الغواصات ومعاهدة أوكوس:
هل هو سباق جديد للتسلح في المحيطين الهندي والهادي؟
-- باريس ونيودلهي تناقشان منذ فترة طويلة التعــاون العســكري الثنـائـي الضـــروري
-- تمتلك طوكيو البحرية الأكثر تطوراً في مســرح المحيطين الهنــدي والهادى
-- منطقة تحوّلت من مركز ثقل للنمو الاقتصادي العالمي، إلى برميل بارود حقيقي
-- حققت دولة أخرى في شرق آسيا تقدما عسكريا كبيرا: كوريا الجنوبية
-- أصبحت أستراليا ثاني دولة تستفيد من التكنولوجيا النووية الأمريكية بعد المملكة المتحدة عام 1958
تنص المعاهدة الثلاثية بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على تسليم غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى كانبرا. مبادرة غير مسبوقة قد تجبر الحكومة الأسترالية على الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بما يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
بموجب الاتفاقية، التي تم الإعلان عنها في 15 سبتمبر، ستتلقى أستراليا ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة، وستتلقى مساعدة في التكنولوجيا الأمريكية الأكثر تقدمًا في مجال شديد الحساسية.
خطــــوة مثلت إهانـــة لفرنســـــا، التي شــــــهدت تبخّر عقـــد بقيمة 50 مليــــــار دولار (حوالي 35 مليـــار يـــــورو، في ذلك الوقت) والذي نص على تسليم اثنتي عشرة غواصة تقليدية.
ويتنزّل هذا التحوّل المذهل، في إطار اتفاقية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. تحوّل أسترالي لم يتأخّر في إثارة غضب الصين، التي رأت فيه رغبة مشتركة لمواجهتها في مسرح المحيطين الهندي والهادئ.
وهكذا أصبحت أستراليا ثاني دولة تستفيد من التكنولوجيا الأمريكية للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بعد المملكة المتحدة عام 1958. “لقد أصبح عالمنا أكثر تعقيدًا، خاصة في منطقتنا، منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أكد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ولمواجهة هذه التحديات، والمساهمة في الأمن والاستقرار، يجب أن ننتقل بشراكتنا الآن إلى مرحلة جديدة».
عند الإعلان عن الصفقة، لم يشر قادة الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة إلى الصين. لكن من الواضح أن هذه الدول الثلاث تتطلع إلى مواجهة القوة الصينية المتنامية، لا سيما تهديداتها المتصاعدة ضد تايوان، ووجود بكين المتزايد باستمرار في بحر الصين الجنوبي. خاصة أن الصينيين امتلكوا غواصات صواريخ نووية منذ سنوات. بالإضافة إلى ذلك، دخلت كوريا الجنوبية المشهد، حيث نجحت غواصة تعمل بالطاقة التقليدية في إطلاق صاروخ.
الهند مهتمة
بالغواصات الفرنسية؟
جزء آخر من سباق التسلح هذا هو الهند. هذا البلد، وهو عدو لدود للصين ولكن ليس بالضرورة حليفا راسخا للولايات المتحدة، يمكن أن يكون مهتمًا بهذه الغواصات الفرنسية العاملة بالديزل، ولم تعد تريدها كانبيرا.
في 21 سبتمبر، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عبر الهاتف. وأكد الرجلان “من جديد إرادتهما المشتركة للعمل بشكل مشترك في فضاء مفتوح وشامل بين المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك في إطار العلاقة الأوروبية الهندية والعمل الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفقًا لبيان صحفي صادر عن الإليزيه، وتهدف هذه المقاربة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وسيادة القانون، مع استبعاد أي شكل من أشكال الهيمنة».
لم يرد ذكر للمفاوضات بشأن إمكانية تسليم غواصات تعمل بالطاقة التقليدية، إلا أن باريس ونيودلهي تناقشان منذ فترة طويلة التعاون العسكري الثنائي الضروري، والهدف، مرة أخرى، هو مواجهة الصين. يذكر أن الهند اشترت 36 طائرة رافال بمبلغ يقدر بنحو 9.4 مليار دولار، ومن المتوقع تسليم آخر جهاز قبل نهاية عام 2024.
