رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيسي إندونيسيا والغابون بذكرى استقلال بلديهما
آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
مكارم الأخلاق
اتفقت الفلاسفة وعلماء الدين وكل الأفكار المتضاربة على الساحة الفكرية، على شئ واحد مع أنهم يختلفون في جميع مقاصد الحياة، إلا أنهم جميعاً اتحدوا وأقروا أن السعادة الحقيقية في العطاء، وهذا في حد ذاته أمر جيد جداً، أن نجد المخالفين يتوصلون لمعنى السعادة الذي يكمن في العطاء والمنح بلا رياء أو تأنيب أو أذى.
وهذا الجانب الحيوي من صورة العطاء تتجلى في التواضع والإحساس بالآخر، وأذكر أن صديقاً لي كان يعرض علي من وقت إلى آخر خدماته ويقول قوله المشهور: "كل ما عندي فهو ملكك، وأنا أمين عليه" وهذا من باب الاطمئنان وعدم الشعور بالخجل حين يطلب أمراً أو يستعير شيئاً، فهذا يعتبر من مكارم الأخلاق التي تنتشر بين المخلوقات، ولا يشترط أن ينفرد بها الإنسان وحده، والحيوانات والطيور يمتازون بهذه الصفات، فنجد منهم أمماً تحرص على تحقيق العدل والمساواة، وكم من صورة نشاهدها لحيوانات يقيمون محكمة لغراب أخطأ في حق غراب آخر، ومن صفات الذئاب البر بالوالدين وإطعامهما، والاعتناء بهما في الكبر، والحيوان الذي يعرف أشقاءه وأنه وشجرة عائلته فلا يتزوج منهم.
مكارم الأخلاق فطرة تنشأ عليها المخلوقات، وتعبث فيهم البيئة فتحول البعض إلى طريق مختلف، لكن يبقى الأصل في الأخلاق والشهامة والكرم والإحساس بالمسؤولية تجاه الكائنات الحية جميعاً بدون تفرقة، فالرحمة بالحيوان والطير وحتى النبات من مكارم الأخلاق، احترام الصغير وتبجيل الكبير من مظاهر مكارم الأخلاق، وصور الأخلاق كثيرة جداً لأنها عامل مشترك بين كل المخلوقات حتى في التعامل مع بعضهم.
علاء رياض
إدارة الأموال
سأل المذيع المشهور أحد رجال الأعمال في برنامج (بود كاست)، هل تمتلك طائرة؟ ابتسم رجل الأعمال وقال: إن شراء الطائرة واليخوت والسيارات الفارهة دليل على الثراء، لكن المال الذي وهبني أياه الله ليس مالي، وإنما أقوم بإدارته وإعادة توزيعه على مستحقيه، فلا داعي للطائرة وأي مظهر من هذه المظاهر، وعقب أن الله أعطاه ما لا يستحق ونعّمه وجعله شخصاً يفهم الحياة، والسبب في هذا العطاء، وقص موقفاً حدث له في المطار أثناء السفر من مطار في لندن ووجد العالم المصري مجدي يعقوب يحمل كرتونة فبادره بحملها عنه، ولم يعرفه العالم، ولما كانت أمام موظف الطيران بدل تذكرته من درجة لأخرى للجلوس مع الدكتور مجدي يعقوب.
لفت نظري أن رجلاً بهذه العقلية وهي إدارة أموال طائلة لإعادة تدويرها وتوزيعها على المحتاجين، أي هدوء نفسي هذا الذي يتمتع به شخصية مثل هذا الإنسان المدرك لقدرته هو كبشر، وهو يعطي دروساً مستفادة في لقطات وكلمات مقتضبة، فمن الأقوال التي ركز عليها أن الحج في هذه الأيام يتكلف عند الأغنياء أكثر من ٢ مليون في حين أن هذا المبلغ من الممكن أن يسعد شباباً كثراً ليتمموا زواجهم، أو عمل مشاريع صغيرة لهم، خاصة وأن الحج يكفي مرة واحدة في العمر ولا داعي لتكرارها والإنفاق على الرحلة مبالغ تفرج كربة عدد كبير من المحتاجين.
