تقلّص اليد العاملة يقلق النظام:

هل ندمت الصين على سياسة الطفل الواحد...؟

هل ندمت الصين على سياسة الطفل الواحد...؟

-- كانت الأولوية في الصين في الثمانينات هي تسريع التنمية الاقتصادية، حتى لو كانت بتكلفة ديموغرافية كبيرة
-- بحلول عام 2050، ستفقد الصين أكثر من 200 مليون شخص في سن العمل
-- الصين تتجه نحو وضع يكون فيه عدد المتقاعدين أكثر من العاملين
-- الانشغال بعدد الصينيين يتنزل في تقليد طويل أرسته الإدارة الإمبراطورية
-- تم إجراء ما يقرب من 330 مليون عملية إجهاض في الصين بين 1971 و2010 نتيجة لسياسة الطفل الواحد


هل سيبلغ عدد سكان الصين في يوم من الأيام أكثر من 1.5 مليار نسمة؟ في 11 مايو، أشارت بكين إلى أن الصينيين هم 1،411،778،724 “فقط”. بالتأكيد أن هذا يمثل 18.7 بالمائة من سكان الكوكب البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة. لكن الإحصاء الذي أجراه المكتب الوطني للإحصاء طوال عام 2020، يشير إلى أن عدد السكان الصينيين زاد بنسبة 0.53 بالمائة سنويًا منذ عام 2010. بينما بين 2000 و2010، كان هذا النمو 75،0 بالمائة.
   يُحتمل أن تكون هذه الأرقام متاحة لقادة الحزب الشيوعي الصيني في مطلع شهر مارس، ولعلهم لم يتوقعوا مثل هذا التباطؤ في النمو السكاني، وكان لا بد من انعقاد جميع أنواع الاجتماعات في بكين، مما أدى إلى تأخير نشر هذه الأرقام.

   يشير هذا الإحصاء إلى أن هناك 264 مليون شخص فوق سن الستين في الصين، أو 18.7 بالمائة من سكان الصين. عام 2010، كانوا 13.3 بالمائة. وتمثل الفئة العمرية 15-59، فئة سن العمل، 63.3 بالمائة من الصينيين، وكانوا عام 2010، 70 بالمائة. أما عدد المواليد الذي يسجل كل عام فقد انخفض من 14.65 مليون عام 2019، إلى 12 مليون عام 2020.

ينقسم الخبراء الصينيون بين أولئك الذين يقدرون أن عدد سكان البلاد سينخفض بعد الوصول إلى الحد الأقصى عام 2027، وأولئك الذين يعتقدون أن البداية ستكون انطلاقا من عام 2025.وفي كل الأحوال، لا ينبغي أن تكون الـ 50 مليون ولادة المنتظرة بحلول عام 2029 كافية لمنع تسارع شيخوخة السكان الصينيين.

الهدف: الإثراء
    الانشغال بعدد الصينيين هو جزء من تقليد طويل أرسته الإدارة الإمبراطورية. في ظل سلالة مينغ، مكّن السلام وتحسين التقنيات الزراعية من زيادة السكان من 70 مليون نسمة في 1400 إلى 130 مليون في 1650. وبالمثل، في القرن الثامن عشر، في ذروة سلالة تشينغ، نمت الصين من 150 مليون في 1700 إلى 330 مليون في 1800.
   عام 1949، عندما تولى الحزب الشيوعي الصيني السلطة، لم يكن تحديد النسل مدرجًا في برنامجه. كان البلد في ذلك الوقت يضم ما يقرب من 500 مليون نسمة، وفي نظر القادة الجدد، ستسمح الاشتراكية بالتعليم والعمل والتغذية لكل صيني. كما بدأ خطاب إنجابي يترسخ، ويعتقد ماو تسي تونغ، أنه “إهانة للشعب الصيني أن يرغب في الحد من عدده».

   عام 1966، في بداية الثورة الثقافية، كان هناك حوالي 700 مليون صيني. عام 1978، بعد عامين من وفاة ماو، قدّر تعداد السكان بـ 969 مليون نسمة. ويكشف هذا الرقم عن الزيادة السكانية المتفاقمة بما لا يتوافق مع هدف إثراء الدولة الذي أطلقه دنغ شياو بينغ، الرجل الاول الجديد للنظام.

  وهكذا، اعتبارًا من عام 1980، سيتم منع الأزواج الصينيين من إنجاب أكثر من طفل واحد. وتوضح إيزابيل أتاني، عالمة الديموغرافيا وعالمة الجينات في المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، أنه في ذلك الوقت، “كانت حسابات الحكومة الصينية أن تظل سياسة الطفل الواحد سارية طيلة ثلاثين عامًا تقريبًا. أي لفترة تعادل الجيل الواحد. وكانت الأولوية في الصين في الثمانينات هي تسريع التنمية الاقتصادية، حتى لو كانت تنطوي على تكلفة ديموغرافية كبيرة «.

