محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
على هامش سباق الإليزيه:
هل يعيش اليسار الفرنسي منعطفه الأمريكي...؟
-- إن العدد الحالي للمرشحين المصنفين على اليسار هو نتيجة عدم قدرة «الشركات الصغـرى والمتوســـطة» الســياسـية على التحـدث بصوت واحــد وواضـح للمواطنين
-- أدى اختفاء شارل ديغول، الذي كان قادرًا على حشد الأغلبية مخترقا حدود اليسار واليمين في السبعينيات من القرن الماضي، إلى تقليد النموذج الأمريكي
يعسر فهم الصعوبة التي تجدها الأحزاب التي تشكل اليسار الفرنسي في تسمية مرشح واحد. إن اختيار الزاوية الواسعة، وبشكل أكثر تحديدًا مقارنة طرائق الانتخابــات الفرنسية والأمريكية، يسمح بإظهــــار أن العقبات التي واجهتها آن هيدالغو تنبع على الأقل من أزمة الحزب الاشتراكي كتنظيم أكثر من ضعف القبول بمشروع حكومي فاتورته، هذه المرة، كلاسيكية جدًا.
وهذا يؤكد فرضية كان يمكن طرحها في اليوم التالي لفشل بينوا هامون عام 2017. لم يكن تجديد البرنامج من خلال إدخال المطالبة بدخل ثابت للجميع كافياً، لا لفرض هامون كمرشح وحيد لليسار، ولا لضمان نتيجة له أعلى بكثير من تلك التي تعد بها استطلاعات الرأي عام 2021 رئيسة بلدية باريس، أي نسبة 6 بالمائة.
المرشحان التقدميان، اللذان خرجا من صفوف الحكومات الاشتراكية، ونجحا في الحصول على ثقة جزء كبير من الناخبين التقليديين للحزب الاشتراكي، هما إيمانويل ماكرون وجان لوك ميلينشون.
ولئن كانت مضامين برنامجيهما تميّز بينهما، فإنهما يتقاسمان حقيقة التخلي عن الاعتماد على البناء التقليدي للجامعات والدوائر والشعب الحزبية ليفضلا عليها سيولة وخفة الحركات التي تلجأ إلى طريقة من الباب إلى الباب، وأشكال من التعبئة العفوية والتلقائية، والمشاركة المحلية، وكذلك أحدث منتجات التكنولوجيا الانتخابية.
تطور التنظيمات
التقدمية الفرنسية
مثل هذا التطور في نموذج الأعمال للمنظمات التقدمية الفرنسية، يذكّرنا بتحديث الحملات الأمريكية الذي أطلقه هوارد دين بقيادة الحزب الديمقراطي قبل انتخاب باراك أوباما. لا تتصور معاهد الاستطلاع فوز “فرنسا المتمردة”، التي تحصلت على 8 إلى 10 بالمائة من نوايا التصويت في نوفمبر 2021. في المقابل، إذا احتفظ رئيس الجمهورية الفرنسية عام 2022 بثقة عدد كافٍ من الناخبين الاشتراكيين، فقد يبدو المشهد السياسي الوطني أكثر شبهاً بمشهد الولايات المتحدة. ومن المحتمل بعد ذلك أن يهيمن على هذا المشهد التعارض بين القوة التقدمية الليبرالية التي ستخلف، وفقًا لأحد السيناريوهات التي وصفها برونو جانبار، الحزب الاشتراكي، وبين حزب جمهوري يواجه صعوبات في إقناع الأطراف الأكثر راديكالية في اليمين. ومع ذلك، المسرحية لم تنفّذ بعد، كما يتضح من تأثير ترشّح فاليري بيكريس على توزيع الأدوار.
إضفاء الطابع الشخصي
على السلطة
من الواضح أن فرنسا والولايات المتحدة دولتان تختلفان في ثقافاتهما. ومع ذلك، فإن استيعاب أوجه التقارب بينهما أمر مهم لفهم إكراهات الأداء السياسي والظرفية.
إن تأسيس هاتين الدولتين في لحظة ثورية في القرن الثامن عشر لا يلخّص في الواقع أوجه التشابه بينهما.
ومن بين هذه، مؤسسة رئاسة الجمهورية، التي تتميز بالانتخاب بالاقتراع العام، وتأثير حاسم على تنظيم الأحزاب السياسية رغم ان وجود هذه الاخيرة لا يقتصر على هذه الانتخابات وحدها وتتدخل أيضًا في إطار الهياكل البرلمانية الوطنية والإقليمية.
وقد كانت الوظيفة الرئاسية ثانوية في ظل الجمهورية الرابعة الفرنسية مثلها مثل العديد من المكونات الأمريكية بعد الثورة.
