تتهمها واشنطن بتعزيز ترسانتها النووية:

هل يجب التوجّس من توسّع الجيش الصيني...؟

هل يجب التوجّس من توسّع الجيش الصيني...؟

-- تلتزم الصين بأطروحات صن تزو، جنرال يعتقد أن أسوأ طريقة لكسب الحرب هي خوضها
-- تمتلك الولايات المتحدة وروسيا 90 بالمائة من الرؤوس الحربية النووية على كوكب الأرض
-- الصين لن تهاجم، ولن تتسبب في حرب، سوف تنتظر، وهدفها ضرب معنويات الولايات المتحدة و «إنهاكها»
-- للولايات المتحدة 5550 رأسًا نوويًا، مقابل 350 للصين
-- يتم بناء مدمرة أو فرقاطة في الصين كل شهر، وغواصة هجومية نووية كل خمسة عشر شهرًا
-- تزداد ميزانية الدفاع الصينية بمعدل 8 بالمائة كل عام


   في الوقت الذي التزم فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمنع انتشار الأسلحة النووية، تواصل الصين سباق التسلح ضد الولايات المتحدة.
   يحظى كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، باهتمام دقيق من السلطات الصينية. شي جين بينغ، الأمين العام للحزب الشيوعي ورئيس جمهورية الصين، يشغل أيضًا منصب القائد العام لجيش التحرير الشعبي. هذا الجيش، الذي يضم أكثر من مليوني جندي نشط، هو أكبر جيش في العالم، حتى لو أدت سياسة التحديث إلى خفض هذا الرقم بمرور السنين. وتعود أهمية المجال العسكري -واسم جيش التحرير الشعبي ذاته -إلى زمن الحرب الأهلية الصينية (1927-1949)، قبل أن ينتصر هذا الجيش الماوي على الكومينتانغ عام 1949.
   طيلة عشر سنوات، قدم السوفيات مساعدتهم لتحديث هذا التشكيل العسكري وتأهيله، ثم بعد عام 1960 والخصومة بين بكين وموسكو، قررت الصين الحصول على أسلحة نووية. سيتم تطوير هذا تحت إشراف دنغ جياشيان، عالم فيزياء، عاد عام 1952، إلى الصين بعد دراسة الفيزياء في جامعة بوردو في إنديانا، الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي سان فرانسيسكو، طالبت الجمارك الأمريكية بالبحث في الوثائق التي كان يصطحبها معه، لكنها لم تجد سوى مجلات علمية، ولم تعثر على وثائق مصنفة أسرار دفاع. وبفضل دينغ جياشيان، أصبحت الصين عام 1964 خامس دولة تمتلك قوة نووية بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا.

قوة رادعة
   منذ ذلك الوقت، طبقت الصين عقيدة الردع. يجب أن يكون امتلاك سلاح نووي كافياً لتفادي استخدامه. وفي 3 يناير 2022، انضمت الصين دون صعوبة إلى الدول الأربع الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي التزمت بمنع انتشار الأسلحة النووية.
   وقد أعلنت هذه الدول معًا، أنه “لا يمكن الانتصار في حرب نووية ويجب عدم شنها مطلقًا”، واكدت أنها تريد “منع الانتشار” النووي، وعدم استخدام أسلحته “طالما كانت موجودة الا “لأغراض دفاعية، والردع، ومنع الحرب”. وقال ما تشاو تشو، نائب وزير الخارجية الصيني، إن البيان “يجسد الإرادة السياسية للدول الخمس لمنع الحرب النووية، ويعبّر عن صوت مشترك للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وتقليل الصراع النووي».
   ويأتي هذا البيان في وقت من المقرر عقد مؤتمر مراجعة جديدة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في الفترة من 24 إلى 28 يناير الجاري، ومع استئناف المفاوضات في فيينا في نوفمبر الماضي بشأن برنامج الأسلحة النووية الإيراني من اجل إعادة إطلاق الاتفاقية الدولية التي تم إبرامها عام 2015 قبل أن تتخلى عنها إدارة ترامب عام 2018.

