أوكرانيا... نُذر مواجهة أم صراع جبابرة
هل العالم على حافة حرب عالمية ثالثة ؟
هل اقتربت الحرب، هل تندلع الحرب، بين تأكيد واشنطن، ونفي روسيا، وتباين المواقف الدولية من الأزمة المتصاعدة، تحولت الأنظار إلى كييف التي تحولت إلى محور التوازن الدولي، لمعرفة نهاية الأزمة سلماً أو حرباً، في محاولة لقراءة التطورات والتداعيات المحتملة، على العلاقات الدولية في العقود المقبلة. ووفق صحف عربية صادرة أمس الاثنين، ضاعف تناقض الرؤى والمواقف، المشهد غموضاً وتعقيداً، بين من يؤكد أن الحرب أصبحت مسألة محسومة، ووقت ليس أكثر، وبين من يستبعد الاحتمال لما له من تداعيات خطيرة، على الفائزين والخاسرين على حد سواء، بعد نهاية الأزمة.
حرب مستحيلة
وفي هذا السياق قال عمر أنهون في صحيفة “الشرق الأوسط” إن الانتشار والمناورات العسكرية من روسيا والولايات المتحدة وحلفائها شكلت علامات واضحة على التصعيد الذي قد يؤدي إلى عمل عسكري في نهاية المطاف.
ولكن ذلك لم يمنع أنهون، من استبعاد احتمال الحرب لأنه “في ظل جميع الإمكانات والتكنولوجيا المتاحة حالياً، ستكون الحرب خياراً خاسراً لجميع الأطراف عسكرياً واقتصادياً وغير ذلك».
ويوضح الكاتب، أن حسابات الربح والخسارة لا تتوقف على الدول المعنية مباشرة بالمواجهة المسلحة من المعسكرين، الغربي من جهة والروسي من جهة أخرى، بل تمتد إلى دول أخرى، ليست في مقدمة المعنيين بالحرب، أو المعارك، ولكن تأثرها بالأحداث، سيساهم في مزيد من التوتر والمشاكل، من ذلك أن “البلدان غير المتورطة بشكل مباشر في الأزمة، عادة ما تكون الأشد تضرراً. وهنا، تبدو تركيا مثالاً جيداً، ذلك أنه في ظل اقتصاد يرزح بالفعل تحت وطأة ضغوط شديدة، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ستؤثر سلباً على الفوائد الاقتصادية لتركيا، التجارة، والغاز، والسياحة. وربما تشتعل أيضاً خلافات جديدة بين تركيا من ناحية، والولايات المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين من ناحية أخرى».
من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط
من جهتها اعتبرت صحيفة “العرب” أنه إذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المغامرة واجتياح أوكرانيا، فإنه سييضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة، يقول مراقبون إنه لا يمكن التكهن بتداعياتها التي ستطال دول العالم بنسب متفاوتة بما فيها البعيدة جغرافياً عن ساحة الحرب مثل منطقة الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال الأمريكي إريك كوريلا أن “غزو روسيا لأوكرانيا سيؤدي إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك في سوريا”، وأضاف “إذا غزت روسيا أوكرانيا، فلن تترد فلن تتردّد في لعب دور المفسد في سوريا أيضاً». ولن تتوقف التداعيات على الشرق الأوسط والإقليم، عن ذلك، بل يمكنها أن تتحول إلى تهديد استراتيجي من نوع آخر “وستكون المنطقة على موعد مع نقص حاد في إمدادات سلاسل الغذاء، إذ توجه أكثر من 40% من شحنات الذرة والقمح السنوية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط أو أفريقيا».
ويقول المحلل الزراعي في معهد بريك ثروث أليكس سميث، حسب الصحيفة، إن “التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي، مشيراً إلى أنه في 2020 جاء نصف القمح المستهلك في لبنان، من أوكرانيا، ويستورد اليمن، وليبيا على التوالي 22 و43 % من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا». وتضيف الصحيفة، أن الحرب المحتملة تمثل كابوساً إنسانياً وأمنياً، والأخطر فيها، أن آثارها الاقتصادية قد تهدد العالم بأسره، “بدءاً من تأثيرها على أسواق الحبوب، وصولاً إلى أسواق الطاقة. ومن المرجح أن تتأثر أسواق الطاقة الأوروبية بشكل كبير إذا تحولت التوترات إلى صراع.وتعتمد أوروبا على روسيا للحصول على حوالي 35% من الغاز الطبيعي، ويأتي معظمها من خلال خطوط الأنابيب التي تعبر بيلاروسيا، وبولندا، إلى ألمانيا ونورد ستريم2، الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من خلال أوكرانيا».
