رئيس الدولة يقدم واجب العزاء في وفـاة محمـد مبـارك المنصـوري
سلاح حزب الله بين الضغوط والجدل اللبناني وترقب الرد
يعود ملف سلاح مليشيا «حزب الله» إلى صدارة المشهد اللبناني مجددًا، مدفوعًا بزخم دولي وأمريكي متزايد للضغط باتجاه حصر السلاح بيد الدولة، في مقابل تعهدات بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمناطق لبنانية حدودية. وبينما تُلوّح الحكومة اللبنانية بإمكانية التفاوض على صيغة «الاستراتيجية الدفاعية الوطنية»، تبدي قيادة الحزب حذرًا واضحًا، رافضة التخلي عمّا تسميه «عناصر القوة»، في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية على الجنوب. وفي ظل التصعيد، يتزايد الجدل في بيروت حول مصير السلاح الذي لطالما اعتُبر قضية سيادية داخلية شائكة ترتبط بتوازنات دقيقة محليًا وإقليميًا.
الورقة الأميركية: «خطوة مقابل خطوة»
محور التحرك الأخير يتمثل في ورقة أفكار حملها المبعوث الرئاسي الأميركي، توماس باراك، إلى لبنان، وتقترح آلية تدريجية تتضمن انسحابًا إسرائيليًا متدرجًا من التلال الجنوبية المحتلة، مقابل بدء نزع سلاح حزب الله تدريجيا من مناطق محددة، مع ربط العملية بملف الأسرى، والتفاوض على النقاط الحدودية العالقة. رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام أكد أنه ينتظر رد «حزب الله» على هذه المقترحات، بعد لقاء جمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري، في سياق مشاورات موسعة تشمل الرئاسات الثلاث، وسط مساعٍ حكومية لحصر السلاح بيد الدولة، كما جاء في البيان الوزاري. في خطاب لافت، بدا وكأنه رد ضمني على هذه التحركات، قال نائب الأمين العام لـ»حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، إن وقف إطلاق النار مع إسرائيل يمثل مرحلة جديدة عنوانها «مسؤولية الدولة»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الحزب لن يبقى صامتًا أمام الانتهاكات الإسرائيلية، وأنه «من غير المقبول التخلي عن عناصر القوة في ظل استمرار الاحتلال».
وفي مداخلة مع برنامج «التاسعة» على سكاي نيوز عربية، قال الكاتب والباحث السياسي اللبناني توفيق شومان إن «لبّ المسألة لا يتعلق فقط بوجود ورقة أميركية، بل بنقاش أوسع يدور حول معادلة الضمانات، وهو ما يمثل بيت القصيد في المفاوضات الحالية». وأشار شومان إلى أن «حزب الله يعلن التزامه بالدولة، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات: من يضمن وقف الاعتداءات؟ من يضمن انسحاب إسرائيل؟ ومن يضمن بدء إعادة الإعمار؟»، مضيفًا أن هذه الأسئلة الثلاثة وُجهت بصيغتها الحرفية من الرئاسات اللبنانية إلى الموفد الأميركي خلال زيارته الأخيرة لبيروت. وتابع: «هذه أسئلة رسمية لبنانية، ولا تزال من دون أجوبة واضحة من الجانب الأميركي، وهو ما يعرقل أي تقدم في الملف». شومان استعاد تجربة اتفاق «17 أيار-مايو 1983» بين لبنان وإسرائيل، والذي رعاه المبعوث الأميركي من أصول لبنانية، فيليب حبيب، قائلاً إن الاتفاق انهار سريعًا لأن الضمانات الأميركية لم تُفعل، ما سمح لإسرائيل بالاستمرار حتى عام 2000. وأضاف: «الظروف اليوم مشابهة، حتى الموفد الرئاسي الحالي (توماس باراك) هو أيضًا من أصول لبنانية. التجربة السابقة تُثير الريبة في جدية أي تعهدات مستقبلية».
أمام هذه المعضلات، يتردد في بيروت الحديث عن صيغة تسوية داخلية تُعرف بـ»الاستراتيجية الدفاعية»، وهي خطة يفترض أن تدمج سلاح الحزب ضمن منظومة الدولة. لكن شومان يرى أن هذه الصيغة لا يمكن أن تنطلق دون ضمانات حقيقية بشأن الانسحاب الإسرائيلي وتوفير مظلة حماية دولية للبنان.
خيارات الدولة
في ظل تمسك «حزب الله» بسلاحه، ورفضه التخلي عن «مقومات القوة»، تبدو الدولة اللبنانية في وضع دقيق. فمن جهة، تسعى إلى الحفاظ على التزاماتها الدولية وتأكيد حصرية السلاح بيدها؛ ومن جهة أخرى، تُحاصرها الضغوط الإسرائيلية والأميركية المتزايدة، في ظل غياب أفق واضح لأي سلام عادل وشامل.
وفي هذا الإطار، يقول شومان إن المسار الدبلوماسي ما زال هو الخيار الرسمي الوحيد، مستدركًا أن فشل هذا المسار «سيفتح الباب أمام استخدام وسائل أخرى، منها المقاومة المسلحة»، مشيرًا إلى أن «هذا الخيار يظل قانونيًا ووطنيًا في حال استمرت إسرائيل في احتلالها وخرقها للسيادة اللبنانية».