أخبار سيئة للانتشار
الحقيقة هي أننا نشهد منذ سنوات عسكرة منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن أبرز جوانبها الوجود العسكري الصيني المتزايد باستمرار في بحر الصين الجنوبي، الذي تبلغ مساحته 4 ملايين كلم مربّع تطالب بها بكين. وهكذا، فإن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي أصبحت الآن مركز الثقل للنمو الاقتصادي العالمي، هل ستصبح في نفس الوقت برميل بارود حقيقي حيث تتركز المصالح الجيواستراتيجية الصينية والأمريكية والأوروبية أكثر من أي وقت مضى؟
السؤال الكبير هو ما إذا كان تسليم الغواصات النووية الأمريكية سيجبر أستراليا على الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت عام 1968 ووقعها عدد كبير من الدول. معاهدة تهدف إلى الحد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية حول العالم، وتضمن احترامها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقرار واشنطن تصدير الخبرة النووية الأمريكية في دفع الغواصات إلى أستراليا، هو في الواقع أخبار سيئة من منظور الانتشار.
إن تحالف اوكوس الجديد (أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) لا يتحدث بالتأكيد عن الأسلحة النووية -الغواصات الأسترالية المستقبلية في الخدمة اعتبارًا من عام 2040 ستحمل صواريخ توماهوك التقليدية، كما تم الإعلان. إلا أن هذا البيع سيبعث للوجود في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، اللاعب السابع في العالم بغواصات هجومية من هذا النوع -توفر الغلايات النووية الموجودة على متنها قدرًا كبيرًا من ذاتية الحركة والسرية وامتداد وإسناد ضخم للسفن الحربية.
سؤال استراتيجي آخر: هل ستستخدم المفاعلات الأسترالية اليورانيوم عالي التخصيب، مثل مفاعلات البحرية الأمريكية، أو المفاعلات منخفضة التخصيب، مثل السفن الفرنسية أو الصينية؟
تطور أستراليا في مجال الأسلحة النووية
لقد تطور الموقف الرسمي لأستراليا بشأن الأسلحة النووية والردع إلى حد كبير منذ الخمسينات. ففي أوائل السبعينات، عززت كانبيرا طموحًا لامتلاك الردع النووي، في البداية من خلال نقل الأسلحة النووية التي يملكها حلفاؤها، ثم لفترة وجيزة، عن طريق التنمية الوطنية لقدرتها الذاتية المستقلة.
كان هذا الهدف يتغذى من عدم الاستقرار السياسي والعسكري في ذلك الوقت في جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى تزايد الشكوك حول التصميم الدائم للولايات المتحدة على الانخراط في الدفاع عن أستراليا، وخاصة من تطوير الصين لأسلحة نووية.
تتكون الترسانة النووية الصينية من 250 إلى 350 رأسًا نوويًا. وهذا أقل بكثير من الولايات المتحدة وروسيا، ولكن على مستوى فرنسا نفسه أو المملكة المتحدة، حسب تقدير الخبراء المطلعين على هذا الملف. وفجرت الصين أول قنبلة نووية من طراز 22 كيلوطن في 16 أكتوبر 1964 الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت بكين في موقع التجارب النووية لوب نور في شينجيانغ شمال غرب الصين. ثم أصبحت خامس قوة نووية في العالم.
لم يكن الأمر كذلك حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما دفنت حكومة حزب العمال برئاسة جوف ويتلام بشكل دائم طموح أستراليا في أن تصبح قوة نووية. لذلك صادقت الدولة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1973.