ضرب من الخيال
أما في صحيفة “الرياض” فيعتبر علي الخشيبان، أن “القضية الأوكرانية تشكل مسرحاً جديداً لتنافس يفتقد إلى التكافؤ الأيديولوجي، ويجبر أمريكا بشكل غير مباشر على إعادة حساباتها في معايير القوة وآليات خلق التكتلات الدولية التي أصبحت تطل من البوابة الأمامية للنظام العالمي”، ما يجعلها أقرب إلى نسخة جديدة من الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، أكثر من المدخل لحرب بين الدولتين، لاعتبارات عدة، أبرزها أن “فكرة الانتصار في حرب بين قوتين نوويتين هو ضرب من الخيال، فالجميع سيخسر، ولذلك فإن الحرب تدور بشكل مباشر حول الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية، وليس أكثر من ذلك، عبر استخدام الأدوات الاقتصادية وهذا ما يؤكده الخبراء، ولذلك من المهم استبعاد فكرة الحرب بشكلها العسكري التقليدي لأنها خيار نهائي حاسم ستنعكس آثاره على العالم أجمع».
خاسرة في الحالتين
ومن جانبه وفي صحيفة “عكاظ” يتساءل محمد الساعد “أين ستقف أمريكا بعد أوكرانيا، إذ يذهب الكثير إلى أن لا حرب هناك، وانما فرض إرادة سينتصر فيها بوتين، كما انتصر في القرم، فأوكرانيا ليست كوبا، ولا بايدن هو كيندي ولا المؤسسة السياسية والأمنية الحالية تشبه تلك المؤسسات العميقة التي كانت تحكم أمريكا وقتها». وتساءل الساعد أيضاً “كيف يمكن تفسير غرق العملاق الأمريكي إلى أذنيه في مفاوضات عبثية مع الرجعي الماضوي خامنئي، الذي لا يزيد على مجرد كاهن في معبد، ومع ذلك يسعى بايدن وإدارته لإرضائه وردم أخطائه، وإرسال الأموال له، وتحقيق طموحه النووي الذي لا يستحقه، وفي الوقت نفسه يريد سيد البيت الأبيض، أن ينتصر على بوتين ابن أعرق أجهزة المخابرات في العالم، وهو السياسي المحترف القادر على السير على حبال السياسة بكل سلاسة. ويستبعد الساعدي نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الفوز على روسيا في الأزمة بينهما، ذلك لأن “قصة التراجع الأمريكي لم تبدأ في أوكرانيا، فهي من سلمت العراق للإرهابيين، ومن سلمت الصومال، وأفغانستان، وليبيا للفوضى، وواشنطن هي التي ابتلعت مقتل دبلوماسييها في بنغازي الليبية خلال فترة الخريف العربي، وهي من قتل جنودها المارينز في بيروت أول الثمانينات الميلادية، وفي نهاية الأمر سجلتها كلها ضد قاتل مجهول تدينه نهاراً، وتتفاوض معه سراً في فنادق نائية داخل البلدان الأوروبية».
ومع ذلك يضيف الكاتب، أنه حتى لو نجحت واشنطن، في لجم طموحات موسكو، فإنها في المقابل لن تحقق أي مكسب استراتيجي بما أنها على وعكس ما تريد، ستفتح بذلك “الطريق واسعا أمام بكين، وكأن الأزمة في شرق أوكرانيا هي أزمة ضرورة، فالعالم إثر تراجع قيادة أمريكا أضحى في حاجة ملحة لأزمة كبرى تعيد إنتاج تحالفات، وقيم سياسية، وحدود أمنية، تؤسسها قوى عظمى جديدة تعيد التوازن للعالم».