الأزمة الحالية تسرّع الخلافات بين دولها

هل سينسف وباء كورونا مجموعة البريكس...؟

هل سينسف وباء كورونا مجموعة البريكس...؟

-- المشـروع واضـح: تحـدي هيمنة الغرب والتعبير عن مصالـح هذه الاقتصـادات الخمسـة المعولمـة
-- بالنسبة للصين وروسيا، يعدّ كوفيد فرصة لتأكيد طموحهما في رؤية ظهور عالم ما بعد الغرب
-- أربعة من دول المجموعة كانت مصدر الفيروس أو أشكاله الأكثر خطورة
-- نجحت مجموعة البريكس في «نزع الطابع الغربي» عن العالم في غضون عقد قصير
-- تظهر البرازيل وجنوب أفريقيا رغبة في تجنب اعتبار اللقاح متغيرًا جيوسياسيًا
-- بالنظــر إلــــى وزنها بين ســـكان العالم، كان  لا بد أن يتفشى الوباء في دول البريكس


   خلال عشرين عامًا، أصبحت دول البريكس لاعبا رئيسيا، تعتمد على نموها الاقتصادي لتحتل مكانة أكثر بروزًا في الحوكمة العالمية. وبفضل أزمة عام 2008، أصبحت العلامة عبارة عن “كارتل”. الطموح للوقوف ضد الغرب باق، والقمم تتواصل، إلا أن فيروس كوفيد-19 يفاقم التوترات، وتتزايد علامات الانقسام... فهل أصبحت مجموعة البريكس الآن رابطة منحلة؟

من التسويق المصرفي إلى الطموحات العالمية
   عام 2001، هل كــــان بوســـــع الاقتصادي جيم أونيل، من بنك الاستثمار جولدمان ساكس، أن يتنبأ بمدى نجاحه؟
من خلال صياغة الاختصار بريك (البرازيل وروسيا والهند والصين، والتي أضيفـت إليهـــا جنـوب إفريقيا بعد عقـــــد من الزمن لتشــــكيل مجموعـة البريكس)، كان ينـــــوي تســــمية الاقتصادات ذات الإمكانات المرتفعة بعد سنوات قليلة من الأزمة الآسيوية.
وبعيــــدًا عن تغطيــــة واقــــع مؤسـسي أو تقـارب اقتصادي كلي، كان هذا المفهوم الناشـــئ، قبل كل شــــيء، إنشـــــاء تســــويق مصرفي يهـــدف إلى جذب انتباه المستثمرين إلى هــــذه الاقتصادات سريعة التغير.

عام 2009، تبنّت هذه الدول نفسها هذا الاسم المختصر ومنحته شكلاً مؤسسيًا للتنسيق بين الدول، مختلفا تمامًا عن مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ومجرة الأمم المتحدة. التقت دول البريكس في قمة بمجرد تأكيد التنبؤات الاقتصادية للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين: فجميعها تشهد نموًا مستدامًا، قائمًا على الاندماج في التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وإذا كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو عقد ظهور مجموعة البريكس، فإن الفترة 2010-2019 كانت عقد إضفاء الطابع المؤسسي عليها. تعتزم هذه المجموعة غير المتجانسة، التأثير على المصير الجيو-اقتصادي والجيوسياسي للعالم. المشروع واضح: تحدي هيمنة الغرب والتعبير عن مصالح هذه الاقتصادات الخمسة المعولمة.

   بدا الرهان ناجحًا قبل تفشي جائحة كوفيد-19: إذا تم أخذها بشكل جماعي، فإن هذه الدول يبلغ عدد سكانها 3.2 مليار نسمة، أو 42 بالمائة من سكان العالم. والأفضل، انها أنتجت ثلث ثروة العالم عام 2018 (32 بالمائة بالضبط).
   أعضاء في مجموعة العشرين، بارزين في جميع المنتديات الدولية، أسسوا بنكًا للتنمية، وسرقوا الأضواء بانتظام من مجموعة السبع، على الأقل، منذ استبعاد روسيا منها عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم.

    باختصار، نجحت دول البريكس في “نزع الطابع الغربي” عن العالم في غضون عقد قصير، على الأقل، في العرض الجيو-اقتصادي. لأنه في الواقع، لهذه الدول مسارات اقتصادية منفصلة للغاية، لا يواجه الاقتصاد الريعي في روسيا نفس التحديات (التنويع) مثل الاقتصاد الصناعي الذي يقترب الآن من النضج في الصين، واقتصاد الخدمات في الهند.
والحجم ليس نفسه على الإطلاق بين الناتج المحلي الإجمالي لجنوب إفريقيا البالغ 348 مليار دولار عام 2017، والناتج المحلي الإجمالي الصيني البالغ 12200 مليار دولار في نفس العام. وتعمل الأزمة الحالية على تسريع الخلافات بين دول البريكس، فقد حقق بعضها نجاحًا طبيًا ملحوظًا (روسيا والصين) بينما يعاني البعض الآخر (الهند والبرازيل) من كوارث صحية حقيقية.
   إن كوفيد-19 هو مسرّع لهذه الانقسامات: انه يكشف عنها، مع أنها كانت موجودة من قبل.