وأشار رجل الأعمال في لقائه عن الآية القرآنية، ومفهومها (وأما بنعمة ربك فحدث) الذي يفسره البعض على أن يعدد النعم ويذكر الأملاك التى يمتلكها، ولكنه فسر القول إلى عمل، فكلما ساعدنا كلما تحدثنا عن النعم، وعرفنا أن عندنا الثراء، فالمقصود من التحدث هو الفعل والعطاء والبناء والمشاركة في التنمية والتطوير ومساعدة طلاب العلم والأيتام على تلبية احتياجاتهم من أعلى مراحل الحديث عن فضل الله على من لديه المال والثراء.
ضرب رجل الأعمال النموذج الإيجابي للمفكر المعتدل، الذي وهب نفسه للعطاء، ولأن الجود والكرم وجه واحد لصفات كريمة يختص بها بعض العباد، ومن فترة ذاع صيت رجل أعمال حين توفي ولم يعرف عن مشواره إلا القليل والمستفيدون من عطاياه، وقصته هو تأسيس شركة من عشرة أسهم منها تسعة أصدقاء والعاشر هو لعمل الخير، فنمى المال وازداد بفضل السهم العاشر، والتجارة الحقيقية مع فعل الخير حسب ما روى رجل الأعمال مع المذيع في برنامجه.
حمادة الجنايني
أرقى الفنون الجميلة
لا يختلف اثنان على أن الرسم من أرقى الفنون الجميلة، وأن مبدعيه يمتلكون حساً مرهفاً وقدرة على التقاط أدق التفاصيل التي قد تغيب عن أعين الآخرين، من بين هؤلاء المبدعين، يبرز اسم الفنان المغربي باباحدو أشهبون، ابن مدينة خنيفرة، حيث الطبيعة الساحرة والخضرة التي تُلهم الخيال، أشهبون جمع بين الرسم ومواهب أخرى.
بدأت علاقته بالرسم، حين كان لا يزال تلميذاً في المرحلة الابتدائية، حيث كانت البداية مجرد خربشات، وخطوط غير واضحة، قبل أن تتحول تدريجياً إلى أعمال تحمل ملامح واضحة، وتتطور مع مرور الزمن، فالطبيعة كانت ملهمته الأولى، ومنها انتقل إلى رسم الأشياء الواقعية، ولم يكتف بذلك بل خاض أيضاً تجربة النحت، اكتشفت موهبته في سن السابعة، وظل شغفه يكبر معه حتى وجد في المدرسة الانطباعية أقرب الأساليب الفنية إليه ومع ذلك يؤمن أن المثابرة والاستمرارية ستمنحانه القدرة على ابتكار أسلوبه الخاص الذي يميز أعماله. من مشاريعه الطموحة إنشاء ورش لتعليم الرسم للأطفال في القرى، إيماناً منه أن التعليم الأكاديمي وحده لا يكفي، وأن المواهب الناشئة تحتاج إلى من يرعاها ويصقل قدراتها، لكن الطريق لم تكن مفروشة بالورود، فكما هو حال معظم الفنانين، اصطدم بصعاب عديدة، أبرزها ضعف سوق تسويق الأعمال الفنية، مما يجعل من الصعب الاعتماد على الفن كمصدر دخل وحيد، ويأمل أن تولي وزارة الثقافة اهتماماً أكبر لهذا الجانب، من خلال توفير فضاءات عرض مجانية، خصوصاً للفنانين الذين هم في بداية مسارهم.
منى بنحدو
مكافحة السطحية
العاملون في مجال التثقيف كثيراً ما ينتابهم اليأس من انصراف الكثيرين ممن حولهم عن القراءة أو الاهتمام بالمواد الثقافية، حيث ينتشر في عصرنا هذا داء السطحية واستسهال الخوض في الموضوعات العامة دون معرفة حقيقية، وأقصى ما يفعله بعض الناس وليس كلهم أن يبحثوا على الجوجل ليخرجوا من عملية البحث بمعلومات عامة لا يمكن أن تنشئ وجهة نظر جديرة بالاحترام، وذلك لأن النت ليس إلا مساعداً في البحث أما عملية التثقيف الذاتي التي ننادي بها وسوف نظل ندعو إليها فهي تأتي فقط وحصرياً من خلال الكتب.