إذن، لماذا تخلت أستراليا عن الغواصات الفرنسية لصالح الغواصات النووية الأمريكية؟ التفسير الأول:
بهم، ستكون البلاد أكثر اندماجًا في المدار الأمريكي. من الناحية التكنولوجية والعسكرية، هذا يعني أنه إذا دخل الامريكان في صراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فسيكون من الصعب جدًا على الأستراليين عدم المشاركة بشكل مباشر وتقريبًا اوتوماتيكيا.
وأيضا، وخاصة، تمثل عنصرا إيجابيا من حيث الردع ضد الصين.
على مدى السنوات القليلة المقبلة، ستعزز الاتفاقية الجديدة القوة الرادعة لأستراليا ضد بكين، لأنه سيتعيّن على الاستراتيجيين والقادة الصينيين الآن، أن يأخذوا في الحسبان المخاطر المتزايدة، وسيكونون بلا شك أقل ميلًا لاتخاذ قرار الانخراط في أعمال عدائية، وستكون الرهانات عالية للغاية، واحتمالات النجاح ضعيفة جدا.
ستعمل الاتفاقية الجديدة أيضًا، على تحويل قدرات الدفاع الأسترالية، مما يسمح لها بنشر غواصاتها على مسافات أكبر بكثير. في الوقت نفسه ، ستكون أستراليا أكثر اندماجًا مع القوات الأمريكية والبريطانية. من الواضح أن هذا لم يكن هو الحال مع الاتفاقية السابقة، بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (حوالي 56 مليار يورو)، الموقعة مع الشركة الفرنسية لبناء ما يصل إلى 12 غواصة.
تقدم كوريا الجنوبية
حققت دولة أخرى في شرق آسيا تقدما عسكريا كبيرا: كوريا الجنوبية. في 15 سبتمبر، أطلقت سيول بنجاح صاروخًا باليستيًا من غواصة، لتصبح أول دولة في العالم لا تمتلك أسلحة نووية تطوّر مثل هذا الصاروخ بنجاح. والهدف الأساسي لكوريا الجنوبية هو بطبيعة الحال مواجهة الترسانة النووية التي بنتها منافستها كوريا الشمالية. لكن هذا الإطلاق الناجح سيسهم أيضًا في جهود دول المنطقة لتطوير أسلحة جديدة، وبذلك يساهم في سباق تسلح في المنطقة.
في اليوم نفسه ، أطلقت كوريا الشمالية عدة صواريخ باليستية متوسطة المدى، بعد عدة هجمات بالصواريخ الباليستية في السنوات الأخيرة، بعضها بعيد المدى. “هذه صدفة غير عادية حقًا، حيث لم نعد امام دولة واحدة، وانما أمام دولتين تطلقان صواريخ في اليوم نفسه ، لاحظ البروفيسور جون ديلوري من جامعة يونسي في سيول، هذا مثال رائع على حقيقة أن هناك سباق تسلح في هذه المنطقة يجب على الجميع الانتباه إليه».
إن الجهود العسكرية لكوريا الجنوبية لا تتوقف عند هذا الحد منذ أن قدّمت هذه الدولة في بداية أبريل النموذج الأولي لمقاتلتها الجديدة المصنعة بالكامل بتقنيتها الخاصة المعروفة باسم “الصقر”. وسبق للرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، أن أعلن إن أول طائرة من هذا الطراز من الجيل الأخير ستنطلق في الجو بحلول عام 2026. والهدف هو تزويد سلاح الجو الكوري الجنوبي بـ 40 كي إف -21 بحلول عام 2028، مع اعتماد كوريا الجنوبية على أسطول من 120 طائرة من هذا النوع بحلول عام 2032.
لا يجب استبعاد اليابان أيضًا. تمتلك طوكيو البحرية الأكثر تطوراً في مسرح المحيطين الهندي والهادئ، والتي تهيمن عليه البحرية العسكرية الصينية من حيث عدد المباني، ولكن بالتأكيد ليس من حيث التكنولوجيا. أضف إلى ذلك الأسطول الأمريكي السابع الذي يقوم برحلات بحرية في المنطقة، و11 حاملات طائرات نووية المتاحة للولايات المتحدة... للمقارنة مع ثلاث حاملات طائرات صينية تعمل بالديزل مما يجعلها مرئية لمئات الأميال البحرية.