عوامل الخطر
   بالنظر إلى وزنها بين سكان العالم، ما كان يمكن لدول البريكس أن تنجو من الوباء: فهي معولمة بشدة، وتتأثر بالضرورة بالاتجاهات العالمية. في الواقع، لعبت هذه الدول المختلفة دورًا خاصًا في هذه الأزمة، أربعة منها كانت مصدر الفيروس أو بعض أشكاله الأكثر خطورة.
   بدأ الوباء في الصين في نوفمبر 2019، ومنها انتشر منذئذ في جميع أنحاء العالم. وتتنزّل مسألة المسؤولية الصينية هذه أيضًا في صميم بعثة التحقيق التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ولم يتحول التعبير عن التضامن بين دول البريكس الى دعم صريح للصين.

ولازمت متغيرات الفيروس المتعددة دول البريكس: ظهر المتحور الجنوب أفريقي في ديسمبر 2020، مما جعل هذا البلد أول دولة أفريقية تتجاوز المليون إصابة، قبل أن ينتشر في فرنسا في أقاليم ما وراء البحار (غيانا، مايوت، ريونيون). بلد تأثر على نطاق واسع بـ كوفيد جرّاء غياب ردّ منسق ومركزي، شهدت البرازيل تفشي متحوّر اخر تم رصده لأول مرة في اليابان (B.1.1.248)، ثم تم اكتشاف آخر في ماناوس (P1)، وأخيراً ظهور آخر في ريو دي جانيرو (P2). وثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، قبل أن تصبح الأولى في العقد المقبل، شهدت الهند أيضًا متغيرًا محليًا (B.1.617)، تم اكتشافه في أكتوبر 2020.

   ومن بين دول البريكس، وحدها روسيا لم تكن ملعبًا لمتغيّر محلي معروف، رغم أن أرقام الوفيات المرتفعة عام 2020 تشير إلى انتشار مكثف للغاية للفيروس. ويجب إضافة ملاحظتين: من ناحية، تلعب متغيرات الفيروس هذه دون شك دورًا في انتشار كوفيد، مضيفة إلى صعوبة علاج الوباء خصائص طبية جديدة، والتي هي أكثر مقاومة لبعض اللقاحات. من ناحية أخرى، عانت هذه البلدان، الواثقة في العولمة والقدرة على الوصول إلى القوة، من العبء الكامل لقوة الفيروس المعادلة، والتي لا يمكن أن يلجم جماحها حتى الآن سوى التطعيم.

الاختلافات والانقسامات
   تُظهر مرحلة التعافي الصحي أيضًا اختلافات في المسار، بين الصين التي نجحت في السيطرة على الوباء، وفي الطرف الآخر من الطيف، الهند والبرازيل اللتان أصبحتا نموذجين أصليين للبلدان غير القادرة على السيطرة عليه.
  وراء هذا الاختلاف، وبدون أن يتقاطع تمامًا مع خطوطه، نرى انقسامًا حقيقيًا ينشأ بين قوى اللقاح وغيرها. أصبحت روسيا والصين والهند قوى لقاحات بدرجات متفاوتة من النجاح. لكن خصوصا، انهم أعلنوا ذلك. كان فلاديمير بوتين أول من أعلن وصول اللقاح، واخذ الاسم التجاري الجيوسياسي جدا “سبوتنيك v» في أغسطس 2020، والذي أثبتت المجلة الطبية البريطانية الرائدة “ذا لانسيت”، انه لا شيء يساوي فعاليته سوى الحملة الإعلامية والاتصالية الهجومية التي صاحبته. من جهة اخرى، تجدر الإشارة إلى أن روسيا طورت منذ ذلك الحين لقاحين آخرين مرخصين محليًا، إبيفاكورونا (معهد فيكتور) وإبيفاك (مركز تشوماكوف).

 أول بلد عانى من الوباء، والقوية بإمكانات علمية معترف بها، ابتكرت الصين العديد من اللقاحات، مما يدفع بلدًا مثل فرنسا الى الخجل: كونفيديسيا وسينوفارم وكورونا فاك وسينوفاك-وRBD-ديمر.
   ومع ذلك، فإن فعالية اللقاحات الصينية موضع تساؤل، حيث تتراوح معدلاتها بين 50 و80 بالمائة قياسا للقاحات المختلفة؛ على سبيل المثال، أدى ذلك إلى قيام الرئيس الفلبيني دوتيرتي بإعادة لقاحات سينوفارم إلى بلدهم الأصلي في أوائل مايو. وأخيرًا، تمكنت الهند، أحد المنتجين الرئيسيين في العالم للأدوية واللقاحات، من وضع منتجها الخاص: كوفاكسين، ثمرة تعـــــاون بيــــــن بهـــــارات بــــوتاك والمجلس الهندي للبحوث الطبية.
 في المقابل، لم تتمكن البرازيل ولا جنوب إفريقيا من توفير لقاح، وبالتالي فإنهما في وضع يسمح لهما بالموافقة أو الحصول على جرعات قصوى، أو السعي إلى وضع قدرات إنتاجية، وليس لعب دبلوماسية اللقاح.