   لكن في نفس الوقت، يخفي إجماع الدول الخمس في مجلس الأمن بعض الاختلافات بين الولايات المتحدة والصين. تتهم واشنطن بكين بتعزيز ترسانتها النووية باستمرار. وجاء رد بكين، على لسان فو كونغ، مدير جهاز الحد من التسلح بوزارة الخارجية الصينية، في 4 يناير: “نحافظ على قدراتنا النووية عند الحد الأدنى المطلوب لأمننا القومي”، مضيفًا أن الصين ستواصل “تحديث” أسلحتها النووية “من أجل قضايا الموثوقية والأمن”، قبل مهاجمة الترسانتين الأمريكية والروسية بالقول: “لا تزال الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان 90 بالمائة من الرؤوس الحربية النووية على كوكب الأرض، ويجب أن تخفّضا ترسانتهما النووية بطريقة ملزمة قانونًا ولا رجعة فيها».
   في مناسبات عديدة، طلبت واشنطن من بكين الانضمام إلى المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة وروسيا بشأن خفض أسلحتهما النووية. ولطالما رفضت بكين، مؤكدة أن ترسانتها بعيدة كل البعد عن أهمية ترسانة هذين البلدين. ووفق أرقام معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في يناير 2021، تملك الولايات المتحدة 5550 رأسًا نوويًا، مقابل 350 للصين.

جيش آخذ في التوسع
   ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالدفاع، فإن الخلافات الصينية الأمريكية لا تتعلق فقط بالقوة النووية. تطورت المعدات العسكرية للصين، ولا سيما معدات جيشها سواء قوتها الجوية أو قواتها البحرية، بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية. وتزداد ميزانية الدفاع الصينية بمعدل 8 بالمائة كل عام حيث كانت تعادل 174 مليار دولار عام 2019؛ ليتمّ الاعلان عن 270 مليار عام 2023. هذه الأرقام تحدّد كل عام في بكين، في شهر مارس، قبل الاجتماع السنوي للجمعية الوطنية. وهدف الصين هو أن تكون على المستوى الأمريكي عام 2049، عندما تحتفل البلاد بمرور 100 عام على تأسيس جمهورية الصين الشعبية. للمقارنة، بلغ الإنفاق العسكري الأمريكي عام 2020، 778 مليار دولار.

   في الوقت الحالي، تظل المعدات العسكرية الأمريكية أكثر حضورا وهيبة من تلك المتوفرة للجيش الصيني. لكن الصين تجهز نفسها بسرعة عالية، وتعطي الاسبقية والافضلية لأسطولها البحري العسكري. ففي غضون ثلاث سنوات فقط، بين 2015 و2018، أطلقت حمولة من القوارب تعادل الأسطول الحربي لفرنسا أو بريطانيا. ومنذ عام 2018، يتم بناء مدمرة أو فرقاطة في الصين كل شهر. كما دخلت الطرادات وخفر السواحل في الخدمة، وفي العام الماضي ظهرت حاملة طائرات هليكوبتر عملاقة زنتها 40 ألف طن -وهي الأولى من سلسلة معلنة. ومن الواضح أن بعض المواد لا تحظى بالأولوية بالنسبة للصين: فهي تمتلك حاملتي طائرات، بينما تمتلك الولايات المتحدة 19 حاملة.

   في المقابل، فإن جيش التحرير الشعبي يكاد يكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في عدد الغواصات: لديها سبعون (منها ستة عشر، غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية)، في حين أن البحرية الأمريكية لديها خمسة وسبعون، منها 54 غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية. وتنتج أحواض بناء السفن هولوداو في لياونينغ، شمال شرق الصين، غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية كل خمسة عشر شهرًا.
   للصين أيضا 2500 طائرة عسكرية، منها 2000 طائرة مقاتلة. وتمتلك الولايات المتحدة 13 ألف طائرة مقاتلة، منها المقاتلات الرهيبة إف 35 لايتنينغ ورابتور إف 22. من جانبها، طورت الصين مقاتلة، J-20، والمعروفة أيضًا باسم التنين العظيم، بالإضافة إلى قاذفة استراتيجية، H-6، يمكنها حمل صواريخ باليستية وحتى، وفقًا للصحافة الصينية، صواريخ أسرع من الصوت.

إنهاك الولايات المتحدة
   هذا الصعود في قوة الجيش الصيني، يقلق واشنطن بشدة. ولا يتوقع العديد من الخبراء الأمريكيين فقط أن الصين ستكون القوة الاقتصادية الاولى في العالم في غضون سنوات قليلة، ولكنهم يخشون أيضًا من أنها ستدخل في صراع عسكري مع الولايات المتحدة لتعزيز قوتها.
ويفتح غموض النظام السياسي القائم في بكين الطريق أمام جميع أنواع الفرضيات. إن العقد الذي تم إبرامه رسميًا في سبتمبر الماضي، على حساب فرنسا، والذي بموجبه تشتري أستراليا، وبريطانيا إلى جانبها، غواصات أمريكية، هو جزء راسخ من استراتيجية دفاعية ضد الصين.
وهذه الاتفاقية التي يطلق عليها اسم “أوكوس” تعتبر “غير مسؤولة على الإطلاق” بحسب بكين.