الإجهاض ووأد الأطفال
    وبسرعة كبيرة، لضمان احترام قيود الولادات، تمّ إنشاء إدارة تضم نصف مليون موظف مدني. إدارياً، يقدمون تقاريرهم إلى اللجنة الوطنية لتنظيم الأسرة التي ستلحق بوزارة الصحة. يقومون بتفتيش المدن والقرى، ويفرضون عمليات الإجهاض على النساء الحوامل بطفل ثان، حتى لو كان حملهن على وشك الانتهاء. وصدر قانون عام 1982 ينص على أن “الزوجين اللذين لديهما طفلين أو أكثر يجب أن يخضعا للتعقيم».
   في حال الولادات غير القانونية، هناك عقوبات تتراوح من الفصل من العمل إلى غرامات كبيرة وعدم إصدار “هوكو” للمولود. محروم من شهادة الإقامة هذه، التي تخصص لكل صيني مكان ولادته، لا يستطيع ما يسمى بـ “الطفل الأسود” دخول المدرسة أو الحصول على الخدمات الصحية. ومن المستحيل معرفة عدد الأشخاص الذين هم في هذه الحالة.

   ووفقًا للتقديرات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، تم إجراء ما يقرب من 330 مليون عملية إجهاض في الصين بين 1971 و2010 نتيجة لسياسة الطفل الواحد هذه، والمعروفة أيضًا باسم “سياسة تنظيم الأسرة”. وبلغ عدد حالات الإجهاض ذروته بين 1982 و1992 بأكثر من 10 ملايين سنويًا، وبذروات فاقت 14 مليونًا عامي 1983 و1991.

   من جهة اخرى، في الريف، هناك تفضيل للذكور: فهم الذين يديمون عبادة الأجداد، ويستمرون في استغلال الأرض لأنهم، على عكس الفتيات، لا يذهبون إلى أسرة أخرى عندما يتزوجون. والنتيجة هي حدوث العديد من حالات وأد البنات الصغيرات، مما يخلّ بالنسب بين الجنسين: يوجد اليوم في الصين 116 رجلاً لكل 100 امرأة، بينما في بقية العالم، تبلغ النسبة 102 رجل لكل 100 امرأة.

   ومع ذلك، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تولد بنت في عائلة فلاحية، سُمح بإنجاب طفل ثانٍ. بالإضافة إلى ذلك، في المدن، تم التسامح مع ولادة طفل ثانٍ للأزواج الذين هم من شريحة الطفل الواحد.
   واليوم، لسياسة الطفل الواحد نتيجة أخرى: شيخوخة الصينيين المولودين قبل هذه الخمس وعشرين عامًا من تحديد النسل الصارم، حيث يجري وضع مخطط ضخم للمعاشات التقاعدية.

 في نفس الوقت، إن أجيال الطفل الواحد هي أقل عددًا من الأجيال التي سبقتهم. ومن ثم فإن اليد العاملة الصينية ستتقلص في العقود القادمة.
منذ عام 2005، أوضح العديد من علماء الديموغرافيا الصينيين، أن الصين تتجه نحو وضع يكون فيه عدد المتقاعدين أكثر من العاملين. وكان هناك بطء في الاستماع الى وجهة النظر هذه. علما ان مراجعة سياسة راسخة تتطلب الإجماع على رأس الحزب الشيوعي. بالإضافة إلى ذلك، قام المراقبون، الذين يخشون على وظيفتهم، بالضغط من أجل الحفاظ على هذه الضوابط.

محو آثار الدعاية
    كان لا بد من الانتظار حتى نوفمبر 2013 لتسمح اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للأزواج الذين يكون أحد أعضائها على الأقل طفلًا وحيدًا بإنجاب طفلين، وحسب وكالة الصين الجديدة، من أجل تعزيز “نمو متوازن طويل المدى لسكان الصين”. ولكن من بين 11 مليون من الأزواج الذين يحتمل أن يتأثروا بهذا الإصلاح، طلب 620 ألفًا فقط الإذن بإنجاب طفل ثان.
   أيضًا، في أكتوبر 2015، أعلنت الجلسة الخامسة للجنة المركزية، أنه يمكن لجميع العائلات، اعتبارًا من 1 يناير 2016، أن يكون لديها طفلين كحد أقصى.

 ومرة أخرى، هذا الحكم لم يزد من معدل المواليد. بحيث تتجسد الخطوة الأخيرة في مايو 2020، خلال الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب: إصدار قانون مدني لا يتناول قضية تحديد النسل. وهذا يعني أنه في القريب العاجل، ستتمتع كل أسرة صينية بالحرية في إنجاب أكبر عدد تريده من الأطفال.