أدى تعزيزها إلى إضفاء الطابع الشخصي على السلطة في الوقت نفسه الذي حدث فيه استقطاب في المجال الحزبي الذي بات على التنظيمات السيطرة عليه لتحقيق النتيجة الانتخابية المطلوبة.
وهذه القدرة، هي التي يتم اختبارها اليوم في فرنسا. في الولايات المتحدة، يعرف الحزبان الديمقراطي والجمهوري انقسامات مهمة، لكن هذه الانقسامات لا تشكك في وجودهما.
في فرنسا، أدى اختفاء شارل ديغول، الـذي كان قادرًا على حشد الأغلبيــــــة متجــــــــاوزا حدود اليســــار واليمين في الســـــــبعينات من القرن الماضــــي، إلى تقليــد النموذج الأمريكي للتنظيم والبناء، في ضـــــــوء الســــــباق الرئـاسي، تحالفان اثنان يجنحان للأغلبية، تهيمن عليهما شخصية كاريزمية.
ظهور الأحزاب الرئاسية
إن إنشاء برنامج مشترك بين ثلاث تشكيلات، وكذلك تطور التركيبة الاجتماعية للأجراء على حساب الحركة العمالية الشيوعية، عام 1972، ســــــمح بانتخاب فرانسوا ميتران عام 1981، وثبّت – على الأقل حتى عام 2002، إن لم يكن عام 2012 -الحزب الاشــتراكي في دور “الحزب الرئاسي” اليساري. بالتوازي، أدى تأكيد الحركة النيوغولية التي تهيمن عليهــــــا شــــخصية جاك شيراك على الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية، المستوحى من الديمقراطية المسيحية لفاليري جيسكار ديستان، إلى اتحاد عدد كافٍ من الناخبين اليمينيين لتشـــــــكيل حــــــزب رئاسي كبير آخر.
وقد أظهر هذا الأخير قدرته على التغلب على هزائم 1981 و1988 قبل أن يفوز بسلسلة من الانتصارات بين 1995 و2012. ولا يزال حتى اليوم تحت اسم “الجمهوريون” داخل منافسة ضد التجمع الوطني حزب مارين لوبان، أو حتى مبادرة إريك زمور.
وعلى عكس الحالة الأمريكية، فإن وجود مجموعتين قادرتين على التجميع، كل واحدة باسمها الخاص، ما يزيد أو يقل من نصف الناخبين لم يرافقه في فرنسا اختفاء تنظيمات منافسة. في الولايات المتحدة، وضعية الرجل الثالث نادرة، تبناها مؤخرا دونالد ترامب، وأسفرت عن تتويج الحزب الجمهوري لرجل الأعمال الشهير.
انقلاب الممارسات الانتخابية
يجد الاختلاف بين فرنسا والولايات المتحدة تفسيرات مختلفة تكمّل بعضها البعض. وتشكل المسألة المالية العنصر الأول: فانتخاب على نطاق قارة يفترض موارد كبيرة، وبالتالي تركيز هذه الموارد في خدمة عدد صغير من المشاركين في المنافسة.
الاستخدامات المؤسسية مسالة أخرى، حيث يساهم التقليد الأمريكي المتمثل في الانتخابات التمهيدية التي يوافق المرشحون على الخضوع لها في الحد من عدد الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الرئاسية، وفي نفس الوقت تضمن التعبير وقياس الاختلافات. إنها أيضًا فرصة لاختبار موهبة الشخصيات التي يمكنها تقديم الخبرة كحكام ورؤساء دول.
وفي فرنسا، لا تكفي صعوبة تجذير الانتخابات التمهيدية في الممارسات الانتخابية والتعددية التاريخية لليسار لتفسير عدد المرشحين.
ان ضمان تسديد الدولة لتكاليف الحملة بمجرد تحقيق نتيجة الحد الأدنى، وهي منخفضة نسبيًا، يساهم في التفسير. وسيكون هذا هو الحال بلا شك طالما أن طريقة التمويل، المستوحاة من مقترحات الخبيرة الاقتصادية جوليا كاجي، لا تحمّل دافعي الضرائب مسؤولية توزيع الموارد المالية بين المرشحين قبل الانتخابات.
ولكن الأهم من ذلك، أن العدد الحالي للمرشحين الفرنسيين المصنفين عمومًا على أنهم يساريون ناتج عن عدم قدرة “المؤسسات الصغرى ومتوسطة الحجم” السياسية، التي رغم اشتراكها في حساسية اجتماعية وبيئية، على جمع ومخاطبة المواطنين بصوت واحد ومفهوم.
هذا الضعف في روح عمل اليسار يقطع مع ماض شهد بناء، في القرن التاسع عشر، من قبل “الاشتراكية الديمقراطية” الموحدة، لمنظمات دولية وضعت الأحزاب العمّالية في شبكة.
