آراء الكتاب

آراء الكتاب

مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل 
abdalmaqsud@hotmail.com

من أجلها 
في لقاء عابر بين مقدمة برامج تليفزيونية وممثلة من الصف الأول، جاء رد عن سؤال يخص ابتعاد الفنانة عن العمل أكثر من عشر سنوات، بأنه مستعدة أن تعمل أي شئ من أجل تربية ابنتها وجعلها أفضل إنسانة في الوجود، وأن لديها القدرة على الشغل في البيوت خادمة تقوم بالواجبات المنزلية التي تريدها تماما بهدف تقديم كل المساعدة لبنتها ورفعتها.
ولما صدمت مقدمة البرنامج، استطردت الفنانة قائلة: إنها تجيد التنظيف والطبخ والغسيل والكوي وكل المطلوب، وأضافت إذا احتاجتني في أي وقت بلغيني، ازداد الأمر تعقيداً فلطفت الفنانة الأمر بأنها تتحدث بصدق دليل على أنها على استعداد أن تقوم بهذه الأعمال بدون تردد من أجل ابنتها، خاصة وأنها تربيتها بمفردها، والجميل أن الابنة مدركة لتعب وشفاء أمها التى قالت إن ابنتها حاضرها وماضيها وأبناءها مستقبلها، حالة حب وعشق وروح جميلة لمعنى الأمومة.
على النقيض من الطرف الآخر نجد من يسفه الأمومة ويجعل العمل أهم من البيت والأمومة، وأن الشهرة والمجد هما القوة والحياة أما الأمومة فتؤجل ومع مرور الوقت تكتشف الأنثى أنها أصبحت جذراً ناشفاً لا يقدر على إنبات الغصون، ويمر من تحت أقدامها معنى الأمومة وتضيع أجمل أيام عمرها في وهم كبير، الأمومة أعظم وظيفة وأصعبها في التاريخ، لقد ضربت هذه الممثلة نموذجا مغايرا لمفهوم الأمومة عند المشاهير، وجعلتنا ننظر إلى الأمر من وجهة نظر مغايرة، ونتأكد أن الأمومة شعور وغريزة لا يحس بها إلا من ترك نفسه مكتملة لهذا العشق. 
ما يدفعنا للوقوف جليا أمام هذه اللقاءات هو وجود أمهات تركن أبناءهن لمصير مجهول وبدون مبرر، فمهما كان هناك من مبررات فلا تقبل مع نزع الحنان ومعنى الأمومة من قلب الأم، هذه الغريزة التي توجد في كل الأمهات، حتى في العوالم الأخرى كالطير والبهائم، كلهم يدركون معنى الأمومة والدفاع عن الوليد بحكم الكون والطبيعة والغريزة، فما كان من الأمهات إلا أن تزيد شغف احتضان أولادها والخوف عليهم.
إذا كان كلام الفنانة بهذا الشكل ولديها استعداد للعمل في البيوت لتلبية احتياجات ابنتها ومتطلباتها، فالكثير من الأمهات يعملن بالفعل في هذه المهن من أجل أبنائها وربما تصرف على زوجها لعلة مقبولة كالمرض أو مانع العمل لأي سبب، الأمهات مجاهدات في تلبية السعادة لمن تعول، فما لفت نظري في اللقاء ربط الأمومة بالتنازل عن كل شئ من وجهة نظر المجتمع عمل دوني إلا أنها على استعداد بأن تمارسه من أجل تحقيق أحلام من تحب ومن أجل ابنتها الوحيدة.
خالد سالم


البعاد 
لو كان بعادك سنة 
لصبرت ع الحرمان 
وشربت دمعي وانا 
راضي وبعدك هان 
حبيت وحبي انا 
في القلب صار متهان 
حاسس بإني هنا
 تايه مليش عنوان 
والبعد عنك ضنا 
وانا عليل ولهان 
لو كان بإيدي هواك
 لجريت في كل مكان 
والحب ماله دوا
 الا بشوق لزمان 
والصبر فين الاقيه 
طول ما الفؤاد حيران
سامي سرحان: عضو اتحاد كتاب مصر

