رئيس الدولة ونائباه يهنئون ملك البحرين بذكرى اليوم الوطني لبلاده
تحذير من دفع ثمن التقاعس عن مواجهتها
هل ينجو الشرق الأوسط من كوارث بيئية مقبلة؟
سلطت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية الضوء على التحديات المناخية التي ستواجه منطقة الشرق الأوسط في السنوات المقبلة، معتبرة أن ثمن التقاعس عن مواجهتها سيكون أكثر كلفة من إصلاحات التكيف.
ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر عرضة لمشاكل الأمطار. فهي تعتمد في أكثر من نصف احتياجاتها من مصادر المياه المتجددة، أي الأنهار، على مصادر من خارج حدودها.وأكدت المجلة أن الشرق الأوسط يعاني مشكلة مناخية حادة، حيث أشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى ارتفاع متوسط الحرارة في المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية منذ 1990، وهو أكثر من ضعف المتوسط العالمي، وأن دول الشرق الأوسط ووسط آسيا عرضة لارتفاع أكبر في درجات الحرارة.
وتقترن موجات الحرارة بتداعيات اقتصادية واجتماعية في الشرق الأوسط. ففي 2019، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر من “الفصل العنصري المناخي”، في إشارة إلى موجات الحرارة طويلة الأمد التي تهدد ما تحقق من تطور وتنمية وانجازات في الصحة العالمية والحد من الفقر في السنوات الخمسين الماضية.
وأكدت المجلة أن هذا الواقع الجديد سيخلف تداعيات كبرى خاصة في الشرق الأوسط، الذي يكافح بالفعل لمعالجة نقص الكهرباء، والتفاوت الاقتصادي، والأضرار البشرية بسبب موجات الحرارة طويلة الأمد، والتي تكثفت في السنوات الماضية بشكل غير مألوف.
آثار اقتصادية واضحة
وأشارت إلى أن هذه التداعيات ستترك آثاراً اقتصادية واضحة، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه “حتى في ظل سيناريو معتدل للانبعاث، 4.5 من مستوى التمثيل المركز، والذي يحدد درجات الاحترار الحراري العالمي بـ2.3 درجة مئوية حتى نهاية القرن الجاري، أي في 2100، وكلفة الوفيات، يمكن أن يصل إلى معدل 1.6% من الناتج المحلي العام بين 2040 و 2059».
وسيكون الوضع قاتماً أكثر في الدول التي تعاني من حرارة مرتفعة. وقال صندوق النقد الدولي إن هذه الدول يمكن أن تشهد “تراجعاً في النمو الاقتصادي للفرد بحوالي نقطتين مئويتين” مقابل كل “زيادة في درجة الحرارة درجة واحدة مئوية».
نزاعات إقليمية على المياه
وسيزيد تراجع معدلات هطول الأمطار أزمة المياه في الشرق الأوسط، التي تعد من الأسوأ في العالم، بسبب التصحر وسنوات من سوء إدارة المصادر المائية، والدعم الزراعي، وتربية الحيوانات، والاستهلاك المكثف للمياه.
وقالت المجلة إن التكيف مع الطوارئ المناخية المقبلة سيزيد الأعباء على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تستخدم، في المتوسط، أربعة أضعاف مصادر المياه الصحية المتوفرة، وتضمّ 12 من 17 دولة تعاني نقصاً حاداً في المياه، حول العالم.
ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر عرضة لمشاكل الأمطار. فهي تعتمد في أكثر من نصف احتياجاتها من مصادر المياه المتجددة، أي الأنهار، على مصادر من خارج حدودها. ويحذر صندوق النقد الدولي من الاعتماد الخارجي، الذي “سيضخم النزاعات الإقليمية على المياه، ويزيد تدفق اللاجئين”، بعيداً عن الافتراضات أو النظريات.
وفي هذا الإطار، أشارت المجلة إلى التهديدات المصرية بوقف إثيوبيا عن المضي في مشروع السد العظيم لتوليد الطاقة الكهربائية على منبع النيل، والذي يزوّد مصر بـ97% من احتياجاتها المائية المتجددة.
كما زادت النزاعات المائية السياسية بين إسرائيل وفلسطين، وإيران، وأفغانستان، وسوريا، والعراق، وتركيا، والهند، وباكستان.
سلاح الحرب
واستخدمت الجهات الحكومية وغير الحكومية المياه وبناها التحتية سلاحاً في الحرب الأهلية السورية، وحرب العراق، وفي اليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، يزيد الجفاف والتصحر وارتفاع معدلات الحرارة، مخاطر اندلاع انتفاضات عنيفة وانتقامات، على غرار ما حصل في الدول العربية في 2010، والحرب الأهلية السورية في 2011، والاحتجاجات في إيران في 2021، علماً أن المياه لم تكن المحفز الرئيسي للاضطرابات والحرب، لكنها أصبحت وبشكل متزايد جزءاً من النزاع والتنافس في هذه المنطقة الجافة.