وليس عندي أدنى إشكالية في قراءة الكتب الإلكترونية فهي تعطي المعرفة أيضاً، ولكنني حتى الآن أفضل قراءة الكتب الورقية لأنها تمنحني القدرة على التركيز والتعمق وتريح عين القارئ ونفسيته، فالكتاب الورقي هو الأصل، ولن يختفي، وهل اختفى المذياع مثلاً عند ظهور التلفاز؟..
على أنني حين تفكرت في السبب الذي أوصل الكثيرين إلى هذه السطحية التي نتمنى أن تأتينا القدرة على مواجهتها، وجدت أن بعض الكتاب ساهموا في هذه المشكلة مع كل أسف، وذلك من خلال إسرافهم في تناول الكتب بالتعليق أو التلخيص أو العرض، وكان الأجدر بهم والأولى أن يستحثوا القارئ لمقالاتهم على قراءة الكتب التي يتحدثون عنها، ويثيروا فيه الرغبة للإطلاع.
ولا شك أن المقالة لها دور متميز في عملية التثقيف، فهي أداة فعالة في مناقشة الفكر العميق إذا توافر لها كُتَّاب مثقفون بحق، ومنذ العهد الڤيكتوري في انجلترا بالقرن التاسع عشر ترسخت المقالات الجادة، كما ترسخت في نفس الفترة بفرنسا وألمانيا، ورأينا الكاتب الكبير "توماس كارلايل" يكتب في الصحافة الإنجليزية سلسلة مقالات عن فكرة "البطل" وهي التي وضعها لاحقاً في كتاب أدى إلى انتشار فلسفته الخاصة عن مفهوم البطولة والعبقرية، وهذه الفلسفة هي التي تأثر بها الكاتب العبقري "عباس محمود العقاد" فأنتج لنا سلسلة عبقرياته الشهيرة: "عبقرية محمد" و"عبقرية المسيح" ولهذا الكتاب عنوان آخر هو "حياة المسيح" و"عبقرية خالد" و"عبقرية الصديق" و"عبقرية الإمام" ويعني به علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعلى درب "كارلايل" كتب "ماكولي" مقالات في التاريخ، وكتب "وولتر بيتر" في النقد، بالإضافة إلى مقالات "توماس هكسلي" التعليمية، و"ليزلي ستيڤن" الأدبية، ومقالات "جون راسكين" في الفن والجماليات، وكتابات "ماثيو أرنولد" النقدية.
وتطور الأمر جداً مع بداية القرن العشرين، فوجدنا الكتاب يمارسون الكتابة المقالية بكل انواعها، ورأينا المقالات الساخرة التي كان من روادها الكاتب الإسباني "أونومانو" وأسلوبه الممتلئ بالمفارقات والغوص في أعماق ذاته لفهم الذات الإنسانية عموماً، كما لمع اسم "أورتيجا جاسيت" في سماء الكتابة المقالية وذلك نظراً لفكره السديد وحكمته وأسلوبه الدقيق المتزن.
ثم برزت لدينا مشكلة انصراف القراء عن الإطلاع على الكتب العلمية والأدبية التي تناقشها المقالات اكتفاءً منهم بما قرأوه عنها في المقالات، وبهذا أصبحت ثقافة البعض مبتورة أو مشوهة، وبالتأكيد سطحية، كما أن بعض الكتاب ينحازون في مقالاتهم لمؤلف الكتاب الذي يتناولونه أو ينحازون ضده، فلابد إذن من الإطلاع على الكتاب نفسه لتكوين رأي سليم قدر الممكن عنه وعن مؤلفه.
وفي عالمنا العربي أصيب بعض الكتاب مع الأسف بداء الانطباعية، فتجد بعض النقاد الفنيين ومثلهم بعض نقاد الأدب لا يهتمون بتثقيف أنفسهم والتزود المستمر من الفكر والمعرفة، وإنما يتناولون الأعمال الدرامية والأدبية بالانطباعات الشخصية التي يثيرها العمل الفني في نفوسهم، وهذا مكمن الداء وأصل البلاء، لأن النقد لا يقوم على الإعجاب الشخصي بل على أسس متينة وقواعد راسخة، ولا يمكن أن يؤدي الناقد عمله وهو غير مثقف من الأساس، فالناقد السطحي يكتب عبثاً وليس نقداً ولا يصح تسميته بالناقد أساساً.