هزيمة بطعم النصر
شاهدت من فترة مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للاعب تنس يتلقى الهزيمة بعد مباراة قوية مع المنافس، وفقدان الصدارة التي ظل محتفظاً بها لعدة سنوات، بعد المباراة مباشرة وتجرعه كأس الخسارة، جلس على الكرسي ووضع رأسه بين كفيه يتحسر على عدم التوفيق، وهو في هذه الحالة والدموع متحجرة في عينيه والخجل يلازمه وقدماه تأبى الوقوف والمشي أمام الجمهور العريض، اندفع ابنه الصغير قاطعاً الملعب ليصل إلى اللاعب ويحضنه مما أثر في كل الجماهير. 
استمد اللاعب القوة وشحن كما تشحن البطاريات الفارغة، وهب الجمهور عن بكرة أبيه يصفق ويحيي اللاعب وابنه، جرعة من الحماسة ورسالة طمأنة من متابعي المباراة وكلمات من بين السطور: انهض فليست الخسارة نهاية الدنيا، ففي السابق انتصرت على غيرك وتجرعوا الهزيمة على يديك فقف لإعادة التخطيط والفوز مرة أخرى، حتى المنتصر تأثر ووقف يصفق هو الآخر لخصمه في الملعب، العيون انصبت على اللاعب وابنه والملعب تحول إلى ملحمة في الحب والمساندة والمواساة.
الهزيمة واردة والخسارة أمر قطعي، لكن أشد الهزائم وأصعبها هو الخذلان، أن تهزم ولا تجد من يواسي، أن نقع ولا نجد من يمسك بأيدينا، نترك لعيون تشمت وقلوب تحقد ونفوس تهلل لوقوعنا، بينما المساندة والمشاركة والدعم يحول الهزيمة لنصر، ويجعل المنتصر يقف يحيي المهزوم ويدعمه، فالدعم الجمعي الذي وجده اللاعب من الجمهور بدأ بأول شرارة حب صادق من قلب ابنه المحب، من شجاعة الطفل الذي قرر في جزء من الثانية أن يدعم والده ويشد من أزره ويعيده لمكانته، وكأن لسان حاله يقول: أنا فخور بك. 
في نفس الوقت نلاحظ سخرية أبناء من أبائهم، فمنهم من يرى فوز الأب وانتصاره هزيمة، يبادر الابن العاق دائما الوالد بالتقليل من الشأن، حتى ولو شاهده على منصة التتويج يبلل من شأن الجائزة وينفي الجهد والنجاح والتفوق، يتعالى في الحديث ويصبح نداً لوالده مجادلا معتقداً أنه أعلم وأكثر حرصاً وخبرة من أبيه، لا يهتم به ويسخر من أحلامه، تلك هي الخسارة الحقيقية، الهزيمة التي لا نصر بعدها، الطفل الصغير ضرب مثلاً مشرفاً لمعنى الابن البار وهو يحمل لواء النصر ليهديه لأبيه المنهزم.
حمادة الجنايني


