آراء الكتاب

آراء الكتاب

مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع  بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل 
abdalmaqsud@hotmail.com

البيت سر النجاح 
 قال غواص عالمي من أحد الدول العربية: إن البيت هو سر النجاح وصمت، وكأنه يقول: البيت هو نقطة الانطلاق ومهد الاستقرار والداعم الأول لمسيرة التفوق، فلا يمكن لأحد تحقيق حلمه وهو يسكن الشارع، وليس لديه خزينة ملابس وهندمة نفسه ومراعاة استقرار نومة ودفء الجدران ووجود الستر، فإنسان بلا بيت كشخص تائه بين الدروب لا قوة لديه ولا طموح وتحقيق النجاح شبه مستحيل 
البيت رمز للاستقرار والدعم وترتيب الافكار، أما أن يأتي من بلاده ووطنه ليندس في غرفة بها ما يزيد عن عشرة أشخاص يرقدون على أسرة بدورين ومجموع البيت يزيد عن عشرين ولهم حمام واحد، ويطلب من أحدهم التفوق والتميز، كل تفكيره وأعلى طموحه أن يستيقظ قبل الجميع لقضاء حاجته وارتداء ملابسه دون أن يراه أحد، ويذهب إلى عمله متأملاً الأوضاء من حوله، فكيف يقف لبيع العطور في مراكز التسوق، أو ينجح في بيع عقارات بالملايين، الوجود في مثل هذه الأماكن يقلل من فرص التميز والانفراد في الأداء، لأن طول الوقت يشد التفكير إلى المكان الذي تعتاد العين على ألفة المنظر وروتين الحياة يجعله يصنع من موقفه أسلوباً للتعامل. 
الغواص كان يرمز للبيت بالاستقرار الذهني والمكاني، فالراحة النفسية تولد الإبداع وتحث على الابتكار والتفكير وتجعل الشخص مصدقا نفسه عند ممارسة عمله، مهم جداً وجود مكان يحتمي فيه الإنسان، فكلما زادت المفاتيح في حوزة الإنسان كلما كان مصدر النجاح وقوامه على الأبواب ومتوقعا، مفتاح باب العمارة والبيت والسيارة والمكتب وغيره، فكل مفتاح من المفاتيح يعتبر مرحلة نجاح وتميز لذلك يسعى الجميع لتحقيق الذات وعلامة التفوق تبدأ من البيت الذي يجد فيه الدعم المعنوي المحفز للتفوق والنجاح. 
خالد سالم

 أخلاقي لا تسمح 
  جملة (ديني وأخلاقي لا تسمح)، قالها اللاعب المصري محمد رشوان في مشهد لم ولن يُمحى من تاريخ الأولمبياد، حيث اختير كثاني أفضل مشهد للأخلاق الرياضية في العالم عام 1984 من مجلة "ليكيب" الفرنسية، وذلك عندما فاز محمد رشوان صاحب فضية أوليمبياد لوس انجلوس 1984 في الجودو والذي رفض هزيمة البطل الياباني ياماشيتا بطل العالم 4 مرات آنذاك، حيث كانت هناك فرصة تاريخية سانحة للفوز بالذهب الأولمبي نظراً لإصابة اللاعب الياباني في قدمه إصابة بالغة، وعدم اتزانه على البساط وكان واضحا للمتابعين أن رشوان قد حسم الذهبية، إلا أن رشوان كان له رأي آخر، فقد رفض هزيمة الياباني مستغلاً قدمه المصابة ورفض اللعب عليها واكتفى بالفضية في مشهد لم تنسه الصحف العالمية حتى الآن وخاصة اليابانية.