وختاماً ندعو كل المهتمين بأحوال البلاد العربية والمحبين لأمتهم والغيورين عليها إلى أن يضعوا الثقافة في أولوياتهم وأن يدعوا المواطنين العرب إلى العودة الجادة للقراءة الحرة الواعية، وأن تكون القراءة جزءًا من حياتنا اليومية لأنها بالفعل ليست ترفاً ولكنها ضرورة مثل الغذاء والملبس.
حاتم السروي
الإنسانية… القوّة التي لا يراها الناس
في زمنٍ امتلأ بالصوت العالي، والركض خلف المكاسب، والصراع على المقاعد، صرنا نحتاج إلى وقفة، لا مع الآخرين، بل مع أنفسنا، صرنا نحتاج إلى مراجعة بسيطة للسؤال العميق، أين ذهبت إنسانيتنا؟
الإنسانية ليست شعارات نرفعها، ولا منشورات نشاركها، الإنسانية أن تحسّ بألم غيرك، فتسكن خطواتك لتسمع، وتشفق، وتساعد، حتى لو لم يكن الأمر من شأنك، الإنسانية ليست ضعفًا، بل أقوى أنواع الوعي، أن ترى في المتسول شخصًا لا حظّ له، لا عبئًا عليك، أن تحسن إلى من ظلمك، لأنك تعرف أن العفو عزّ، لا انكسار، أن تترك مكانًا نظيفًا بعدك، وتُعطي من وقتك لمن لا يملك، وتبتسم في وجه من لا يعرفك، كل هذا هو جوهر الإنسانية.
لماذا نحتاج الإنسانية، نحن بحاجة إليها لأننا أصبحنا نحسب كل شيء بالمقابل، أصبحنا لا نُعطي إلا إذا ضمنا مكسبًا، ولا نُسامح إلا إذا خفنا الخسارة، لكن الإنسانية هي ما يصنع الفرق بين "المتحضّر" و"الراقي" الإنسانية تعيد التوازن في زمن الفوضى، تُخفف الألم حين يعجز الطب، وتُعطي الأمل حين يخفت النور، بدون إنسانية، يصبح الإنسان مجرد آلة تستهلك وتُنافس، لكن بها، يعود قلبه لينبض، وعقله ليُضيء، وروحه لتسكن.
كيف نُعيد الإنسانية إلى حياتنا؟ ابدأ من نفسك، لا تنتظر المؤسسات، ولا الحركات العالمية، ساعد عجوزًا في عبور الطريق، استمع لمهموم دون أن تقاطعه بنصائح جاهزة قل كلمة طيبة لمن لا يتوقعها ، سامح من أخطأ بحقك إن استطعت، ربّ عمل صغير بنيّة صافية يزرع أثرًا لا يُنسى.
ربما لا نستطيع أن نغيّر العالم كله، لكننا نستطيع أن نكون سببًا في أن يُؤمن شخصٌ واحد أن الخير لا يزال موجودًا، فإذا خرجتَ من بيتك بنيّة أن تكون "إنسانًا" فأنت أقوى بكثير ممن خرج بنيّة أن يكون "ناجحًا فقط".
الإنسانية ليست ضعفًا، بل هي أن تملك القلب النظيف وسط قلوب متعبة، وأن تختار الطيبة رغم أن القسوة أسهل، وأن تظل تؤمن بأن الخير يعود، حتى لو لم يعد إليك مباشرة، فلنُعد ترتيب أولوياتنا، ولنبدأ في إعادة الإنسانية إلى تفاصيلنا اليومية، لأن الإنسانية ليست رفاهية، إنها ضرورة.
المهندس سامي الفاضل أحمد
طريق السكون إلى معرفة الذات
عندما تتداخل الأصوات ، مع ضجيج من صور صاخبة، يضيع الإنسان عن نفسه كما تضيع قطرة ماء في نهر هائج ، لكن هناك طريقًا آخر ، لا يُفتح إلا لمن آمن أن الهدوء ليس فراغًا ، بل امتلاء خفيّ ، إن السكون هو مرآة الذات ، وبدونه لا يُرى وجه الروح .