بيت العنكبوت
يقال إن نسيج بيت العنكبوت هش وأقل شئ يدمره، حتى ولو نفس بسيط من تأثير لفحة هواء، لكن الغريب والمدهش أن خيط العنكبوت علميا قوي جدا إذا تم جدله، وأسلوب بنائه الهندسي قوي جدا ويعطيه القدرة على البقاء وتحمل الضغط وقابل للتصليح إذا تم إتلافه، وشكله العام جميل وهندسه البناء مبدعة وتحتاج لمهندس يعلم الأبعاد والحسابات الهندسية ودراسة مكان البناء واختيار الموقع المناسب الذي لا يتعرض للهواء أو الرياح، وتنظيم البناء في خطوط عريضة تتماس مع دوائر محسوبة وأبعاد متساوية، يجعلنا ننبهر بهذا العلم ودقة التنفيذ.
إذا الآية لا تصف البيت بالوهن من باب البناء، حيث أن الهندسة المعمارية دقيقة جدا ومحكمة، هذا ما يأخذنا إلى تفكر آخر ودراسة الحياة الاجتماعية للعنكبوت، نجد أن الآية خصت بأنثى العنكبوت وفي التراث يقال لها الأرملة السوداء، وهذا الوصف جاء بناء على استدراجها للذكر وتنفيذه لبناء بيت الزوجية بهدف الاستقرار وتربية الأبناء، لكنها عندما ينتهي من بناء البيت ويتم التزاوج تقتله بدم بارد وتتغذى عليه، وتقف في بيتها منفردة لا تأسف على فعلتها، ومع الوقت تبيض عددا كبيرا جدا من البيوض، تبدأ تأكل وتتغذى عليه، والباقي يفقس فيخرج عناكب قوية وأخرى ضعيفة فيأكل القوي الضعيف، وتتوالى دورة الحياة لتلك الحشرة.
بعد تحليل الضعف الخاص بالبيت من الناحية الهندسية، وجدنا أنه متين وقوي ويتحمل الضغط، ونكتشف أن الوهن المقصود هو التركيبة الاجتماعية هي المراد بها الوهن، فالبيت الذي كل أفراده يأكلون بعضهم البعض الآخر غالباً ما يكون وهن وهش ومن السهل اختراقه ودماره، وهذه النماذج لا تقتصر على العنكبوت، ففي بيوت البشر بيوت أكثر وهناً واتعس مكان، فمن الناس من يأكلون بعضهم ليس حرفيا بل المعنى الحرفي للموت، فالخيانة تسبب الموت النفسي وإن كان الجسد يتنفس، الكلمة القاسية ونكران الجميل يسهمان في قتل النفس وكسر القلب، نموذج بيت العنكبوت منتشر في حياة البشر إلا ما رحم ربي. 
هذه الأيام انقلبت القيم وتبدلت المبادئ وتغيرت مفاهيم شتى، فزاد التخلي عن التربية وعدم الاهتمام بالبر والحب والاطمئنان، كل ما تبقى من العلاقات الاجتماعية، الليكات والإعجاب والورود، والضحكات المكتوبة، وزيادة نسب الطلاق ساعد على تفكك الأسر وتحولها لبيوت عنكبوت، في وقت كانت البيوت مصدر الأمان والسكينة والمحبة، لكن مع التقدم وانتشار التكنولوجيا زاد البعد والنفور مما جعلنا نعيش كالعناكب إلا من حافظ على قوامه الاخلاقي وإيمانه المطلق بالمودة والرحمة.
إيمان الصقار: مهندسة ديكور