 فليس سهلا إطلاقا أن يكون أي رياضي مثل محمد رشوان، ويفوز بجائزة اللعب النظيف ويتم تكريمك من اليابان في مختلف المحافل العالمية، فاليابان لم تنسه، ليصبح أيقونة ورمزاً للروح الرياضية في اليابان، ولأن الروح الرياضية صارت قليلة جدا بين الرياضيين في الألعاب الفردية والجماعية، تجد موقف محمد رشوان مازال على السطح، فلو أن هناك العديد من المواقف الإنسانية والروح الرياضية منذ هذا التاريخ لنسي العالم موقف رشوان من زحام تلك المواقف، لكن سيظل في الذاكرة لأنه فريد من نوعه أن يتنازل لاعب عن الذهبية انتصاراً لأخلاقه ودينه وتربيته. 
نرى بعض المواقف المشجعة على الإنسانية من حين لآخر من بعض اللاعبين، كمهاجم في فريق كرة قدم ينفرد بالحارس ويعترضه مدافع يشعر بتصلب في العضلة ويقع على الأرض فيخرج المهاجم الكرة بعيداً احتراماً للمدافع الذي سقط على الأرض ولم يتمكن من أداء مهمته، وآخر يمسك الكرة في منطقة الجزاء بيده بعد أن تأكد من سقوط الحارس فجأة، ولاعب ترك الكرة وانتبه لحماية لاعب من الخصم قبل سقوطه على رأسه سقطة قد تودي بحياته. 
الرياضة في جوهرها منافسة شريفة بين فريقين قد تجمع بين اللاعبين صداقة خارج إطار الملعب، لكن للأسف الجمهور المشجع يحول اللعبة إلى عقيدة، واللاعبون إلى أشخاص فوق العادة مع أن الأمر بسيط، نداءات الجمهور وحماسهم لانتصار فرقهم ينسيهم الإنسانية والروح الرياضية وتعلو فكرة الفوز على اللعب النظيف، متناسين تماما معنى الأخلاق والرحمة والإنسانية. 
حمادة الجنايني

المحتوى بين الشهرة والنية 
 أصبحت في هذا الزمنٍ الكاميرا أقرب من القلب، والهاشتاق أعلى من الحكمة، صار من السهل أن يختلط "الظهور" بـ "القَبول"، وأن يُباع الإخلاص على أبواب التفاعل والمشاهدات، حيث أن الشهرة لا تعني القبول ، فكم من مشهور لا يُذكر في السماء، وكم من مغمور على الأرض هو محبوب عند الله، لربما تنشر مقطعًا مضحكًا، فيراه الملايين، لكنه لا يُضيف للناس إلا ضياع الوقت، وربما تقول كلمة صادقة في هدوء، فتصل لقلب فقير، وتُرفع لك عند الله درجات. 
خدعة التفاعل من أجل المشاهدات، قد يُفتعل الموقف، وتُقسَّم القصة على أجزاء، وتُستخدم العواطف كوسيلة تسويق والله ينظر إلى القلوب لا ينتظر منك مونتاجًا احترافيًا، بل نية نقية، لا ينتظر سيناريو محكمًا، بل قلبًا مخلصًا لا يبحث عن تصفيق الناس. 
 أسئلة قبل أن تنشر، هل هذا المحتوى يُرضي الله؟ هل نيتي أن أنفع الناس أم أُبهِرهم؟ هل سأكون راضيًا عن هذا المنشور لو كان آخر ما أنشره في حياتي؟ 
الناس تُصفّق لمن يضحكها، لكن الله يرضى عمّن يُخلِص له. والقلب حين يُكتب لله يصل دون وساطة، والخلاصة لمن يصنعون المحتوى، لمن ينشرون الرسائل، اجعلوا نيتكم لله لا بأس أن تشتهر، لكن لا تنس أن تكون صادقًا. لا بأس أن تفرح بالمشاهدات، لكن لا تنس أن تنفع بها الناس، وتبتغي بها وجه الله .
المهندس: سامي الفاضل أحمد 

التربية النفسية للطلاب  
في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية أصبحت التربية النفسية للطلاب ضرورة ملحة، فهذه التغيرات لا تؤثر فقط على البيئة المحيطة بل تمتد إلى عقول الطلاب ونفسياتهم ما يجعلهم أكثر عرضة للضغوط النفسية والانفعالات السلبية لذا أصبح دور المربين سواء كانوا معلمين أو أولياء أمور أساسيًا في تعزيز الصحة النفسية للطلاب ومساعدتهم على مواجهة تحديات العصر بثقة ومرونة. 