تبدأ الرحلة حين يتوقف المرء عن اللهاث وراء ما يلمع ، ويجلس في مكان يختاره قلبه ، بعيدًا عن الحشود ، قريبًا من نبضه ، يغمض عينيه ، ويصغي، ليس للعالم من حوله ، بل لتلك النغمة العتيقة التي تسكن أعماقه ، إنها الصوت الذي نُولد به قبل أن تعلونا طبقات الكلام والهموم .
الشباب أكثر من غيرهم بحاجة إلى هذه الوقفة ، ففي عمر يلهث خلف إثبات الذات ، تصبح لحظة الصمت تمرّدًا على الإيقاع السريع للحياة ، هي وقفة لا تُطلب من الخارج ، بل تُستدعى من الداخل ، قد تأتي في جلسة تأمل عند الفجر ، أو في كتاب يُقرأ ببطء ، أو حتى في مشي طويل على طريق مهجور ، المهم أن يتحرر العقل من قيود العجلة ، وأن يستمع القلب لما يقوله دون انقطاع .
وحين يتذوق الشاب طعم هذا السكون، يبدأ باكتشاف ملامح ذاته كما لو كان يراها لأول مرة :مخاوفه ، رغباته ، أحلامه ، وحتى جراحه القديمة ، هنا يصبح الهدوء ليس غاية ، بل وسيلة لبناء إنسان أكثر وعيًا وصلابة، فمعرفة الذات لا تأتي من كثرة التجارب وحدها ، بل من لحظة سكون صادقة ، يُسلَّم فيها القلب لصفاء اللحظة ، ومن عرف نفسه في السكون ، لن يضيع في ضجيج العالم .
حيدر فليح الشمري : صحفي
الطفولة… ذاكرة القلب ومهد البراءة
كلّما كبرنا، أدركنا أن أجمل ما مضى لم يكن لحظة نجاح أو منصب، بل كان ضحكة عفوية في زقاق الحارة، أو لعبة بسيطة تحت شمس المساء، أو حضن أم دافئ في لحظة خوف. إنها الطفولة… ذلك الزمن النقي الذي لا تشوبه شائبة، حيث كل شيء كان جميلاً لأنه كان بسيطًا.
الطفولة ليست مجرد بداية العمر، بل هي البداية التي تحدد الكثير من ملامحنا المستقبلية، فيها تعلمنا أولى الخطوات، ونطقنا أولى الكلمات، وشعرنا بالأمان لأول مرة، فيها عرفنا الصداقة، وتذوقنا طعم الفرح الحقيقي، دون انتظار مقابل أو تفسير. كم منّا يشتاق لزمن كان فيه كل ما نريده قطعة حلوى أو قصة قبل النوم؟ كم منّا يتمنى أن يعود لطفولته، ليس لأن الحياة كانت أسهل، بل لأنها كانت أصدق، وأكثر صفاءً؟ تلك التفاصيل الصغيرة التي لا تُنسى: صوت جرس المدرسة، رائحة الكتب الجديدة، أول مرة كتبنا فيها اسمنا، أول دمعة على لعبة مكسورة، وأول نصر في لعبة “الغمّيضة”.
براءة الطفولة ليست مجرد صفة، بل هي روح كاملة، لا تعرف الكره، ولا تفهم الحقد، ولا تدرك معنى التفرقة، الطفل لا يرى في الآخر شكلاً أو لونًا أو طبقة، بل يرى إنسانًا فقط، وهذا ما يجب أن نتعلمه نحن الكبار، ذكريات الطفولة هي ملجؤنا الآمن حين تضيق بنا الحياة، حين نصطدم بواقع لا يشبه أحلامنا الأولى، نعود بقلوبنا إلى تلك الأيام، حيث كنا نضحك بصدق، ونبكي دون خجل، ونحلم دون حدود.
