعمرتها السابقة في الفلبين، تتمتع الولايات المتحدة بوجود عسكري قوي في شرق آسيا **.

«الانعطاف الآسيوي»
   في نهاية الستينات، مع الصعود الاقتصادي والصناعي لليابان، والتدخل العسكري الأمريكي في فيتنام، أصبحت شرق آسيا أكثر أهمية للولايات المتحدة. ترسخ تعبير “آسيا -المحيط الهادي” في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتم إضفاء الطابع الرسمي عليه مع إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي عام 1989، بمبادرة من أستراليا، من قبل 12 دولة -أي بالإضافة إلى بروناي، كندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وإندونيسيا واليابان وماليزيا ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وتايلاند. بعد ذلك، ستنضم دول أخرى إلى هذه المجموعة، منها الصين وروسيا، وكذلك دول أمريكا اللاتينية، ليرتفع عدد الدول الأعضاء إلى 21 دولة.

   خلال جولة في شرق آسيا عام 2009، ألقى الرئيس باراك أوباما خطابًا في طوكيو قدم فيه الولايات المتحدة على أنها “دولة من دول آسيا والمحيط الهادي” ***. عام 2011، كتبت وزيرة خارجيته ****، هيلاري كلينتون، في مقال نُشر في مجلة فورين بوليسي: “مع انتهاء الحرب في العراق وبدء أمريكا في سحب قواتها من أفغانستان، تجد الولايات المتحدة نفسها في لحظة منعطف من تاريخها. تم إطلاق التعبير “الانعطاف الآسيوي”. ستزيد الولايات المتحدة استثماراتها في منطقة آسيا والمحيط الهادي التي تعرّفها بأنها “تمتد من شبه القارة الهندية إلى السواحل الغربية للأمريكيتين”، وفيها حلفاء ولكن أيضًا قوى صاعدة مثل الصين والهند وإندونيسيا. وأعلن أوباما أمام البرلمان الأسترالي: “ان الولايات المتحدة هي أمة من المحيط الهادي وستظل دائمًا «.

   في مقال نُشر عام 2013، تعليقا على جولة وزير الخارجية جون كيري في كوريا الجنوبية واليابان والصين، فضّل مات شيافينزا من جمعية آسيا، التحدث عن “إعادة التوازن” لمصالح الولايات المتحدة، من أوروبا والشرق الأوسط إلى شرق آسيا. فعلى المستوى الاقتصادي، يتعلق الأمر بتحسين العلاقات، ليس فقط مع الأسواق القائمة في طوكيو وسيول، ولكن أيضًا مع الأسواق “الصاعدة” في جاكرتا ومانيلا. ويخلص شيافينزا إلى أن “الانعطاف لا رجوع فيه».

   سمتان أدّتا إلى عودة عبارة “ الهندي-الهادي”. بالنسبة لنيك بيسلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لاتروب في أستراليا، فإن هذا التعبير مبرر بالعلاقة التي أنشأتها العولمة بين المحيط الهندي والمحيط الهادي. وبحسب روري ميدكالف، رئيس كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، فإن “الهندي-الهادي” يسلط الضوء على المحيط الهندي باعتباره أهم طريق تجاري في العالم قبل المحيط الأطلسي. وأحد العوامل الرئيسية هو ظهور الصين والهند كقوتين يزداد حضورهما في الخارج. وحتى إن لم يسمّها، فإن التعبير يعطي مكانًا مركزيًا لآسيا البحرية.
   عام 2013، قام باحثان أوروبيان، كارل كايزر، المدير السابق للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، ومانويل مونييز أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة IE للشؤون العالمية والعامة في مدريد، بالدعوة الى “انعطاف آسيوي” لأوروبا. بدأت فرنسا انعطافها الخاص بدافعين رئيسيين: التجارة والشراكات الاستراتيجية.

من ميتران إلى ماكرون
   أكبر أرخبيل في العالم، إندونيسيا دولة بحرية بامتياز. من تأسيس الاستعمار الهولندي، الذي جمع الأرخبيل في كيان إداري واحد، أعلنت استقلالها عام 1945، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي إلا بعد النقل الرسمي للسيادة من قبل مملكة هولندا في ديسمبر 1949. وفرنسا هي الدولة الثالثة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إندونيسيا، بعد الولايات المتحدة، التي ضغطت على هولندا للتخلي عن سيادتها على الأرخبيل، والهند، التي دعمت القضية الإندونيسية منذ استقلالها عام 1947.