فتأثير التغيرات المجتمعية على نفسية الطلاب يكمن في عدة جوانب منها :   الضغوط الأكاديمية نتيجة ارتفاع التوقعات المجتمعية لتحقيق التفوق الدراسي يعاني الكثير من الطلاب من ضغوط نفسية تؤثر على أدائهم وسلامتهم النفسية. 
 العزلة الرقمية فالاعتماد المفرط على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى ضعف التواصل الاجتماعي الواقعي مما زاد من شعور الطلاب بالوحدة والاغتراب. 
 التغيرات الأسرية فنجد الكثير من تفكك بعض الأسر أو انشغال الأهل بالعمل أثر بشكل مباشر على استقرار الطلاب النفسي. 
 القضايا المجتمعية مثل التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية بالأسرة وغيرها والتي قد تسبب شعورًا بالقلق لدى الطلاب حول مستقبلهم. 
و مما لا شك فيه أن للتربية النفسية دوراً هاماً في مواجهة التحديات النفسية لدى الطلاب. 
فان التربية النفسية تهدف إلى تعزيز قدرة الطلاب على التعامل مع مشاعرهم وضغوطهم وتزويدهم بالمهارات التي تُساعدهم على التكيف مع التحولات المجتمعية ولتحقيق ذلك يمكن التركيز على تنمية الذكاء العاطفي، وذلك عن طريق تعليم الطلاب كيفية التعرف على مشاعرهم والتعبير عنها بشكل صحي و تدريبهم على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم. 
أيضا مهارات التكيف، حيث أن تدريب الطلاب على حل المشكلات بطريقة منهجية و تشجيعهم على التفكير الإيجابي ومواجهة التحديات بروح التفاؤل و الأمل يجعلهم أكثر ثقة، بالإضافة الاهتمام بالصحة النفسية داخل المدارس بما توفير جلسات دعم نفسي دورية للطلاب و دمج مواد تعليمية تحت عنوان الصحة النفسية ضمن المناهج الدراسية، وتعزيز بيئة داعمة في المنزل والمدرسة، لبناء علاقات إيجابية بين الطلاب والمعلمين تُشعرهم بالأمان والانتماء مع تشجيع الحوار المفتوح بين الطلاب وأولياء الأمور لتبادل الأفكار والمخاوف. 
و هنا نجد أن المعلمين وأولياء الأمور لهم دور رئيس و فعال، فالمعلمون عليهم أن يكونوا أكثر حذراً تجاه مشاعر الطلاب وأن يعملوا على توفير بيئة تعليمية آمنة تُشجع على التعبير والتواصل، و أولياء الأمور يُفترض أن يُخصصوا وقتًا كافيًا للاستماع إلى أبنائهم ويُعززوا الثقة بالنفس لديهم من خلال التشجيع المستمر والدعم العاطفي الدائم. 
فالتغيرات المجتمعية جزء لا يتجزأ من تطور العالم و لكن أثرها النفسي على الطلاب يستوجب اهتمامًا خاصًا و التربية النفسية ليست مجرد خيار بل هي واجب على الجميع لضمان تنشئة جيل قادر على مواجهة المستقبل بإيجابية وقوة لذلك يجب على المعلمين وأولياء الأمور التعاون لتوفير بيئة تعزز من توازن الطلاب النفسي مما ينعكس إيجابيًا على أدائهم وسعادتهم. 
دور إدارات المدارس في تنمية مهارات المعلم مهم لكي يتعامل بشكل صحي مع الطالب، فعليهم اختيار معلمين على وعي و دراية كافية بالتعامل مع الطالب بالإضافة إلى مهاراتهم الأكاديمية من خلال توفير ورش عمل أو برامج تدريبية و تنمية مهنية على يد المتخصصين، فضلاً عن الداعم النفسي للطالب من خلال تواجد اختصاصي نفسي و مستشار نفسي و تربوي داخل المدارس لدعم الطالب نفسياً و التعرف على مشكلاته و حلها. 