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.
-- تمتلك طوكيو البحرية الأكثر تطوراً في مســرح المحيطين الهنــدي والهادى
-- منطقة تحوّلت من مركز ثقل للنمو الاقتصادي العالمي، إلى برميل بارود حقيقي
-- حققت دولة أخرى في شرق آسيا تقدما عسكريا كبيرا: كوريا الجنوبية
-- أصبحت أستراليا ثاني دولة تستفيد من التكنولوجيا النووية الأمريكية بعد المملكة المتحدة عام 1958
تنص المعاهدة الثلاثية بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على تسليم غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى كانبرا. مبادرة غير مسبوقة قد تجبر الحكومة الأسترالية على الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بما يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
بموجب الاتفاقية، التي تم الإعلان عنها في 15 سبتمبر، ستتلقى أستراليا ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة، وستتلقى مساعدة في التكنولوجيا الأمريكية الأكثر تقدمًا في مجال شديد الحساسية.
خطــــوة مثلت إهانـــة لفرنســـــا، التي شــــــهدت تبخّر عقـــد بقيمة 50 مليــــــار دولار (حوالي 35 مليـــار يـــــورو، في ذلك الوقت) والذي نص على تسليم اثنتي عشرة غواصة تقليدية.
ويتنزّل هذا التحوّل المذهل، في إطار اتفاقية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. تحوّل أسترالي لم يتأخّر في إثارة غضب الصين، التي رأت فيه رغبة مشتركة لمواجهتها في مسرح المحيطين الهندي والهادئ.
وهكذا أصبحت أستراليا ثاني دولة تستفيد من التكنولوجيا الأمريكية للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بعد المملكة المتحدة عام 1958. “لقد أصبح عالمنا أكثر تعقيدًا، خاصة في منطقتنا، منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أكد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ولمواجهة هذه التحديات، والمساهمة في الأمن والاستقرار، يجب أن ننتقل بشراكتنا الآن إلى مرحلة جديدة».
عند الإعلان عن الصفقة، لم يشر قادة الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة إلى الصين. لكن من الواضح أن هذه الدول الثلاث تتطلع إلى مواجهة القوة الصينية المتنامية، لا سيما تهديداتها المتصاعدة ضد تايوان، ووجود بكين المتزايد باستمرار في بحر الصين الجنوبي. خاصة أن الصينيين امتلكوا غواصات صواريخ نووية منذ سنوات. بالإضافة إلى ذلك، دخلت كوريا الجنوبية المشهد، حيث نجحت غواصة تعمل بالطاقة التقليدية في إطلاق صاروخ.
الهند مهتمة
بالغواصات الفرنسية؟
جزء آخر من سباق التسلح هذا هو الهند. هذا البلد، وهو عدو لدود للصين ولكن ليس بالضرورة حليفا راسخا للولايات المتحدة، يمكن أن يكون مهتمًا بهذه الغواصات الفرنسية العاملة بالديزل، ولم تعد تريدها كانبيرا.
في 21 سبتمبر، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عبر الهاتف. وأكد الرجلان “من جديد إرادتهما المشتركة للعمل بشكل مشترك في فضاء مفتوح وشامل بين المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك في إطار العلاقة الأوروبية الهندية والعمل الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفقًا لبيان صحفي صادر عن الإليزيه، وتهدف هذه المقاربة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وسيادة القانون، مع استبعاد أي شكل من أشكال الهيمنة».
لم يرد ذكر للمفاوضات بشأن إمكانية تسليم غواصات تعمل بالطاقة التقليدية، إلا أن باريس ونيودلهي تناقشان منذ فترة طويلة التعاون العسكري الثنائي الضروري، والهدف، مرة أخرى، هو مواجهة الصين. يذكر أن الهند اشترت 36 طائرة رافال بمبلغ يقدر بنحو 9.4 مليار دولار، ومن المتوقع تسليم آخر جهاز قبل نهاية عام 2024.