   ومع ذلك، لا شيء يشير إلى أن النظام الصيني، حتى بعد أن عزز بقوة تسلّحه، يعتزم الدخول في منطق الحرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة. في الصين، يدرّسون ويعرفون أطروحات صن تزو، هذا الجنرال من القرن السادس قبل الميلاد، مؤلف كتاب فن الحرب. ويعتقد هذا الاخير أن أسوأ طريقة لكسب الحرب هي خوضها، وأنه عليك دائمًا تهيئة الظروف لجعل خصمك يخسر دون الاضطرار إلى القتال.
   وبناءً على هذه المبادئ، كتب خوسيه غارسون، المستشار السابق للأمم المتحدة، وأستاذ الجغرافيا السياسية حاليًا، في نوفمبر 2021 في مجلة الدفاع الوطني: “الصين لن تهاجم، ولن تتسبب في حرب، سوف تنتظر “...”إنها تحتاج فقط إلى إنتاج عدد كافٍ من السفن الحربية، ليس للفوز بمواجهة عسكرية ولكن لمزيد إضعاف معنويات الولايات المتحدة في كل مرة -وهذا يعني، “إنهاكها” في سباقهما اللانهائي سعيا وراء تفوق عسكري حاسم.

   وحسب خوسيه غارسون، “لا يمنع هذا الرفض للمواجهة العالمية، بالنسبة للصين، من تحريك بيادقها “...” بعيدًا عن نطاق رد فعل أمريكي”. في السنوات الأخيرة، ولتطوير الطرق البحرية، استولت السلطات الصينية على أرخبيل صغير غير مأهول في بحر الصين الجنوبي، سبراتلي وباراسيلز.
وتم بناء المباني والمطارات هناك لاستيعاب خمس قواعد جوية بحرية. وترفض بكين كل الحجج التاريخية التي يمكن أن تسمح للفلبين وفيتنام بالمطالبة بهذه الجزر.

التدخل الأجنبي
   من جهة أخرى، لا تتردد الصين في التدخل عندما ترى أنه من المفيد تعزيز سلطتها: في سبتمبر 2020، فرضت “قانون الأمن القومي” على هونغ كونغ والذي يجعل من الممكن قمع “التخريب والانفصال والإرهاب والتواطؤ مع القوات الأجنبية”. وقد أنهت مبادرة بكين هذه فعليًا الفترة الانتقالية المحددة عام 1997، والتي تنص على عودة هونغ كونغ إلى الصين عام 2047.
   ومن الواضح أن مسألة تايوان أكثر تعقيدًا. يعيش ما يقرب من أربعة وعشرين مليون نسمة في هذه الجزيرة الواقعة تمامًا خارج سلطة بكين، والتي تتمتع بدعم معلن من واشنطن. وتتجنب الحكومة التايوانية إعلان مسيرة نحو الاستقلال، بينما تشدد بكين لهجتها بإعلانها أن تايوان ستلحق يومًا ما بجمهورية الصين الشعبية. وقال شي جين بينغ مرارا، إن “إعادة توحيد” تايوان مع الصين “أمر لا مفر منه».

   ويبدو أن مثل هذه التهديدات تعكس النبرة التي يريد النظام الصيني في بكين تحديدها في علاقاته الدولية. كما أن تطوير قدرات جيش التحرير الشعبي بأسرع وقت ممكن، يُظهر للشعب الصيني أن الحكومة تعمل حتى لا تفاجئ بهجوم أمريكي محتمل. لكن ما وراء ذلك، ليس مؤكدا أن قادة بكين، بما في ذلك الرتب العليا في الجيش الصيني، يعتزمون شن هجوم. هل الامر يتعلق إذن بمسألة تعزيز وصول الصين إلى شبكاتها التجارية باتجاه المحيط الهادي؟ أم لإظهار أن الصين تحركها روح الغزو؟ لا شيء، في التقاليد الصينية، يدفع القوة الصينية للذهاب في هذا الاتجاه، بل إن نظريات صن تزو ستقودها إلى استعراض عضلاتها وتفادي التحرّك.