د. إيمان فؤاد : مستشارة الصحة النفسية والتربوية

عودة اليوتوبيا 
 إن المثالية الكاملة التي ننشدها أمرٌ مستحيل، ما في ذلك من شك، ولكننا مع ذلك يجب أن نسعى إليها طوال العمر، وبكل السُبُل المتاحة، وبالرغم من اليقين الثابت أن الإنسان لا يمكن أن يكون ملاكاً، إلا أن ضريبة الشر المتمكن والانحراف عن السبيل كانت ولا تزال فادحة، وكلنا تضررنا منها، فالأخلاق لا تكون فقط من أجل السمو الروحي والطهارة المعنوية، ولكنها ضرورة للحياة المادية، وأمر لابد منه للنجاح الدنيوي، فالأخلاق إذن ليست ترفاً. 
وكلمة يوتوبيا تعني في الأصل الجزيرة الفاضلة، وهي عنوان لرواية شهيرة كتبها الفيلسوف الإنجليزي "توماس مور" لتكون أكثر أعماله ذيوعاً وشهرةً، وبداية لسلسلة أعماله الجامعة بين الأدب والفكر والتي أراد منها أن تقدم صورة متكاملة لعالم مثالي، عالم تختفي منه المفاسد التي يَئِن منها البشر مع أنهم الذين جلبوها لأنفسهم باتباع الأهواء والنفور من الحكمة والسداد، عالم تتحقق فيه أحلام الإنسانية بالصفاء والسلام، والكفاية في الإنتاج مع العدالة في التوزيع. 
ولقد وضع "توماس مور" يوتوبيا في قالب روائي جذاب، حتى يقبل القراء على حلمه السعيد بالفردوس الأرضي، والجنة التي لطالما راودت خيال الإنسان منذ ما قبل التاريخ، وتناولها الفلاسفة والمفكرون، وقدموا لها صوراً مختلفة أخذت الطابع الديني أحياناً والفلسفي أحياناً أخرى، وفي الحقيقة فإن الفرق بين الدين والفلسفة ليس جوهرياً فكلاهما يهدف إلى إصلاح الإنسان وسعادته، واختلافهما في المنهج وليس في الغاية، ففي حين تعتمد الفلسفة على العقل، فإن الدين يقوم على الوحي، ولما كان العقل والوحي معاً كلاهما من الله جل شأنه، فإن الدين والفلسفة لا يختلفان ويمكن لهما أن يتعايشا معاً، وكثيراً ما وجدنا رجال دين فلاسفة، وفلاسفة متدينين. 
واليوتوبيا أو قصة المدينة الخيالية الفاضلة جاءتنا في أكثر من قالب وبأكثر من صياغة، فقد كتبها البعض بطريقة المحاورة، والبعض الآخر وضعها في قالب السرد، ومن أجمل اليوتوبيات وأشهرها محاورة "الجمهورية لأفلاطون" وفيها وضع آراءه السياسية التي لا تزال محل اهتمام إلى يومنا هذا، ونجد في الجمهورية لأفلاطون أنه يريد نموذج "الملك الفيلسوف" وهو أمرٌ صعب، فالفيلسوف غالباً لا يحكم، إلا أن التاريخ يثبت لنا وجود ملوك فلاسفة، ومنهم صديق أفلاطون الذي حكم مدينة "تارنتوم" بجنوب إيطاليا واسمه "أرخيتاس" وقد وجدت في كتاب "نثر الدر" للوزير الكاتب أبي سعد منصور بن الحسين الآبي المتوفى سنة ٤٢١هـ حكاية عن فيلسوف تولى الحكم بالفعل، فلعله "أرخيتاس" المذكور في سيرة أفلاطون، وقد سار في الحكم بالحكمة وسعدت رعيته به وأحبته لهم لأن الحكمة تاج الملوك، ومن الملوك الفلاسفة أيضاً الإمبراطور الروماني الزاهد "مرقس أوريليوس" وآراؤه في كتاب التأملات آراء في غاية الرشد والجمال وتقترب كثيراً من تعاليم الصوفية عند المسلمين. 