أخبار سيئة للانتشار
الحقيقة هي أننا نشهد منذ سنوات عسكرة منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن أبرز جوانبها الوجود العسكري الصيني المتزايد باستمرار في بحر الصين الجنوبي، الذي تبلغ مساحته 4 ملايين كلم مربّع تطالب بها بكين. وهكذا، فإن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي أصبحت الآن مركز الثقل للنمو الاقتصادي العالمي، هل ستصبح في نفس الوقت برميل بارود حقيقي حيث تتركز المصالح الجيواستراتيجية الصينية والأمريكية والأوروبية أكثر من أي وقت مضى؟
السؤال الكبير هو ما إذا كان تسليم الغواصات النووية الأمريكية سيجبر أستراليا على الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت عام 1968 ووقعها عدد كبير من الدول. معاهدة تهدف إلى الحد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية حول العالم، وتضمن احترامها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقرار واشنطن تصدير الخبرة النووية الأمريكية في دفع الغواصات إلى أستراليا، هو في الواقع أخبار سيئة من منظور الانتشار.
إن تحالف اوكوس الجديد (أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) لا يتحدث بالتأكيد عن الأسلحة النووية -الغواصات الأسترالية المستقبلية في الخدمة اعتبارًا من عام 2040 ستحمل صواريخ توماهوك التقليدية، كما تم الإعلان. إلا أن هذا البيع سيبعث للوجود في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، اللاعب السابع في العالم بغواصات هجومية من هذا النوع -توفر الغلايات النووية الموجودة على متنها قدرًا كبيرًا من ذاتية الحركة والسرية وامتداد وإسناد ضخم للسفن الحربية.
سؤال استراتيجي آخر: هل ستستخدم المفاعلات الأسترالية اليورانيوم عالي التخصيب، مثل مفاعلات البحرية الأمريكية، أو المفاعلات منخفضة التخصيب، مثل السفن الفرنسية أو الصينية؟
تطور أستراليا في مجال الأسلحة النووية
لقد تطور الموقف الرسمي لأستراليا بشأن الأسلحة النووية والردع إلى حد كبير منذ الخمسينات. ففي أوائل السبعينات، عززت كانبيرا طموحًا لامتلاك الردع النووي، في البداية من خلال نقل الأسلحة النووية التي يملكها حلفاؤها، ثم لفترة وجيزة، عن طريق التنمية الوطنية لقدرتها الذاتية المستقلة.
كان هذا الهدف يتغذى من عدم الاستقرار السياسي والعسكري في ذلك الوقت في جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى تزايد الشكوك حول التصميم الدائم للولايات المتحدة على الانخراط في الدفاع عن أستراليا، وخاصة من تطوير الصين لأسلحة نووية.
تتكون الترسانة النووية الصينية من 250 إلى 350 رأسًا نوويًا. وهذا أقل بكثير من الولايات المتحدة وروسيا، ولكن على مستوى فرنسا نفسه أو المملكة المتحدة، حسب تقدير الخبراء المطلعين على هذا الملف. وفجرت الصين أول قنبلة نووية من طراز 22 كيلوطن في 16 أكتوبر 1964 الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت بكين في موقع التجارب النووية لوب نور في شينجيانغ شمال غرب الصين. ثم أصبحت خامس قوة نووية في العالم.
لم يكن الأمر كذلك حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما دفنت حكومة حزب العمال برئاسة جوف ويتلام بشكل دائم طموح أستراليا في أن تصبح قوة نووية. لذلك صادقت الدولة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1973.
إذن، لماذا تخلت أستراليا عن الغواصات الفرنسية لصالح الغواصات النووية الأمريكية؟ التفسير الأول:
بهم، ستكون البلاد أكثر اندماجًا في المدار الأمريكي. من الناحية التكنولوجية والعسكرية، هذا يعني أنه إذا دخل الامريكان في صراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فسيكون من الصعب جدًا على الأستراليين عدم المشاركة بشكل مباشر وتقريبًا اوتوماتيكيا.
