حسابات مدروسة.. 3 أهداف استراتيجية لإعادة الانتشار الأمريكي في العراق

حسابات مدروسة.. 3 أهداف استراتيجية لإعادة الانتشار الأمريكي في العراق


أعلنت الولايات المتحدة عن قرار مفاجئ بسحب قواتها من قاعدتي عين الأسد وفيكتوريا في العراق، مع إعادة نشرها في أربيل بإقليم كردستان، وتتضمن هذه الخطوة 3 أهداف لواشنطن، تراعي توازنات الداخل العراقي والمنطقة وفق ما ذكر موقع  geopolitical monitor.
ويرى الموقع أن هذه الخطوة، التي قد تبدو على السطح انسحاباً، تُعد في الواقع إعادة تموضع تكتيكية تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة، مع تقليل المخاطر الأمنية والسياسية. وبحسب التقرير يبدو أن واشنطن درست حساباتها جيدا قبل الإقدام على هذه الخطوة، من حيث تحديد ما توفره من إمكانات رقابية على المنطقة، وخاصة سوريا وإيران. يأتي هذا التحول في سياق جيوسياسي معقد، حيث تسعى واشنطن لتحقيق توازن بين الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وتجنب التصعيد العسكري والتوترات السياسية.

أهداف إعادة التموضع
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أولها حماية قواتها من الهجمات المتكررة التي تشنها ميليشيات مدعومة من إيران على قاعدتي عين الأسد وفيكتوريا باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة.
 ولا تهدد هذه الهجمات سلامة القوات فحسب، بل تُكلف واشنطن سياسياً من خلال إثارة التوتر مع الحكومة العراقية، وبإعادة تمركز القوات في أربيل، تُقلل الولايات المتحدة من تعرضها لهذه المخاطر، حيث تُعتبر أربيل بيئة أكثر أماناً بفضل دعم حكومة إقليم كردستان. كما تهدف واشنطن، ثانياً، إلى حرمان إيران من تحقيق انتصارات دعائية، فالهجمات على القواعد الأمريكية في وسط وغرب العراق تُعزز رواية طهران حول «المقاومة» ضد الوجود الأمريكي، وبسحب قواتها من هذه المناطق الحساسة، تُقوض الولايات المتحدة هذا الخطاب مع الحفاظ على قدراتها العملياتية في مواقع أكثر أمانًا.

إدارة الضغوط السياسية 
في المقابل، يواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ضغوطاً متزايدة من البرلمان والشارع لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، ومن شأن إعادة التموضع الأمريكي أن تخفف هذه الضغوط من خلال منح بغداد «انتصاراً رمزياً» دون التخلي عن نفوذ واشنطن. أما في أربيل، فتُعتبر القوات الأمريكية حليفة لإقليم كردستان، مما يتيح لواشنطن مواصلة عملياتها دون إثارة غضب الحكومة المركزية في بغداد، كما يُمكّن الموقع الجغرافي لأربيل مراقبة العراق وسوريا وإيران، مع الحفاظ على قدرات استخباراتية ولوجستية متقدمة.

لماذا الآن؟
تتعدد العوامل التي دفعت واشنطن إلى قرار إعادة الانتشار في هذا التوقيت، وفق موقع geopolitical monitor، فأولاً، تصاعد هجمات الميليشيات المدعومة من إيران، التي أظهرت قدرة متزايدة على استهداف القواعد الأمريكية، ورغم وجود أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل C-RAM وبطاريات باتريوت، فإن استمرار الهجمات يُبرز مخاطر الانتشار في مناطق متنازع عليها. ويضاف إلى ذلك، ثانياً، تراجع الشرعية المحلية للوجود الأمريكي في العراق، حيث أصبح هدفاً للنقد من قبل الفصائل السياسية والاحتجاجات الشعبية، في المقابل توفر أربيل مزايا استراتيجية، منها الأمن العسكري بفضل دعم قوات البيشمركة، والغطاء السياسي من حكومة إقليم كردستان، إلى جانب موقعها الجغـــرافي المثالي لمراقبة المنطقة.
وعلى الرغم من أن إيران قد تصوّر هذه الخطوة كتراجع أمريكي، إلا أن الواقع يُظهر أن واشنطن تعيد تركيز قواتها في مواقع أكثر استدامة، إذ إن هذا التحرك يخفف التوتر مع بغداد، ويحافظ على الوصول إلى المجال الجوي العراقي وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كما يعزز الوجود في أربيل من ردع الهجمات التركية على الأكراد، حيث تُشير الولايات المتحدة إلى أن المنطقة الكردية تقع ضمن مصالحها الأمنية، وفقا للتقرير.

الآثار الجيوسياسية
يمتد تأثير إعادة التموضع إلى ما هو أبعد من العراق، فالانتشار في أربيل والدول المجاورة يمنح الولايات المتحدة إطاراً مرناً للتعامل مع الأزمات الإقليمية، سواء في صراع محتمل مع إيران أو تطورات في سوريا. على سبيل المثال، يمكن للقوات الأمريكية في هذه المواقع تقديم دعم استخباراتي أو لوجستي في حال تصعيد إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية. 
 ومن منظور طويل الأمد، يعكس هذا التحول استراتيجية واشنطن للحفاظ على نفوذها بتكلفة أقل، من خلال وجود عسكري أخف وأكثر مرونة، مما يعزز استدامتها في الشرق الأوسط.