ومن أمثلة اليوتوبيات في تراثنا العربي كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة" للفيلسوف أبي نصر الفارابي، كما عرفت الفلسفة المسيحية مفهوم اليوتوبيا من خلال كتاب "مدينة الله" للقديس الحكيم "أوغسطين". 
وتتميز يوتوبيا "توماس مور" بالعرض القوي لما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي مع تقديم صورة أدبية لجزيرة مثالية قال إنه رآها في بعض رحلاته وتركت في نفسه أثراً قوياً، ونحن نعرف بالطبع أنه لم يرها ولكنها حيلة أدبية تقوم على التجسيد والتشويق والإيحاء بأن العالم الذي يصفه الكاتب موجودٌ بالفعل، وذلك من أجل تقديم مضمون فكري يستسيغه القارئ ولا يصاب منه بالملل. 
والقضايا التي تعالجها يوتوبيا مور هي قضايا إنسانية عامة لا تقف عند حدود زمان أو مكان معين، ولهذا بقيت اليوتوبيا حتى الآن ولازالت محل اهتمام رغم مرور خمسة قرون على كتابتها. 
إن يوتوبيا مور تعد وثيقة من وثائق الحركة الإنسانية، وهي مقدمة لعصر النهضة، وبالرغم من عدم تحقق اليوتوبيا إلا أن هذا الكتاب الخالد ساهم في إرساء معالم الحضارة الحديثة، ولاشك أننا في حاجة إلى المثالية رغم استحالة الوصول إلى الكمال، فالأخلاق ضرورة للحياة وبزوالها تزول الأمم عن يقين. 
حاتم السروي

 

علمتني قطة 
بالعادة أصلي كل الفروض في المساجد القريبة من موقع عملي إلا صلاة العشاء والفجر أصليهما في المسجد الملاصق لبيتي، ولكن اليوم شعرت بداخلي بنداء يجبرني أن أذهب لصلاة العشاء في مسجد يبعد عن بيتي أكثر من ٥٠٠ متر، كانت رغبة مع شيء ملح يدفعني دفعاً نحو هذا المسجد، عزمت النية وخرجت، و جهتي لهذا المكان لكي أؤدي الفرض فيه، لذا خرجت مبكرا لأسير بين البنايات والفلل لتقريب المسافة. 
ولما فرغت من أداء الفرض، لم أعد من المكان نفسه الذي أتيت منه بل أجبرني شيء بداخلي أن أعود من الطريق السريع الذي يربط بين مدينتين، وكان الأمر المباشر بناء على نقاش مرن بين اختيار العودة من نفس الطريق القصير، لكن نزلت لرغبة نداء القلب وغيرت مساري للطريق الطويل، وعندما وصلت للرصيف سمعت صوتا عالياً لم أعرف مكان مصدره، فالجو خال إلا من إطارات السيارات المسرعة على الطريق السريع، لم أحدد مكان الصوت، وعند انصرافي بدون اهتمام، ارتفع الصوت وكأنه نداء استغاثة من قطة، لكن تحديد مكانها في ظل اختلاط الأصوات يزعجني، وكلما حاولت الانصراف نادت بصوت عال وكأنها تراني. 
قطة صغيرة حديثة الولادة لا أعرف ما الذي أتى بها إلى هذا المكان الخطر، فتقف على رصيف ملاصق لجدار جسر بالطرف الآخر، انتظرت هدوء الطريق وذهبت إليها لتئن بصوت ضعيف جداً، يبدو عليها التعب والغجهاد في ظل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، عدت للطريق وهي بين يدي مستسلمة تماماً، لحسن الحظ كانت معي زجاجة مياه أخذتها من المسجد، جلست لأسقيها، انتظم تنفسها وهدأت بعد أن تناولت جرعة الماء، وضعتها على الأرض لأسير وأتركها لمصيرها خاصة وأنها أصبحت في أمان، لكنها تابعتني ولا تريد أن تبقى وحيدة، أخذتها أطعمتها وتركتها أمام إحدى الفلل لتواجه مصيرها بعد أن تناولت وجبتها. 