إنها المرحلة التي نُولد فيها مرتين: مرة بالجسد، ومرة بالروح، لهذا، يجب أن نحافظ على الطفولة – لا فقط كذكرى – بل كقيمة، أن نحترم الأطفال، أن نمنحهم بيئة آمنة، نغرس فيهم الحب، ونحمي براءتهم من التلوث، لأنهم غدنا، وحلمنا الذي يتشكل، وإن ضاعت البراءة من الطفولة، ضاع شيء عظيم من إنسانيتنا، فلنحتفل بالطفولة، لا في يوم عالمي فقط، بل في كل تصرف، في كل كلمة، في كل حضن يُمنح لطفل. ولنتذكّر دومًا: الطفل لا يحتاج أن يكون كاملًا، بل فقط أن يُحب ويُحترم كما هو.
رنا أحمد شريف : كاتبة
بناء الإنسان
ماراثون العام الجديد لعودة المدارس على وشك الانطلاق، وبدء حياة جديدة ونمط مكرر عند الأسر، حيث المتابعة الحثيثة مع المعلمين والسؤال عن مستوى الأبناء والجهد المضاعف لدفع المصاريف واختيار وسيلة التوصيل المناسبة، بالإضافة لشراء مستلزمات الدراسة من كراسات ومراجع وأشياء أخرى كل هذه الاستعدادات من أجل مسيرة التعليم وبناء وتطور الأجيال الحالية والقادمة، ومع كل الدعم الذي يصل إلى الطرف والدلع، نجد أن التعليم في تقدم والتحصيل العلمي موجود ومتطور بفضل التكنولوجيا والتغيرات العالمية، إلا أن شق التربية يتراجع بشكل سريع، وبالمقارنة مع الوضع في السابق من حيث الشكل، فكان غلاف الكراسة مرسوم عليه جدول الضرب، ومن رقم واحد إلى رقم أنثى عشر، مما يساعد التلاميذ في التعليم الأساسي على حفظه بأسلوب التكرار والصورة الذهنية .
كان يطبع على الأغلفة إرشادات صحية، مثل لا تستخدم إلا منشفتك، حافظ على مدرستك، إرشادات إيجابية ترسخ في نفوس الأطفال معاني الانتماء والولاء، وفي نفس الوقت كان معلم الدين يخصص وقتاً لتعليم التلاميذ مبادئ مكارم الأخلاق، وربطها ببر الوالدين بأسلوب بسيط، لم تكن أغلفة الكراسات تضم شخصيات كرتونية تم تصديرها للدول من خلال أفلام استحوذت على عقول التلاميذ من مراحل الروضة، وذلك مع انتشار الأجهزة الذكية في يد هؤلاء الأطفال في سن مبكرة، هذا من حيث الشكل أما المضمون فالمناهج التعليمية اهتمت في الوقت الحاضر على البحث وهذا جيد جدا ولكن في المقابل صار الاختبار بأسلوب الاختيار مما يجعل الطلاب لا يهتمون بالقراءة والإملاء وغيرها من أساسيات التعليم .
تعتبر عودة المدارس من الأمور الحيوية في حياتنا اليومية، وعلى أولياء الأمور غرس حب العلم والفكر والأدب في نفوس أبنائهم، لأن العلم هو السلاح الحقيقي لتخطي الصعاب وامتلاك زمام الأمور وبه ترتقي الدول وتحافظ الأوطان على مقدراتها، لتحصيل العلم يتمكن الطلاب من ثقل مهاراتهم وخبراتهم من خلال المعرفة والاطلاع على أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا وإدارة المؤسسات وبناء الدولة.
وعلى المعلمين دور كبير في تبسيط العلوم من جهة، وغرس حب الأطفال للذهاب للمدرسة والتعلق بها من جهة أخرى، بالإضافة إلى اكتشاف المواهب منهم فالجميع لديه موهبة ويبقى فقط اكتشافها ودعمها وتشجيع الموهوب من أولويات المعلم المتميز، لأن المدرسة هي نقطة الانطلاق الأولى في عالم المعرفة والاحتكاك المباشر مع الآخر، بما فيها من تعديل السلوك والتقويم الشخصي لجميع الأطفال، فالمنظومة التعليمية من تلاميذ ومدرسة ومعلمين وأولياء أمور، يخضعون لعمل جليل هو بناء الإنسان والإشراف على صناعة العقول.
الشيماء محمد : خبير صحافة وإعلام تربوي