    زار سوكارنو، أول رئيس إندونيسي، فرنسا عام 1961 وخليفته سوهارتو عام 1972. وكان فرانسوا ميتران أول رئيس فرنسي يزور إندونيسيا عام 1986. وستتاح للبلدين فرصة التعاون كرئيسين مشاركين لمؤتمر باريس حول كمبوديا عام 1991. عام 1998 انتهى نظام سوهارتو، الذي تولى السلطة عام 1966. عبد الرحمن وحيد، أول رئيس لإندونيسيا ينتخب ديمقراطيا، زار فرنسا عام 2000. بالنسبة لإندونيسيا، فرنسا بلد يجب اخذه في الاعتبار.

   في باريس، ستتصدر قضية عناوين الأخبار. عام 2005، تم إلقاء القبض في إندونيسيا على سيرج أتلاوي، وهو عامل لحام فرنسي تم انتدابه لبناء مختبر اتضح أنه منشأة لإنتاج الاكستازي، و”يقسم المتهم أنه لا يعرف شيئًا عنها”، وحُكم عليه بالإعدام عام 2007. أثناء زيارة إلى أذربيجان عام 2015، أعلن الرئيس فرانسوا هولاند حينها أنه “إذا تم إعدامه، ستكون هناك عواقب مع فرنسا وأوروبا لأننا لا نستطيع قبول هذا النوع من الاحكام”، عواقب ستكون أساسا “دبلوماسية”، مشيرا الى تعليق التعاون مع إندونيسيا. ومع ذلك، سيزور الرئيس الفرنسي الأرخبيل عام 2017، قبل وقت قصير من انتهاء ولايته لتوقيع اتفاقيات في مختلف المجالات.

   حالة أخرى ستطبع العلاقات الفرنسية الإندونيسية: خلال تكريم إيمانويل ماكرون لأستاذ التاريخ والجغرافيا صمويل باتي، الذي اغتيل في 16 أكتوبر 2020 على يد شاب شيشاني، تحدث عن “محاربة الإسلام السياسي المتطرف”، وبعد أسبوعين في جاكرتا، في خطاب، وهو محاط بممثلي الديانات الست المعترف بها رسميًا من قبل الدولة الإندونيسية، أعلن جوكو ويدودو، أن “الرئيس الفرنسي “...” أهان الدين الإسلامي وأساء للمسلمين في جميع أنحاء العالم».

فرنسا، رافال وعدم الانحياز
   في هذا السياق، أعلنت وزيرة الدفاع فلورنس بارلي في بداية شهر ديسمبر 2020 على قناة بي إف إم الإندونيسية، عن نية اندونيسيا الحصول على طائرات مقاتلة من طراز داسو رافال. وفي فبراير 2021، ذكر موقع الإليزيه أن إيمانويل ماكرون أجرى محادثة هاتفية مع نظيره الإندونيسي، حيث “اتفق رئيسا الدولتين على الدعم المشترك لاحترام القانون الدولي في منطقة المحيطين الهادي والهندي الحرة والمفتوحة على أساس التعددية الفعالة. ومن هذا المنظور، سيتكثف التعاون الثنائي في قطاعي الدفاع والطيران وكذلك في المسائل البحرية”. وفي يونيو، سافرت وزيرة البحار أنيك جيراردين إلى إندونيسيا، حيث وقعت اتفاقيات تعاون مختلفة. وتم تقديم الأرخبيل حينها على أنه “بلد في قلب الاستراتيجية الفرنسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادي”. وفي نوفمبر، جاء دور وزير الخارجية جان إيف لودريان للذهاب إلى هناك... تبدي فرنسا اهتمامًا متزايدًا بإندونيسيا.

   يتمثل التحدي الذي تواجهه فرنسا، في التموقع في جغرافيا سياسية إندونيسية تتميز بعدم الانحياز المعلن عام 1948، في بداية الحرب الباردة، من قبل نائب الرئيس حتا، بهذه الصيغة: “التجديف بين اثنين من الشعاب المرجانية”.  ويتبنى حتا ويدافع عن سياسة خارجية “حرة ونشطة».

    بعد اعتراف المجتمع الدولي بها في ديسمبر 1949، أقامت إندونيسيا علاقات دبلوماسية مع الصين، التي أصبحت شيوعية. وعام 1955، استضافت مؤتمر باندونغ، وحضرته 29 دولة أفريقية وآسيوية، لم تكن جميعها من دول عدم الانحياز. فقد كانت بعض الدول متحالفة عسكريا مع الولايات المتحدة، بينما تحالفت دول أخرى بقيادة أحزاب شيوعية مع الاتحاد السوفياتي. وعندما ذهب الرئيس سوكارنو إلى واشنطن عام 1956، كان مصحوبا بهالة “المحايد”. ان إندونيسيا هي أحد الأعضاء الخمسة المؤسسين لحركة عدم الانحياز عام 1961، إلى جانب مصر وغانا والهند ويوغوسلافيا.