لم يمر علي الموقف مرور الكرام، فما شعرت به من دفع للذهاب لهذا المكان كان أقوى مني، لقد توجهت بدون إرادة ولا اختيار لأنقذ قطة ضعيفة ناجت ربها في بهيم الليل فاستجاب لها وجعلني جندياً لحمايتها بإذنه، مخلوق لو دهس تحت إطارات السيارات ما لام أحداً ربها، لكن كيف وهو صاحب الكون وموزع الأدوار على خلقه، علمتني هذه الحالة ألا أحزن أو أخاف، وزادتني إيماناً أن الله قادر على كل شيء، وكل شيء عنده بمقدار. 
محمد إبراهيم 

البيه البواب 
استوقفني وجود حارس جديد لأرض فضاء أمام البرج الذي أسكن فيه، وفي يوم سألته عن الحارس الذي سبقه فابتسم وقال : ربنا يوعدنا، أخذني الفضول وسألته بسخرية: أوجد كنزاً أم فاموس علاء الدين، ضحك الحارس وقال بالفعل وجد فانوس علاء الدين وعاد إلى بلده، زادني الفضول أكثر، وطلبت منه رواية قصته. 
مر عليه أحد المستثمرين وسأله عن قطعة الأرض الفضاء المجاورة التي يحرسها، فقال له حاضر سوف أبحث عن الملك، بادره المستثمر أن يجمع عنها معلومات أو الحصول على رقم هاتف المالك مباشرة بعيداً عن مكاتب العقارات، وأعطى له رقماً للتواصل وقبل أن ينصرف أخبره بأنه سيعطيه عمولة، وبالفعل تمر الأيام وفي خلال أسبوع تمكن الحارس من الوصول لهواتف المالك، واتصل مباشرة بالمستثمر وأعطاه التفاصيل، شكره وأغلق الهاتف ، وبعد فترة وجد عمالاً يزرعون قواعد جديدة وعليها لوحة باسم المالك الجديد، نفس المستثمر الذي وعده بعمولة، ومع ذلك اتصل به كثيرا ولم يرد عليه، يأس الحارس وأدرك أن الوعد كان عبارة عن حلم عاش فيه لفترة، وحزن الحارس لأنه توسم في المستثمر الخير من هيئته وأسلوبه وتواضعه وحسن مظهره، تجمعت فيه الخصال لكن لم يرد عليه مدة شهر وهو يتصل أسبوعياً ولم يتلقى أي رد. 
وفي يوم وهو ينظف المكان حول عمله ومكان إقامته، وجد المستثمر يقف أمام أرضه الجديدة وينزل من سيارته الفارهة، تردد في الذهاب إليه والحديث معه عن حلاوة الشراء، وهو بين التردد والشجاعة للقائه، وإذا بالمستثمر يقترب من الحارس ويلقي عليه التحية، ويبارك الحارس له عن شراء الأرض وأنه سعيد بالصفقة وأنها من نصيبه، ابتسم المستثمر وقال له: كنت وعدتك بالحلاوة، قال الحارس وهو يطأطئ رأسه للأسفل: فعلا، لكن تحت أمرك، بالفعل أخرج المستثمر من جيبه شيكاً وأعطاه للحارس بعد أن كتب اسمه بالكامل، فنظر الحارس للرقم ولم يصدق كان المبلغ كبير جداً جداً لدرجة أن الحارس كان يفرك عينيه ولم يصدق ولم يستطع أن ينطق فربت على كتفه مبتسماً وقال: هذا حقك. 