دراسة نقدية لقصة ابن تاجر المجوهرات 
تحمل القصص الشعبية في طياتها دروسًا إنسانية خالدة تتكرر بصور متعددة في حياة الناس. ومن بين هذه القصص المؤثرة، تبرز قصة “مراد”، ابن تاجر المجوهرات، التي تسلّط الضوء على تقلّبات الحياة، وزيف بعض العلاقات، وعمق الكرامة الإنسانية، في هذه الدراسة النقدية، نسلط الضوء على مجريات القصة، ثم نستعرض إيجابياتها الفنية والإنسانية، قبل تقديم تحليل أدبي لأربعة مواقف رئيسية شكّلت لبّ هذه الحكاية.
ملخص القصة : 
مراد يعيش في رغد وهناء مع والده تاجر المجوهرات المعروف، وكان سخيًّا على أصدقائه، يعيش بعزة وسعة، لكن بعد وفاة والده، تبدلت الأحوال وانتقل من الغنى إلى الفقر المدقع، وتخلّى عنه الجميع، حتى أقرب أصدقائه، وذات يوم، سمع عن صديقه القديم “سعد” الذي أصبح من أصحاب الأموال والقصور، فذهب إليه لعلّه يجد في قلبه وفاءً، لكن سعد، حين رأى مراد بهيئة رثة من خلف الستار، رفض أن يلقاه، وأمر الخدم أن يخبروه أنه منشغل عن مقابلة الجميع انصرف مراد بقلب مكسور.
وفي طريق عودته، التقى ثلاثة رجال يبحثون عن بيت والده، وقالوا إنهم يحملون أمانة: جوهرة ثمينة أودعها الأب لديهم، حاول مراد بيعها في قريته، فلم يجد من يشتريها، فذهب إلى المدينة وهناك عرضها على سيدة ثرية فاشترتها بمبلغ كبير، بفضل هذا المال، استعاد مراد حياته تدريجيًا، لكنه ظل حزينًا على تصرف صديقه، فبعث إليه رسالة تتضمن أبيات الإمام الشافعي:
رأيتُ الناسَ قد مالوا إلى مَن عنده مالُ
ومن لا عندَه مالٌ فعنهُ الناسُ قد مالوا
رأيتُ الناسَ قد ذهبوا إلى من عنده ذهبُ
ومن لا عنده ذهبٌ فعنهُ الناسُ قد ذهبوا
ردّ عليه سعد بأبياتٍ كشفت أن كل المساعدة التي حصل عليها مراد كانت بتدبيره:
أما الثلاثةُ قد وافوك من قبلي
ولم تكن سببًا إلا من الحِيَلِ
وأما من ابتاعت الياقوت والدتي
وأنتَ أنتَ أخي، بل منتهى أملي
وما طردناك من بُخلٍ ومن قللٍ
لكن عليك خشينا وقفة الخجل
من إيجابيات القصة الطرح الإنساني العميق، حيث تصوّر القصة انتقال مراد من الغنى للفقر، واختبار الناس من حوله، وهي تعرّي العلاقات الزائفة، وتُظهر الوفاء الخفي لدى النفوس النبيلة، بالإضافة إلى التضمين الشعري المؤثر كأبيات الشافعي التى جاءت معبرة عن وجدان مراد، وردّ سعد الشعري منح القصة طابعًا تراثيًا متينًا ومؤثرًا، فضلا عن عنصر المفاجأة الدرامية الذي تظهر فيه القصة خذلانًا واضحًا، ثم تنقلب المفاجأة في النهاية، موضّحة أن الوفاء كان موجودًا لكنه مخفي بدافع الحياء، أما عن الرمزية والواقعية نجد أن المجوهرات ليست مجرّد ممتلكات، بل رمز للثقة والدين والكرامة، مما أضفى عمقًا رمزيًا على السرد الواقعي. الرؤية الأدبية تقع في أربعة محاور رئيسية : خذلان الأصدقاء عند تغير الأحوال، وهذه من أكثر مشاهد القصة ألمًا هو اختفاء الأصدقاء عن مراد بعد وفاة والده، حيث لم يبقَ أحدٌ من حوله، حتى سعد، الذي كان يعتبره كالأخ، وقد جسّدت أبيات الشافعي مرارة هذا الخذلان، ورغم تبرير سعد لاحقًا، فإن الصدمة النفسية بقيت مؤثرة في وجدان القارئ، وكان من الأفضل إظهار هذا الأثر النفسي بوضوح أكبر على شخصية مراد. موقف سعد عند زيارة مراد لقصره، ورفض سعد استقبال مراد بدا موقفًا صادمًا، القارئ يتعاطف مع مراد المنكسر، لكن نهاية القصة تكشف أن سعد كان يخشى أن يحرج صديقه، هنا يظهر التساؤل: هل تكفي النوايا الطيبة لتبرير الأفعال المؤلمة؟ كان من الأفضل أن يُظهر النصّ ترددًا أو صراعًا داخليًا عند سعد في تلك اللحظة، لتصبح ردة فعله أكثر إنسانية وصدقًا.
الحكم على مراد من مظهره، تعمل من في القصر مع مراد بناء على هيئته الرثّة، وهو تصرف يحمل طابعًا طبقيًا جافيًا، لكن البيت التالي خفف من قسوته:
وما طردناك من بُخلٍ ومن قللٍ
لكن عليك خشينا وقفة الخجل
إلا أن التأثير الدرامي كان ليكون أقوى لو ظهر هذا الحرج منذ البداية، لا فقط في الرد المتأخر. الرسالة التي رد بها سعد (بين النبل والمنّ)، ردّ سعد بأبياتٍ مفصلة أظهر فيها أنه هو من دبّر المساعدة، وأوضح كل تفاصيل الدعم، ورغم صدق المشاعر، فإن الإطالة في الشرح قد تحمل شيئًا من المنّ، وهو ما لا يليق بالعطاء الكريم، وهو ما نهى عنه ديننا الحنيف، كان الأجمل أن تكون أبياته أقصر، وأكثر تعبيرًا عن المحبة دون استعراض للمساعدات، انسجامًا مع روح “الوفاء في الخفاء” بين ثيابٍ رثة وقلوبٍ نبيلة، تمضي قصة مراد لتخبرنا أن الصداقة الحقيقية لا تموت، بل قد تختبئ حياءً، قصةٌ تدمج الواقعية بالرمزية، والعاطفة بالحكمة، لتدعونا لأن نحسن الظنّ في زمن طغى فيه الجفاء، ونراجع معايير الوفاء حين تتبدل الأحوال.
رنا أحمد شريف : كاتبة