   اذن، من خلال سلسلة من الخطوات السريعة، ستكمل السلطات الصينية، رفع القيود المفروضة على الولادات. ولا شك، أنه عام 2015، بعد أن خففت بشكل واضح هذه المسالة، توقعت قيادة الحزب الشيوعي أن تشهد المواليد زيادة حادة، ولكن في المدن التي يعيش فيها نصف سكان الصين الآن، غالبًا ما يجعل الأزواج الشباب من أولوياتهم التقدم في حياتهم المهنية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعليم مكلف، خاصة في أفضل المدارس. ومن المرجح أن يؤدي إنجاب أكثر من طفل إلى عبء ثقيل على الأسرة. أخيرًا، خمسة وعشرون عامًا من الدعاية الرسمية لصالح الطفل الوحيد قد تركت بصماتها. ورغم رفع القيود الآن، يعتقد العديد من الصينيين، أنه من الأفضل إنجاب طفل واحد فقط، أو حتى عدم إنجاب طفل على الإطلاق.

    الى درجة أن موقف القادة قد انقلب: لقد حدوا من الولادات بشكل قاس، وهم يحاولون اليوم تشجيعها. وتجري حاليًا مناقشة خطط في بكين لفرض ضرائب على الأزواج ذوي الدخل المرتفع الى ان ينجبا طفلين. وتشجع بعض البلديات أكثر: فهي توفر ساعات مرنة للنساء الحوامل، وإجازات أمومة -وأبوة -أطول، أو حتى نسب قروض مميزة لشراء العقارات لأولئك الذين أصبحوا آباء.

  من جهة اخرى، في فبراير، طُلب من ثلاث مقاطعات في شمال شرق الصين، النظر في العوامل التي تضعف رغبة المواطنين في إنجاب الأطفال. في جينان، تم إنشاء لجنة على وجه الخصوص لتقييم النقص في خدمات رعاية الأطفال في هذه المناطق، فضلاً عن أفضل طريقة لدعم الطلب المتزايد على التطوير الوظيفي بين النساء اللائي يعشن هناك.

   وبينما سيتم الاحتفال هذا الصيف بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، فإن افق انخفاض معدل المواليد الذي يتجه الى الانهيار، أمر لا يُثير البهجة. وينتشر انطباع بأن البلاد تسير الى الشيخوخة قبل أن تصبح غنية حقًا، وفي الحد الادنى، القول بان التوجيه لصالح الولادات الذي أطلقه الزعيم شي جين بينغ عام 2015، لم يكن له التأثير المطلوب.

   حسب إيزابيل أتاني، سيدفع كل هذا القادة الصينيين إلى الرد: “في رأيي، أكثر ما يقلق النظام الصيني هو تقلّص اليد العاملة. فبحلول عام 2050، ستفقد الصين أكثر من 200 مليون شخص في سن العمل، مما قد يضر بالاقتصاد الصيني. وهذا يدفع للاعتقاد أنه في السنوات القادمة، سيضع النظام الصيني تدابير حافزة قوية لتعزيز معدل الولادة. ففي جميع البلدان، من الناحية الرمزية، تكون الخصوبة المنخفضة للغاية بمثابة شكل من أشكال التدهور».

   وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ كبار المسؤولين الصينيين في الإشارة في الصحافة إلى الحاجة إلى “تنفيذ سياسة دعم في أسرع وقت ممكن لتحفيز الولادات”. وفعلا ها ان الصين تعتزم دعم الأزواج الراغبين في إنجاب طفل ثالث، وفقا لما جاء في اجتماع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أمس الإثنين، ونقلته وكالة شينخوا. وقال الاجتماع إن تنفيذ هذه السياسة وإجراءاتها الداعمة ذات الصلة، سيساعد في تحسين الهيكل السكاني في الصين، ويعالج مشكلة شيخوخة السكان على نحو فعال، ويحافظ على مزايا الموارد البشرية في البلاد.

   على الصعيد الدولي، فإن لمعدل الولادات أيضًا عواقب رمزية مهمة. في الصين، يبلغ معدل الخصوبة اليوم 1.7 طفل لكل امرأة، وهو أقل من عتبة تجديد الأجيال التي تبلغ 2.05. وفي الهند، هذا الرقم 2.5. وتعد الهند حاليًا ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان حيث يبلغ عدد سكانها 1.38 مليار نسمة، وقد رفعت قيود الخصوبة. ومن المحتمل أن يصبح الهنود قريبًا الشعب الأكبر عددا على هذا الكوكب، قبل الصينيين.