رئيس الدولة والرئيس التركي يبحثان مواصلة تعزيز علاقات البلدين والمستجدات في المنطقة
هل توجد مراكز شرطة صينية سرية على الأراضي الفرنسية؟
فيما كانت السلطات الفرنسية قد حدّدت 9 «مراكز شرطة صينية سرّية» على أراضيها العام الماضي، قدّر جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي، في مذكرة صدرت في يونيو -حزيران 2025، أنّ نشاط تلك المراكز قد توقف بشكل مؤقت نتيجة ضغوط مارستها باريس على بكين. ووصفت تحقيقات فرنسية مراكز الشرطة هذه، بأنّها كيانات غير رسمية يُشتبه في استخدامها لمُراقبة الجالية الصينية، وأحياناً لترحيل المُعارضين قسراً إلى الصين. وأشارت إلى أنها تعمل في الخفاء، وتُمثّل أداة بيد بكين لمُلاحقة الأصوات المُعارضة خارج حدودها. وردّاً على سؤال وجهته النائبة كونستانس لو غريب، من حزب النهضة، اضطرت المديرية العامة للأمن الداخلي للخروج عن تحفظها المُعتاد، وقدّمت الشهر الماضي توضيحات نادرة بشأن هذا «التدخل الصيني» في فرنسا. وأكدت الاستخبارات الفرنسية أنّها اتخذت إجراءات تعطيل مختلفة لإغلاقها من بينها استدعاء القائمين عليها. كما ذكرت أنّ «النظام قد توقف مؤقتاً» بسبب ما وصفته بأنّها تعليمات صينية صدرت مؤخراً. وبحسب مُراقبين، فإنّه رغم الضغوطات الفرنسية، فقد تُعاود هذه الهياكل نشاطها لاحقاً، مُشيرين إلى ارتباطها بسياق أوسع من السياسة الصينية تجاه جاليتها في الخارج. ويُوضح الباحث الفرنسي في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، سيمون مينيه، أنّ هذه الاستراتيجية تُدار مباشرة من «إدارة عمل الجبهة المتحدة» في الحزب الشيوعي الصيني، وتضم تحت مظلتها منظمات وجمعيات عدّة. وهو يرى أنّ «الهدف هو ممارسة النفوذ والسيطرة على المواطنين الصينيين، وحتى غيرهم، خارج الصين، ودفعهم للدفاع عن مصالح النظام سواء في الداخل أو الخارج». وفي هذا الإطار، تلعب «مراكز الشرطة السرّية» دوراً مُزدوجاً. فهي، من الناحية الظاهرية، تقوم بوظائف إدارية، مثل تجديد الوثائق أو تقديم خدمات للمُغتربين. ولكنّها في الخفاء، بحسب مينيه، تُستخدم كأدوات لمُراقبة الجالية الصينية ومُلاحقة المُعارضين السياسيين، لا سيّما ممن تُصنّفهم بكين ضمن قائمة السموم الخمسة (مؤيدو الديمقراطية الغربية، نشطاء استقلال تايوان، الأويغور، التبتيون، وأعضاء حركة «فالون غونغ» الدينية التي يُلاحقها النظام ويصفها بأنّها طائفة ضارة). ووفق تحقيق أجرته يومية «لا كروا» الفرنسية، فإنّ أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في نشاط هذه المراكز هو ما يُعرف بـِ «الإعادة القسرية»، حيث يُعاد بعض المواطنين الصينيين إلى بلادهم بشكل غير قانوني، ما يُعرّضهم غالباً للاعتقال. ففي مارس 2024، أثارت قضية المُعارض لينغ هوازهان، 26 عاماً، ضجة كبيرة، بعدما كشفت لقطات سرّية - التقطها حقوقيون - عن محاولة فاشلة لإعادته قسراً من مطار رواسي-شارل ديغول. ويُوضح سيمون مينيه، المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية المتعلقة بالصين، أنّ هذه المراكز تلعب دوراً محورياً في مثل هذه العمليات، مُتهماً إيّاها بأنّها «تجمع المعلومات عن المُستهدفين وتُقدّمها للأجهزة الصينية العاملة على الأراضي الفرنسية، والتي تتولى لاحقاً تنفيذ الترحيل القسري». تقول مصادر فرنسية، إنّ أوّل ظهور لمثل هذه المراكز الصينية كان في جنوب أفريقيا عام 2004، قبل أن تنتشر عالمياً خلال العقد الثاني من القرن الـ21. وقد رُوّج لها تحت ذريعة منع «الاحتيال الإلكتروني» و»مُحاربة الفساد» و»التهرّب الضريبي» في صفوف المواطنين الصينيين بالخارج، إلا أنّ استخدامها لاحقاً توسّع ليشمل ملاحقة شخصيات مُعارضة لبكين. وبقيت هذه الظاهرة بعيدة عن الأضواء لسنوات، إلى أن بدأت منظمة (Safeguard Defenders) الحقوقية المتخصصة في شؤون شرق آسيا بالكشف عنها في تقارير منذ عام 2022.
وبحلول نهاية ذلك العام، وثّقت المنظمة وجود 102 «مركز شرطة صيني» في 53 دولة، كثير منها في أوروبا الغربية.ومن بين هذه المراكز كان أربعة منها فقط في فرنسا. لكنّ العدد وصل إلى تسعة في تقرير جهاز الاستخبارات الفرنسية الصادر عام 2025، ما يُشير إلى احتمال توسّع الشبكة على الرغم من الإجراءات الفرنسية الأخيرة التي أجبرت تلك المراكز أخيراً على تجميد نشاطها مؤقتاً.