مقابر مشرعة تحت شاشات مضيئة 
لم يكن التلاعب بالعقول وليد اليوم ، لكنه في زمن السوشيال ميديا صار صنعة مدجّجة بالألوان والضجيج ، تتقن التمويه ، وتدسّ السمّ في دفق الصورة والكلمة والرمز . الشباب أولئك الطامحون إلى معنى ، الباحثون عن ذاتهم وسط دوامات الحياة ، صاروا الهدف الأكثر طراوةً لهذا الفخّ الإلكتروني الناعم ، يدخل الواحد منهم عالَم “ اللايك ” و” الفلتر ” و” الترند ” دون أن يشعر أن كل نقرةٍ منه تُحفر له حفرةً جديدة في وعيه .
إنها ليست مجرد وسائل تواصل ، بل أدوات تفكيك بطيء للثوابت ، تُصوَّر الحياة فيها على أنها سباق شهرةٍ وبهجةٍ مصطنعة ، وتُقاس قيمة الإنسان بعدد المتابعين ، لا بما يحمل من فكر أو خُلق ، تتسلل المفاهيم من تحت الجلد ، تُعيد تشكيل الرغبات ، وتُحوّل القيم إلى رماد ، حتى ينهض الجيل الجديد على وهمٍ مبرمج ، لا يعرف من هو ، ولا إلى أين يسير . أخطر ما تفعله هذه المنصات هو خلق وهم الاختيار ، بينما الحقيقة أنها تُصمم الخوارزميات لتُظهر ما تريد هي ، لا ما نريد نحن ، تَمنحك شعورًا زائفًا بالحرية ، لكنها تمارس أقسى أنواع الهيمنة :
إنها تَزرع قناعاتك ، وتحدد سلوكك ، وتعيد تشكيل رؤيتك للعالم .
في هذا المشهد المعقّد ، لا بد من صحوة ، لا بد من إعادة الاعتبار للعقل ، وإعادة بناء دروع الوعي ، فالعقول ليست حقول تجارب ، ولا شبابنا حطب لحربٍ خفية تُشنّ من خلف الشاشات . وكم كانت صادقة الكاتبة الإماراتية أسماء صديق المطوّع حين قالت : " العقل الذي لا يطرح الأسئلة يبتلع كل ما يُقدَّم له، حتى السمّ إن قُدّم في كأسٍ من بلّور " .
حيدر فليح الشمري: كاتب صحفي

قطرة العسل… لا تغرق فيها
قال أحد الحكماء: "ما الدنيا إلا قطرة عسل كبيرة، فمن اكتفى بارتشاف القليل منها نجا، ومن غرق فيها هلك " في طريق الحياة، ستُعرض علينا لذائذ كثيرة، ومباهج مغرية، وأشياء تبدو جميلة كقطرة عسل على الأرض، قد تقترب منها الفضول أو الحاجة أو حتى لحظة ضعف، لكن علينا أن انتبه، ليست كل حلاوة تستحق الغوص فيها، فبعضها إن تماديتَ فيها، علقت بها وربما لا تخرج منها أبدًا.
ونذكر أن هناك نملة صغيرة، سقطت أمامها قطرة عسل، اقتربت، تذوّقت، وأُعجبت بالمذاق ثم عادت مرة أخرى، وأخذت رشفة ثانية، وثالثة حتى قررت أن تدخل القطرة لتستمتع أكثر. لكن العسل لزج والثمن كان باهظًا! غاصت في الحلاوة فلم تخرج منها قط. الطعم الذي أعجبها هو ما خنقها في النهاية.
لا تدعوا اللذائذ تسرق منكم حريتكم ولا تسمحوا لرغبة مؤقتة أن تُغرقكم في ندم دائم. استمتعوا بالحياة، نعم لكن لا تجعلوها تبتلعكم! هناك فرق بين من "يتذوق" وبين من "يغرق" كن حكيمًا فمن يشرب من النهر رشفة لا كمن يلقي بنفسه فيه بلا تفكير، لذلك إن رأيتم قطرة عسل أمامكم، تذوقوها ولكن بعقل، وتذكّروا دائمًا: ما كل ما يلمع ذهبًا، وما كل ما يُعجبنا يُصلح لنا. عيشوا الحياة بحكمة، لا باندفاع. وكونوا من الناجين لا من الغارقين، وعيشوا حياة مليئة بالحكمة والتوازن، وحياة خالية من الندم والغرق في اللذائذ الزائفة، كونوا حكماء في قراراتكم، واعتنوا بأنفسكم، ولا تدعوا الحياة تبتلعكم.
المهندس سامي فاضل