   لكن في الواقع، منذ عام 1957، اقترب سوكارنو أكثر فأكثر من الصين، واقترح تشكيل محور جاكرتا -بنوم بنه -هانوي -بكين -بيونغ يانغ. وأدى قمع “حركة 30 سبتمبر” عام 1965 من قبل الجنرال سوهارتو وتسليم الرئيس سوكارنو للسلطات الكاملة لهذا الأخير، إلى وضع حد لهذه التجربة. قطع سوهارتو العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وانقلب على سياسة سلفه، دون أن ينحاز إلى الولايات المتحدة.

    أعاد العلاقات مع الصين عام 1990. ولكن في العام التالي، أعلن وزير الخارجية علي العطاس، أن النزاع بين الصين وخمس دول أخرى -بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام -حول جزر سبراتلي، قد يصبح منطقة نزاع في جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، ولفترة طويلة، ستتظاهر إندونيسيا بأنها غير معنيّة بهذه النزاعات، بينما مطالبة الصين ببحر الصين الجنوبي، الذي تعتبره جزءً من مياهها الإقليمية، تتعدى على المنطقة الاقتصادية الخالصة ***** في جزر ناتونا، التابعة  لإندونيسيا.

الخوف من إثارة الاستياء
   عام 1999، نظمت إندونيسيا استفتاء في تيمور الشرقية، وهي مستعمرة برتغالية سابقة كانت قد غزتها وضمتها عام 1975. وكان ما يقرب من 80 بالمائة من الأصوات لصالح انفصال الأرخبيل. ثم شرعت الميليشيات الموالية لإندونيسيا، بدعم من قطاعات معينة من الجيش، في حملة عنف قادت الولايات المتحدة إلى وضع إندونيسيا تحت حظر عسكري.
   ورغبةً منها في تحديث قوتها الجوية، حصلت جاكرتا على ستة عشر طائرة روسية من طراز سوخوي سو 27 وسو-30 عام 2003 لتحل محل طائرة دوغلاس إيه -4 سكاي هوكس الأمريكية التي تم شراؤها مستعملة من إسرائيل، بإذن من الولايات المتحدة، عام 1982. ولتعويض طراز نورثروب اف-5 القديم، الأمريكي أيضًا، من بين العديد من المرشحين، يبدو أن سوخوي سو 35، وهي نسخة متقدمة من سو-17، هي المفضّلة. لكن عام 2020، أجبرت الولايات المتحدة إندونيسيا على التخلي عن هذا الشراء، موضحة أنه يمكن أن يندرج تحت قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات. لذلك اتجهت إندونيسيا إلى طائرات أخرى تم النظر فيها، منها رافال. وفي هذا السياق كشفت وزيرة الدفاع عن المباحثات مع إندونيسيا. وأعلنت هذه الأخيرة رسميًا التخلي عن الطائرات الروسية في ديسمبر 2021. عدم الانحياز الإندونيسي مقيد بالخوف من استياء أحد الاطراف.

   كما لا تريد إندونيسيا أن تثير استياء الصين، شريكها التجاري الأول ومستثمرها الأول. ويضغط وزير الشؤون البحرية، لوهوت بنسار بانجيتان، باتجاه التقارب مع الصين، وبالتالي يبرز على أنه مؤثر بشكل متزايد. ويرى محمد ذو الفقار رحمت، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية في إندونيسيا في يوجياكارتا، إن هذا التقارب يخاطر من ناحية في مزيد ارتهان إندونيسيا للصين، ومن ناحية أخرى، الإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة.

   هذا هو المنعطف الذي يبدو أن هذه العلاقات تأخذه. في أغسطس 2021، قامت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس برحلة استغرقت أربعة أيام إلى سنغافورة وفيتنام، اعتبرتها مؤسسة الأبحاث الأمريكية أوراسيا “فارغة”: تجاهلت إندونيسيا وماليزيا وتايلاند. ومع ذلك، بعد بضعة أشهر، زار وزير الخارجية أنطوني بلينكين هذه البلدان الثلاثة. ولخصت وزيرة الخارجية الإندونيسية هذه الزيارة بالحديث عن اهتمام الولايات المتحدة القوي بالشراكة مع إندونيسيا، “خاصة في البنية التحتية”. من جانبه، قال وزير الشؤون البحرية لوهوت، إنه أخبر بلينكين أن “إندونيسيا “كانت” دولة عظمى، ودولة غنية، ودولة “بحاجة” إلى عدم الانحياز إلى أي طرف”، ويمكن أن تكون “قوة توازن بين الصين والولايات المتحدة “... تدرك الحكومة الإندونيسية جيّدا موقع البلاد.