*باحث في العلوم السياسية بجامعة بروكسل الحرة
-- أدى اختفاء شارل ديغول، الذي كان قادرًا على حشد الأغلبية مخترقا حدود اليسار واليمين في السبعينيات من القرن الماضي، إلى تقليد النموذج الأمريكي
يعسر فهم الصعوبة التي تجدها الأحزاب التي تشكل اليسار الفرنسي في تسمية مرشح واحد. إن اختيار الزاوية الواسعة، وبشكل أكثر تحديدًا مقارنة طرائق الانتخابــات الفرنسية والأمريكية، يسمح بإظهــــار أن العقبات التي واجهتها آن هيدالغو تنبع على الأقل من أزمة الحزب الاشتراكي كتنظيم أكثر من ضعف القبول بمشروع حكومي فاتورته، هذه المرة، كلاسيكية جدًا.
وهذا يؤكد فرضية كان يمكن طرحها في اليوم التالي لفشل بينوا هامون عام 2017. لم يكن تجديد البرنامج من خلال إدخال المطالبة بدخل ثابت للجميع كافياً، لا لفرض هامون كمرشح وحيد لليسار، ولا لضمان نتيجة له أعلى بكثير من تلك التي تعد بها استطلاعات الرأي عام 2021 رئيسة بلدية باريس، أي نسبة 6 بالمائة.
المرشحان التقدميان، اللذان خرجا من صفوف الحكومات الاشتراكية، ونجحا في الحصول على ثقة جزء كبير من الناخبين التقليديين للحزب الاشتراكي، هما إيمانويل ماكرون وجان لوك ميلينشون.
ولئن كانت مضامين برنامجيهما تميّز بينهما، فإنهما يتقاسمان حقيقة التخلي عن الاعتماد على البناء التقليدي للجامعات والدوائر والشعب الحزبية ليفضلا عليها سيولة وخفة الحركات التي تلجأ إلى طريقة من الباب إلى الباب، وأشكال من التعبئة العفوية والتلقائية، والمشاركة المحلية، وكذلك أحدث منتجات التكنولوجيا الانتخابية.
تطور التنظيمات
التقدمية الفرنسية
مثل هذا التطور في نموذج الأعمال للمنظمات التقدمية الفرنسية، يذكّرنا بتحديث الحملات الأمريكية الذي أطلقه هوارد دين بقيادة الحزب الديمقراطي قبل انتخاب باراك أوباما. لا تتصور معاهد الاستطلاع فوز “فرنسا المتمردة”، التي تحصلت على 8 إلى 10 بالمائة من نوايا التصويت في نوفمبر 2021. في المقابل، إذا احتفظ رئيس الجمهورية الفرنسية عام 2022 بثقة عدد كافٍ من الناخبين الاشتراكيين، فقد يبدو المشهد السياسي الوطني أكثر شبهاً بمشهد الولايات المتحدة. ومن المحتمل بعد ذلك أن يهيمن على هذا المشهد التعارض بين القوة التقدمية الليبرالية التي ستخلف، وفقًا لأحد السيناريوهات التي وصفها برونو جانبار، الحزب الاشتراكي، وبين حزب جمهوري يواجه صعوبات في إقناع الأطراف الأكثر راديكالية في اليمين. ومع ذلك، المسرحية لم تنفّذ بعد، كما يتضح من تأثير ترشّح فاليري بيكريس على توزيع الأدوار.
إضفاء الطابع الشخصي
على السلطة
من الواضح أن فرنسا والولايات المتحدة دولتان تختلفان في ثقافاتهما. ومع ذلك، فإن استيعاب أوجه التقارب بينهما أمر مهم لفهم إكراهات الأداء السياسي والظرفية.
إن تأسيس هاتين الدولتين في لحظة ثورية في القرن الثامن عشر لا يلخّص في الواقع أوجه التشابه بينهما.
ومن بين هذه، مؤسسة رئاسة الجمهورية، التي تتميز بالانتخاب بالاقتراع العام، وتأثير حاسم على تنظيم الأحزاب السياسية رغم ان وجود هذه الاخيرة لا يقتصر على هذه الانتخابات وحدها وتتدخل أيضًا في إطار الهياكل البرلمانية الوطنية والإقليمية.
وقد كانت الوظيفة الرئاسية ثانوية في ظل الجمهورية الرابعة الفرنسية مثلها مثل العديد من المكونات الأمريكية بعد الثورة.
أدى تعزيزها إلى إضفاء الطابع الشخصي على السلطة في الوقت نفسه الذي حدث فيه استقطاب في المجال الحزبي الذي بات على التنظيمات السيطرة عليه لتحقيق النتيجة الانتخابية المطلوبة.