إدارة الوقت عند ابن خلدون
ترك لنا ابن خلدون إرثاً عظيماً من الفكر والثقافة والعلوم، ومن بين هذه الإشارات الفلسفية إدارة وتنظيم ودورة الوقت، فيقول: (إن الأوقات الصعبة تصنع رجالا أقوياء)، وهذه العبارة عند التمعن فيها نجدها تنطبق بالفعل على الرجال الأقوياء الذين تعرضوا في حياتهم لمحن وصعاب، وعاشوا حياة صعبة بما تحملها الكلمة من معنى، الأزمات التي يمر بها الرجال حتى النساء تصنع إنسانا قويا لديه قوة التحمل والصبر والجلد، ويتعلم تحمل المسؤولية ولديه حلول استشرافية لكل أزمة لأنه تعايش معها وعرف مداها.  
وأفاد أن الرجال الأقوياء يصنعون أوقات الرخاء، وهذه أيضا كلمة في محلها، فالرجال الأقوياء من الذين يتحملون الصعاب لديهم القدرة على تحويل الوقت إلى وقت رخاء لكل من هم تحت سيطرتهم ومسؤولين منهم، فالقوي ينشر الرخاء في كل مكان ويضفي على الوقت روحاً من السعادة والازدهار.
بينما أشار إلى أن أوقات الرخاء تصنع رجالا ضعفاء، ويقصد أن الأشخاص الذين يعيشون في أوقات رخاء ولا يهتمون بالعمل والتخطيط للمستقبل ستعمل بينهم روح الكسل وألفة النعمة وعدم البحث عن التطوير، بل يكتفوا بما لديهم من رخاء إيماناً منهم أن الحياة تستمر على وتيرة واحدة آمنين من غيرها لذلك يصنع هذا الرخاء أشخاصاً ضعفاء لا يقدرون على شيء. أما الرجال الضعفاء يصنعون أوقاتاً صعبة، بالفعل هذه الإشارة حقيقية لأن الضعيف والمهمش يصدر للمجتمع والبيئة التى يعيش فيها مشكلات كثيرة جدا، وغالباً ما يحمل الآخرين عبء ويضع مشاكله على شماعة حتى لا يسأل عن الحل أو يطلب من إنجاز عمل.
علاء رياض

الذكاء العاطفي مفتاح النجاح
 إن الذكاء العقلي وحده غير كاف لتحقيق النجاح في وسط الضغوط الحياتية التي تتصاعد خاصةً مع التطور التكنولوجي السريع إلى أن نجد الذكاء العاطفي يُبرز كواحد من أهم مفاتيح النجاح المهني و الشخصي على حد سواء.
الذكاء العاطفي، أو “Emotional Intelligence “هو القدرة على فهم وإدارة المشاعر الذاتية وفهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بوعي و إدراك ويشمل ذلك مهارات مثل التعاطف و ضبط النفس و إدارة الضغوط و ايضاً القدرة على بناء علاقات إيجابية.
أكدت الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات مرتفعة من الذكاء العاطفي يتمتعون بقدرة أكبر على حل النزاعات واتخاذ قرارات صائبة تحت الضغط إضافة إلى تحقيق مستويات رضا أعلى في حياتهم الشخصية ،كما أظهرت أبحاث جامعة هارفارد أن الذكاء العاطفي يمثل ما يقرب من 90% من الفارق بين القادة المتميزين وأقرانهم في بيئات العمل التنافسية.
اللافت أن هذه المهارة ليست فطرية بالكامل بل يمكن تطويرها من خلال التدريب والممارسة عبر خطوات عملية مثل الإصغاء النشط والتفكير قبل رد الفعل وتوسيع دائرة التعاطف مع الآخرين.
و في زمننا هذا الذي تتشابك فيه المشاعر مع القرارات اليومية يصبح الذكاء العاطفي ليس رفاهية و لكنه ضرورة لكل من يسعى إلى قيادة ناجحة وعلاقات متوازنة وحياة أكثر راحةً مع الذات والآخرين.
د. إيمان فؤاد