الاتجاه ليس جديدًا ولا مفاجئًا

لماذا هذا العدد من العسكريين داخل اليمين المتطرف...؟

لماذا هذا العدد من العسكريين داخل اليمين المتطرف...؟

-- تبرز صور العسكريين أو العسكريين السابقين بإصرار في أحدث حالات الإرهاب اليميني المتطرف
-- إن تجنيد المؤيدين القادرين على تعليم أو ممارسة القتال أمر واضح لهذه الحركات
-- الروابط بين اليمين المتطرف والجيش موجودة حتى في بداية القرن العشرين


   هم هنا، هم في كل مكان. يبرز بروفايل العسكريين أو العسكريين السابقين بإصرار في ملفات الخلايا الإرهابية أو نواة إرهابية يتم تفكيكها في السنوات الأخيرة من قبل قوات الأمن. الاتجاه ليس جديدًا ولا مفاجئًا، يذكّر المؤرخ واستاذ العلوم السياسية ستيفان فرانسوا. وعلى وجه الخصوص، يؤكد الاختصاصي في اليمين المتطرف، أنه بالنسبة للذين يطمحون إلى شن “حرب أهلية عنصرية”، أو الاستيلاء على السلطة بالقوة، فإن الحاجة إلى الارتباط بعناصر من القوات المسلحة أمر بديهي.

 وقبل أيام قليلة، كشفت صحيفة “لوموند”، أن رجلين، أحدهما عريف في فوج المشاة الخامس والثلاثين في بلفور، اعتقلهما ضباط الجمارك الذين اكتشفوا أثناء عملية تفتيش 130 قطعة سلاح، منها بنادق هجومية من طراز ايه ار-15، وأيه كيه-47، ومسدسات رشاش، وأسلحة أخرى، و200 كيلوغرام من الذخيرة المختلفة، والقنابل اليدوية، وحتى خمسة خراطيش عيار 20 ملم للمدافع الرشاشة للطائرات ... بالإضافة إلى “وثائق نموذجية للنازيين الجدد».

   بعد بضعة أيام، أمر قضاة مكافحة الإرهاب بإحالة أوريلين سي، الجندي السابق الذي تحول إلى أمني، إلى القضاء. ومن المقرر أن تجري محاكمته في الفترة من 26 إلى 28 يناير. ويشتبه في أنه “غذى تدريجياً مشروعا إجراميا و  أعطى  لنفسه الوسائل لتحقيق أهدافه”. ووفق معلوماتنا، تم ذكر هذا الرجل أيضًا في إجراءات حلّ حركة “جيل الهوية”، وسبق ان اعتقل في ديسمبر 2018 “بعد تعليقات تهديدية على فيسبوك”، كما تم اكتشاف مسدسين وملصقات جي آي في منزله.

   نفس الشيء في مايو 2020، ولكن هذه المرة من اجل “تكوين وفاق إجرامي بهدف ارتكاب عمل إرهابي”. وأثناء عملية البحث، وضع المحققون أيديهم على “رشاش وذخائره، وعبوات ناسفة، بالإضافة إلى قميص” جيل الهوية “.  وبحسب وزارة الداخلية، فإن من شأن ذلك “أن يثبت ديمومة ارتباطه بهذه الجمعية من شأنه ومخاطر مروره الى الفعل باسم قضية الهوية».
   في نهاية سبتمبر، تم تفكيك شبكة إرهابية أنشأها المتآمر (والمعجب بالرايخ الثالث) ريمي دايليت-فيدمان. وتمكن المحققون من التعرف على عشرات النشطاء، بينهم “العديد من رجال الشرطة والدرك والجنود النشطين”، بحسب صحيفة “لو باريسيان”، التي كشفت عن هذه المعلومات. وقالت جريدة “ليبراسيون” إن قادة الفرع العسكري للجماعة التي كانت تنوي الاستيلاء على السلطة بالقوة، هم ضابط سابق وضابط صف سابق في الجيش.

هذا النوع من البروفايل يتكرر في الإرهاب اليميني المتطرف
   ومع ذلك، في حالات أخرى، استهدفت الاعتقالات مجموعات لا علاقة لها بالجيش. تلك هي الحال مع ثلاثة مشتبه بهم من اتباع “الناجون” في منطقة سانت إتيان، وسبق تحديدهم على أنهم ينتمون إلى حركة اليمين المتطرف (وهو مصطلح للشرطة يطلق على الحركات الراديكالية العنيفة)، والذين جمعوا “ترسانة حرب حقيقية” وفقًا لـ قائد الفرقة الوظيفية إريك سيمون، نقلاً عن موقع فرانس انفو.