وهذه القدرة، هي التي يتم اختبارها اليوم في فرنسا. في الولايات المتحدة، يعرف الحزبان الديمقراطي والجمهوري انقسامات مهمة، لكن هذه الانقسامات لا تشكك في وجودهما.
في فرنسا، أدى اختفاء شارل ديغول، الـذي كان قادرًا على حشد الأغلبيــــــة متجــــــــاوزا حدود اليســــار واليمين في الســـــــبعينات من القرن الماضــــي، إلى تقليــد النموذج الأمريكي للتنظيم والبناء، في ضـــــــوء الســــــباق الرئـاسي، تحالفان اثنان يجنحان للأغلبية، تهيمن عليهما شخصية كاريزمية.
ظهور الأحزاب الرئاسية
إن إنشاء برنامج مشترك بين ثلاث تشكيلات، وكذلك تطور التركيبة الاجتماعية للأجراء على حساب الحركة العمالية الشيوعية، عام 1972، ســــــمح بانتخاب فرانسوا ميتران عام 1981، وثبّت – على الأقل حتى عام 2002، إن لم يكن عام 2012 -الحزب الاشــتراكي في دور “الحزب الرئاسي” اليساري. بالتوازي، أدى تأكيد الحركة النيوغولية التي تهيمن عليهــــــا شــــخصية جاك شيراك على الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية، المستوحى من الديمقراطية المسيحية لفاليري جيسكار ديستان، إلى اتحاد عدد كافٍ من الناخبين اليمينيين لتشـــــــكيل حــــــزب رئاسي كبير آخر.
وقد أظهر هذا الأخير قدرته على التغلب على هزائم 1981 و1988 قبل أن يفوز بسلسلة من الانتصارات بين 1995 و2012. ولا يزال حتى اليوم تحت اسم “الجمهوريون” داخل منافسة ضد التجمع الوطني حزب مارين لوبان، أو حتى مبادرة إريك زمور.
وعلى عكس الحالة الأمريكية، فإن وجود مجموعتين قادرتين على التجميع، كل واحدة باسمها الخاص، ما يزيد أو يقل من نصف الناخبين لم يرافقه في فرنسا اختفاء تنظيمات منافسة. في الولايات المتحدة، وضعية الرجل الثالث نادرة، تبناها مؤخرا دونالد ترامب، وأسفرت عن تتويج الحزب الجمهوري لرجل الأعمال الشهير.
انقلاب الممارسات الانتخابية
يجد الاختلاف بين فرنسا والولايات المتحدة تفسيرات مختلفة تكمّل بعضها البعض. وتشكل المسألة المالية العنصر الأول: فانتخاب على نطاق قارة يفترض موارد كبيرة، وبالتالي تركيز هذه الموارد في خدمة عدد صغير من المشاركين في المنافسة.
الاستخدامات المؤسسية مسالة أخرى، حيث يساهم التقليد الأمريكي المتمثل في الانتخابات التمهيدية التي يوافق المرشحون على الخضوع لها في الحد من عدد الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الرئاسية، وفي نفس الوقت تضمن التعبير وقياس الاختلافات. إنها أيضًا فرصة لاختبار موهبة الشخصيات التي يمكنها تقديم الخبرة كحكام ورؤساء دول.
وفي فرنسا، لا تكفي صعوبة تجذير الانتخابات التمهيدية في الممارسات الانتخابية والتعددية التاريخية لليسار لتفسير عدد المرشحين.
ان ضمان تسديد الدولة لتكاليف الحملة بمجرد تحقيق نتيجة الحد الأدنى، وهي منخفضة نسبيًا، يساهم في التفسير. وسيكون هذا هو الحال بلا شك طالما أن طريقة التمويل، المستوحاة من مقترحات الخبيرة الاقتصادية جوليا كاجي، لا تحمّل دافعي الضرائب مسؤولية توزيع الموارد المالية بين المرشحين قبل الانتخابات.
ولكن الأهم من ذلك، أن العدد الحالي للمرشحين الفرنسيين المصنفين عمومًا على أنهم يساريون ناتج عن عدم قدرة “المؤسسات الصغرى ومتوسطة الحجم” السياسية، التي رغم اشتراكها في حساسية اجتماعية وبيئية، على جمع ومخاطبة المواطنين بصوت واحد ومفهوم.
هذا الضعف في روح عمل اليسار يقطع مع ماض شهد بناء، في القرن التاسع عشر، من قبل “الاشتراكية الديمقراطية” الموحدة، لمنظمات دولية وضعت الأحزاب العمّالية في شبكة.
*باحث في العلوم السياسية بجامعة بروكسل الحرة