كان مبلغاً كبيراً أراد أن ينهي من خلاله الغربة ويعود إلى بلده ليستقر بها ويبدأ حياة جديدة مع مجتمعة بمشروع كان السفر هدفاً لتحقيقه، وجدت نفسي بتلقائية أقول: ربنا يعطينا كما أعطاه ويوفقه، بالفعل ليس الأمر بيدنا وإنما هناك دعم خارج الوعي والتخطيط قد يحدث فارقاً كبيراً في حياتنا. 
معاذ الطيب : مخرج سينمائي 

إدارة الموهبة 
يتعرض الكثير من الموهوبين للتهميش بسبب عدم احترافية إدارة موهبتهم، فالتعامل المباشر للموهوب مع الإنتاج في جميع المجالات شيء مرهق ومضيعة للوقت والجهد، ويظل الموهوب رهن تقييم الإنتاج، وهذا ما يؤثر بالسلب على مسيرة صاحب الموهبة في أي فرع من فروع الأدب والفن، أي ما كان عمل الموهوب كفنان تشكيلي لا يصح أن يعرض لوحاته للبيع على أصحاب المعارض الفنية والبازارات أو حتى في محلات الانتيكات المنتشرة في العالم، ولا أن يذهب الكاتب لدور النشر لتقييم روايته أو كتابه للتعاقد معه على الطباعة والتوزيع، ولا حتى ممثل أن يمر على مكاتب المخرجين والمنتجين للبحث عن عمل 
هنا تأتي فائدة إدارة الموهبة بالاستعانة بمتخصص في كل مجال من مجالات الأدب والفن للتسويق المناسب، فإدارة الأعمال أيضا فن يحترفه أشخاص معينين بهذا الدور وبارزين فيه جداً، فعلى سبيل المثال نسمع أن لكل فنان مدير أعمال ودور هذا المدير إدارة الشخص والاتفاق على ثمن عمله وتقديره، فغالباً ما يحجب الخجل والتفاوض على رقم لم يرضي الطرف الأصيل في عملية التفاوض، وربما قبل الموهوب الثمن خجلا من المفاوض، لكن في وجود مدير أعمال سيكون حائط صد للاستغلال، ثانيا يعفي الموهوب من الحرج فمن الممكن أن يهدي لوحته لشخصية كبيرة مثلا، وبهذا سيكون قد أضاع عمله وفي نفس الوقت قلل من شأن نفسه وقيمة عمله ، لأن المشتري إذا أحس أن الموهوب منحه العمل هدية سيظن أن اللوحة أو العمل لا يستحق التمسك به والتفريط فيه بدون مقابل 
في وجود مدير الأعمال تضح الصورة تماماً، ويعطي انطباع قوي للمشتري عن الموهوب، بأن له مدير أعمال يسوق له عمله بنفس قيمة تسويق شخصه وفرض سيطرته على أنه مشغول ويترفه عن المقابلات والاتفاقيات المالية، لهذه الأسباب ينجح أو يفشل الموهوب، ومن لم يعتمد على مدير أعمال سيتأخر كثيرا في تحقيق الأرباح من عمله، حتى المطرب له مدير أعمال يتفق له على أعماله وحفلاته، فبهذا يعزز من مكانته ودوره في الظهور ووضع هالة من النجومية حوله ما يسمح له بالتفاوض على ارقام قد لا يستحقها، لكن وجود هذه الدائرة حوله تجعل منه نجم يستحيل الوصول إليه، لدرجة أن ادعاء ازدحام جدول الأعمال مشغول يحمس المشتري على دفع أكثر لنيل شرف حضور الموهوب 
وفي هذه الأيام أيضا نرى التسويق والترويج أصاب الكثير من الموهوبين، ونراهم يستعينون بأكثر من حارس شخصي يرافقه في جميع زياراته وخروجه، وهذه وجهة اجتماعية انتشرت في الأونة الأخيرة كنوع من إدارة الموهبة، فالموهبة تحتاج إلى تلميع من خلال الحديث بمبالغة عن الفنان أو الأديب ليكون محط أنظار المجتمع وصناعة النجومية تبدأ من إدارة الموهبة والتسويق لها. 
محمد أسامة : كاتب