   العسكريون هم أيضا ضحايا لهذا الشكل من الأعمال العنيفة. وهكذا قُتل ثلاثة من رجال الدرك على يد فريديريك ليمول في ديسمبر 2020. وكان الرجل، الذي تم تقديمه عن طريق الخطأ في البداية على أنه أحد اتباع حركة “الناجون”، عنصريًا وتآمريًا وعنيفًا، وفقًا لزوجته السابقة.
وكان أيضًا كاثوليكيًا متطرفًا، وفقًا لما قاله المدعي العام في كليرمون فيران، وهو يميني راديكالي، ومسلح، يرى ان “الدولة الفرنسية حكومة غير شرعية” بالنسبة له، وقد فعل كل ما في وسعه ليصطحب معه أكبر عدد من أفراد الشرطة في موته.

   ورغم عدم تسليط الضوء على مشاريع أو أهداف محددة في كل هذه الحالات، إلا أن جميعها تشمل، بالإضافة إلى المكوّن العنيف، بُعدًا يمينيًا متطرفًا. وتم إثبات ذلك من خلال الوثائق والملصقات والعديد من الأشياء النازية الجديدة أو اليمينية المتطرفة التي عثر عليها أثناء عمليات التفتيش..
 بالإضافة إلى حقيقة أن بعض المشتبه بهم مسجلون في ملفات الامن. ويؤكد مصدر قضائي أيضًا التواجد المتكرر لهذا النوع من البروفايل بين المتورطين في قضايــا الإرهاب اليميني المتطرف.

«مكوّن مثير للفتنة
 داخل القوات المسلحة»
   ولئن بدا أنها تتكاثر، فإن القضايا التي تتعلق بمشتبه بهم سابقين، أو لا يزالون متمركزين في الجيش، ليست جديدة. “هذه الروابط بين اليمين المتطرف والجيش موجودة حتى في بداية القرن العشرين”، يوضح المؤرخ ستيفان فرانسوا، بسبب القيم المشتركة، على سبيل المثال عدم تعاطفهم مع الديمقراطية البرلمانية ورغبتهم في النظام، والوطنية، أو حتى القومية، بقدر ما بسبب التقاليد المتجذرة في العائلات الكاثوليكية التقليدية القديمة».
   أليس من التناقض أن يجد جنود منخرطون في خدمة الوطن أنفسهم متورطين في مشاريع عنيفة ضد النظام الجمهوري؟ “لا، بل هناك مكون مثير للفتنة داخل القوات المسلحة، يؤكد ستيفان فرانسوا، فإذا كانت القيادة نظامية وتدين بالولاء، فإن بعض الضباط وضباط الصف، هم في صلب التقاليد اليمينية المتطرفة ... حتى أن البعض يسيء للوطن، وهو يعتقد انه يخدم فرنسا “الحقيقية».

   إنها بالطبع “منظمة الجيش السري” سيئة الذكر، التي أنشأت في الأعوام 1961-1962 طابوراً خامساً شبه عسكري يعبّئ من الجندي البسيط إلى الجنرال المتقاعد. وقد أدى عمل هذه المجموعة السرية إلى مقتل أكثر من 2700 ضحية. لكن، يذكّر ستيفان فرانسوا، انّ الأخوين سيدوس أيضًا، وهما من المتعاونين مع النازية، يتنزلان في هذه الخانة، وجنّدا أفرادا من القوات المسلحة بعد الحرب، وكذلك “النظام الجديد” في الأعوام 1970-1980. وتدرب هؤلاء الفاشيون الجدد على إطلاق النار في الغابة، حيث كانت لديهم أيضًا مخابئ أسلحة.
   وفي الآونة الأخيرة، عام 2018، تم تفكيك شبكة “حركة القوات العملياتية” الإرهابية، التي أراد أعضاؤها تسميم الطعام الحلال، و “تفجير” النساء المحجبات أو قتل الأئمة. و”قرار اعتقال عشرة أعضاء” من هذه المجموعة المنظمة للغاية “اتخذ بعد أن اختبروا قنابل يدوية في الغابة”، كشف الباحث نيكولاس ليبورغ. ومستندا الى وثائق تحقيق أو وثائق سرية، يوضح هذا المتخصص، أن “حركة القوات العملياتية تجذب الانتباه من خلال بروفايل نشطائها: كبار السن، واغلبهم من رجال الشرطة أو الجيش السابقين».

   كانت الجماعة قد وجهت على وجه التحديد جزءً من دعايتها لمحاولة تجنيد عناصر أو عناصر سابقين في القوات المسلحة. حتى أنه تم تخصيص موقع للغرض بعنوان “حرب فرنسا”، وهو نسخة شفافة لأوهامهم عن حرب أهلية عنصرية كامنة يعتقدون أنها اندلعت فعلا على الأراضي الفرنسية.
   ان “تجنيد المؤيدين القادرين على تعليم أو ممارسة القتال أمر واضح لهذه الحركات”، يؤكد ستيفان فرانسوا، وهذا ليس من اختصاص الشبكات السرية فقط: “بين اتباع الهوية، يتم تأمين التدريب الرياضي القتالي من قبل عسكريين أو عسكريين سابقين».