   هكذا تمكنت بلدان اللقاحات الثلاثة من استخدام وضعها لتعزيز مصالحها، وقد لعبت منفردة. وتستند القوة اللقاحية إلى ثلاثة مكونات أساسية: تأكيد القوة العلمية، والدبلوماسية الصحية الفعالة، وأداة التأثير السياسي. داخل هذه البلدان الثلاثة، هناك عدم تجانس: لدى الصين طموحات كبيرة، في المجالات العلمية، ونشر سياسة صحية (“طريق الحرير للصحة”) وتعزيز نظامها السياسي والترويج له، ومنتظر أن يستكمل عرض اللقاح هذا المنظومة في خدمة التأثير العالمي. اما روسيا فقد شنت من جانبها حملة لإعادة تأكيد قوتها العلمية، المتدهورة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. ولئن كانت لا تملك نموذجا صحيا خاصا بها للترويج له، فإنها تعتزم عرض خبرتها، ولا سيما البحث عن شركاء جدد، كما هو الحال في أمريكا الجنوبية. أخيرًا، تمكنت الهند من تصدير حلول لقاحاتها إلى جنوب آسيا وشرق آسيا في إطار سياسة “صداقة اللقاح”، لكن قدرتها على نشر نموذج صحي أو سياسي، غير موجودة: الأزمة التي تمر بها حاليًا تشكّك في قدرة الهند على تجاوز بيئتها الإقليمية.

    بالنسبة للصين وروسيا، يُعدّ كوفيد فرصة لتأكيد طموحهما في رؤية ظهور عالم ما بعد الغرب، حيث تضعف الولايات المتحدة بشكل دائم، وينقسم الأوروبيون. لكن من غير المرجح أن يأتي هذا العالم في شكل تحالف بديل البريكس، بما ان هذه المجموعة منقسمة حول هذه المسألة بشكل كبير.
   كانت بكين وموسكو، قبل وأثناء هذه الأزمة، المحمل الرئيسي لرؤية عالم ما بعد الغرب، حيث يترك غياب المؤسسات المتعددة الأطراف الفعالة مجالًا أكبر للقوى الناشئة. ووفقًا لهذه الرؤية نفسها، فإنهما القوى الوحيدة القادرة على توجيه الفوضى الدولية، ومن هنا تمسكهم المركزي بمسألة سيادتهما، بعيدًا عن أي تدخل لخارجي.

 ويقود هذا الطموح الصين وروسيا الى إثبات أن الولايات المتحدة والأوروبيين لا يحتكرون التقنيات المتقدمة، والى أن يلعبا دورهما الكامل كقوتي لقاح، من خلال تأكيد ذاتهما عبر تصدير الجرعات. وفي هذا الإطار، اقترنت قومية اللقاح الأمريكية (منع تصدير اللقاحات والمواد الخام) بمقترح لرفع براءات الاختراع، التي اشتركت فيها الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، كما أشار الى ذلك إيلي كوهين مؤخرًا في تيلوس.
   وفي هذا السياق، يعد سبوتنيك V اختبارًا لتماسك مجموعة البريكس. لقد اتجهت الهند إلى التحالف الرباعي غير الرسمي (مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان) في مارس 2021، لمواجهة نفوذ الصين، وأيضًا لمناقشة التعاون في مجال اللقاحات. ولم يمنع هذا الهند من تبنّي لقاح سبوتنيك V بأذرع مفتوحة، مع اتباع سياسة حذرة بطبيعتها لإغراءات الهيمنة الإقليمية لبكين.

    في المقابل، شككت السلطات الصحية البرازيلية في نتائج لقاح سبوتنيك V (الجودة والفعالية والأمان)، مما أثار حفيظة روسيا في نهاية أبريل. والواقع أن القادة الروس ساخطون، أليس هذا قراراً سياسياً، حين ندرك انه تمت الموافقة على اللقاح في المكسيك وفنزويلا والأرجنتين؟ تحذو السلطات المركزية البرازيلية حذو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان لم يصدقا اللقاح الروسي في هذه المرحلة. وتعتمد جنوب إفريقيا فقط على اللقاحات الأمريكية والأوروبية -جونسون آند جونسون وفايزر-بيوانتك وأكسفورد -أسترا زينيكا -مع دراسة إمكانية ترخيص لقاحات أخرى، مما يظهر رغبة في تجنب اعتبار اللقاح متغيرًا جيوسياسيًا.

   أكثر من مجرد قطيعة، فإن الجغرافيا السياسية للقاحات لدول البريكس هي في الواقع تضخيم لاتجاهات قائمة، فالتعارض الصيني الأمريكي يقود هذه البلدان إلى اتخاذ مواقع مختلفة في عمليات إعادة التشكيل الدولية الجارية. منافسة وتوترات وخلافات، ككتلة، تخرج مجموعة البريكس من الأزمة ضعيفة... وقد يكون عقد ما بعد كوفيد هو عقد زوالها.


* أستاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
**الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، وأستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، باحث مشارك في المركز الجغراسياسي للمدرسة العليا للتجارة.