شراكة استراتيجية صعبة
   في هذا السياق، ما مدى جاذبية فرنسا لإندونيسيا؟ رابع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، حيث بلغ عدد سكانها 275 مليون نسمة عام 2021، والاقتصاد السادس عشر بإجمالي ناتج محلي بلغ 1.120 مليار دولار عام 2019، تتمتع البلاد بفائدة تجارية. وهذا يصحّ في مجال الدفاع: تخصص إندونيسيا حاليًا 0.8 بالمائة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، مقارنة بـ 1 فاصل 4 بالمائة في تايلاند، و2 فاصل 4 بالمائة في فيتنام. وسيكون أحد المؤشرات تحقيق شراء رافال، في شريحة أولى من 12 طائرة بينما كان العدد المتصور في البداية 36، أو حتى 48. تقدم الولايات المتحدة أحدث نسخة من طائراتها اف-15****** ولكن أيضًا اف-16، التي تمتلك إندونيسيا حوالي ثلاثين نسخة منها. ولأكثر من عام، قام العديد من الوزراء الفرنسيين بزيارة إندونيسيا. لكن تم إلغاء زيارة لوزيرة الدفاع فلورنس بارلي كان مقررا إجراؤها في نهاية يناير 2022. ويبدو أن قضية التعويضات والتمويل لم تحسم بعد.

   ستكون الشراكة الاستراتيجية أكثر صعوبة، من حيث دعم فرنسا للموقف الأمريكي بشأن مسألة بحر الصين الجنوبي، أي حرية الملاحة (أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي). وسيكون من الضروري تصميم شراكة لا تعتبرها إندونيسيا إشعارًا رسميًا لدفعها للاختيار في مواجهة الصين، وهو ما فشلت حتى الولايات المتحدة في القيام به. لكن لدى إندونيسيا جانبًا يتمتع بميزة: إنه مجتمع يحاول بناء ديمقراطية، ويمكن لفرنسا أن تغريه.

* الكنية صاغها برنارد شين، زبون فرنسي لجوكو ويدودو، الذي يمتلك مصنع أثاث في سولو وسط جاوة. وكان الاستخدام الجاوي أن يطلق عليه “جوكو».
** المنطقة التي تمتد من إندونيسيا إلى اليابان عبر بورما والفلبين. وبالتالي فإن هذا التعريف ليس جغرافيًا فحسب، بل أيضًا إثنيًا وثقافيًا لأن بورما، حيث يتحدث معظم السكان اللغات الصينية التيبتية، لها حدود مع بنغلاديش، التي تنتمي لغتها الوطنية، البنغالية، إلى العائلة الهندية-الأوروبية المدرجة في جنوب آسيا، إلى جانب الهند وباكستان.
*** ولد أوباما في هاواي وأمضى أربع سنوات من طفولته في جاكرتا.
**** في الولايات المتحدة، وزير الخارجية هو الرابع في ترتيب الخلافة الرئاسية (بعد نائب الرئيس ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ ، وبالتالي أول الوزراء).
***** «تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة من خط الأساس إلى حد أقصى يبلغ 200 ميل بحري (370.4 كم ، 230.2 ميل). تتحكم الدولة الساحلية في جميع الموارد الاقتصادية (على سبيل المثال، صيد الأسماك أو التعدين أو التنقيب عن النفط) داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، فضلاً عن أي تلوث لهذه الموارد».
****** في الولايات المتحدة ، منذ عام 1962 ، يجب على الطائرات العسكرية ، بغض النظر عن الشركة المصنعة (من حيث المبدأ أمريكية) ، أن تتبع نظريًا نظام تعيين يتكون من بادئة مكونة من حرف أو حرفين يحددان وظيفة الطائرة ورقم ترتيب زمني لتاريخ المشروع (حتى لو لم يتم تصنيع الطائرة في النهاية).  وهكذا فان إيه -4 سكاي هوك من دوغلاس (شركة مصنعة ابتلعتها لاحقًا شركة أخرى، ماكدونيل) هي طائرة هجوم أرضي وطائرة اف-15 هي مقاتلة صنّعتها ماكدونيل دوغلاس (شركة استوعبتها شركة بوينغ منذئذ).
- أستاذ وباحث في إدارة الثقافات ضمن فريق “الإدارة والمجتمع”. منذ عام 2003، أصبحت إندونيسيا مجال أبحاثه.