وأيضا، وخاصة، تمثل عنصرا إيجابيا من حيث الردع ضد الصين.
على مدى السنوات القليلة المقبلة، ستعزز الاتفاقية الجديدة القوة الرادعة لأستراليا ضد بكين، لأنه سيتعيّن على الاستراتيجيين والقادة الصينيين الآن، أن يأخذوا في الحسبان المخاطر المتزايدة، وسيكونون بلا شك أقل ميلًا لاتخاذ قرار الانخراط في أعمال عدائية، وستكون الرهانات عالية للغاية، واحتمالات النجاح ضعيفة جدا.
ستعمل الاتفاقية الجديدة أيضًا، على تحويل قدرات الدفاع الأسترالية، مما يسمح لها بنشر غواصاتها على مسافات أكبر بكثير. في الوقت نفسه ، ستكون أستراليا أكثر اندماجًا مع القوات الأمريكية والبريطانية. من الواضح أن هذا لم يكن هو الحال مع الاتفاقية السابقة، بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (حوالي 56 مليار يورو)، الموقعة مع الشركة الفرنسية لبناء ما يصل إلى 12 غواصة.
تقدم كوريا الجنوبية
حققت دولة أخرى في شرق آسيا تقدما عسكريا كبيرا: كوريا الجنوبية. في 15 سبتمبر، أطلقت سيول بنجاح صاروخًا باليستيًا من غواصة، لتصبح أول دولة في العالم لا تمتلك أسلحة نووية تطوّر مثل هذا الصاروخ بنجاح. والهدف الأساسي لكوريا الجنوبية هو بطبيعة الحال مواجهة الترسانة النووية التي بنتها منافستها كوريا الشمالية. لكن هذا الإطلاق الناجح سيسهم أيضًا في جهود دول المنطقة لتطوير أسلحة جديدة، وبذلك يساهم في سباق تسلح في المنطقة.
في اليوم نفسه ، أطلقت كوريا الشمالية عدة صواريخ باليستية متوسطة المدى، بعد عدة هجمات بالصواريخ الباليستية في السنوات الأخيرة، بعضها بعيد المدى. “هذه صدفة غير عادية حقًا، حيث لم نعد امام دولة واحدة، وانما أمام دولتين تطلقان صواريخ في اليوم نفسه ، لاحظ البروفيسور جون ديلوري من جامعة يونسي في سيول، هذا مثال رائع على حقيقة أن هناك سباق تسلح في هذه المنطقة يجب على الجميع الانتباه إليه».
إن الجهود العسكرية لكوريا الجنوبية لا تتوقف عند هذا الحد منذ أن قدّمت هذه الدولة في بداية أبريل النموذج الأولي لمقاتلتها الجديدة المصنعة بالكامل بتقنيتها الخاصة المعروفة باسم “الصقر”. وسبق للرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، أن أعلن إن أول طائرة من هذا الطراز من الجيل الأخير ستنطلق في الجو بحلول عام 2026. والهدف هو تزويد سلاح الجو الكوري الجنوبي بـ 40 كي إف -21 بحلول عام 2028، مع اعتماد كوريا الجنوبية على أسطول من 120 طائرة من هذا النوع بحلول عام 2032.
لا يجب استبعاد اليابان أيضًا. تمتلك طوكيو البحرية الأكثر تطوراً في مسرح المحيطين الهندي والهادئ، والتي تهيمن عليه البحرية العسكرية الصينية من حيث عدد المباني، ولكن بالتأكيد ليس من حيث التكنولوجيا. أضف إلى ذلك الأسطول الأمريكي السابع الذي يقوم برحلات بحرية في المنطقة، و11 حاملات طائرات نووية المتاحة للولايات المتحدة... للمقارنة مع ثلاث حاملات طائرات صينية تعمل بالديزل مما يجعلها مرئية لمئات الأميال البحرية.
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.