وأكدت المجلة أنه عند تحليل هذه التوجّهات إلى جانب النمو السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي من المتوقع أن يتضاعف بحلول 2050، يصعب التقليل من خطورة الموقف. إذ لا يستطيع 60% من سكان المنطقة الحصول على مياه صالحة للشرب.
وحسب تقرير لصندوق الطفولة العالمي، يعاني حوالي تسعة من عشرة أطفال من تداعيات صحية وسوء تغذية، لأنهم يعيشون في مناطق تعاني نقصاً حاداً في المياه.
موجات هجرة
ومن المرجح أن تنطلق موجات من المهاجرين واللاجئين من المنطقة، ما سيؤثر على استقرارها وآفاقها الاقتصادية. وسيكون هذا واضحا بعد كوارث بيئية مثل الفيضانات، ومواسم الجفاف.
ووفق تقرير صندوق النقد الدولي، أدت الكوارث المناخية السنوية منذ 2000، إلى مقتل أكثر من 2600 شخص، وأثرت على 7 ملايين آخرين، وكلّفت ملياري دولار من الأضرار المباشرة، ما أدى لخفض النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط ووسط آسيا للفرد الواحد بين 1و2%.
وستؤدي زيادة معدلات الحرارة، وتقلب مواسم الأمطار، وارتفاع مستوى البحر، إلى تفاقم هذه الكوارث، وتكرارها بشكل منتظم.
وتشير التوقعات إلى أن مساحات شاسعة من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن تكون صالحة للسكن مع نهاية القرن الجاري.
رؤية واقعية للأزمة
واعتبرت المجلة أن مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر تقدم رؤية واقعية لمستقبل المنطقة. ويعيش فيها 5 ملايين نسمة، وتضمّ 40% من قدرات مصر الصناعية، وهي محاطة بالبحر من 3 جهات.
ونشرت وكالة أنباء أسوشييتد برس في 2019، أن مياه المد والجزر تهدد الأحياء الفقيرة فيها، وتعمل على تآكل سواحلها التي يرتادها السياح.
وقال المسؤولون المصريون إن مستويات البحر ترتفع حالياً بمعدل 3.2 متر كل عام، أي أسرع 52% عما كانت عليه قبل 2012، و77% في 1993.
وقالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة، إن البحار حول العالم قد ترتفع بمعدل ثلاث مرات في 2100. وإذا تحققت هذه التوقعات، فلن تعاني الإسكندرية وحدها، بل و60% من دلتا النيل أيضاً، حيث يعيش ربع سكان مصر، وستصبح مناطق غير صالحة للزراعة وغارقة في المياه المالحة، و20% منها مغطاة بالكامل بمياه البحر.
وأشارت وكالة رويترز إلى أن الفيضانات في دلتا النيل، والتي تُعرف بسلة الخبز في البلاد، يمكن أن تخفض إنتاج الأرز والقمح على التوالي بـ 11% و 15% بحلول 2050.
ولا يوجد الكثير مما تستطيع الحكومة المصرية فعله باستثناء البحث عن طرق لتخفيف المشكلة، وبناء عوازل لمنع ارتفاع مستوى البحار.
المشاريع المستدامة بيئياً
وفي الوقت الذي تعتبر فيه التحديات التي تواجه مصر استثنائية، إلا أن الظروف التي ستواجه القاهرة والحلول الواجب عليها تبنيها ليست كذلك.
ومن هنا، فإن على الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي الاستثمار وبقوة في استراتيجيات التخفيف والتكيف، لانقاذ الملايين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذين يعيشون في المناطق الساحلية تحت مستوى البحر، من أسوأ آثار للكوارث المناخية.
وتدرك الحكومة المصرية خطورة هذا الوضع. وفي 2020، أصبحت مصر أول دولة في الشرق الأوسط تصدر سندات سيادية خضراء، لتحفيز الاستثمار في المشاريع المستدامة بيئياً.
وختمت المجلة قائلة إنه يمكن للمبادرات الحكومية المماثلة، التي تحفز الاستثمارات المستدامة بيئياً، أن تكون نموذجاً وإشارة للدول الأخرى، والممولين من القطاع الخاص على حد سواء.
وفي الوقت الذي ستكون فيه إصلاحات التخفيف والتكيف مكلفة، إلا أن التحول يمكن تسويقه باعتباره فرصة اقتصادية للمنطقة، وربما تكون أفضل فرصة، لأن ثمن التقاعس سيكون أعلى.