ميتي فريدريكسن رئيسة الاتحاد الأوروبي المُعَيَنة حديثا :

أوروبا ليست فريسةً و الحرب في أوكرانيا هي من أجل مُستقبل القارة

حرصت السيدة ميتي فريدريكسن الرئيسىة الجديدة للاتحاد الأوروبي على إبراز الدور الذي تنوي القيام به على الساحة الأوروبية بدعوة فولوديمير زيلينسكي لحضور مراسم افتتاح الرئاسة الدنماركية للاتحاد، التي بدأت في الأول من يوليو-تموز، بمشاركة المفوضية الأوروبية بأكملها، في آرهوس، على الساحل الشرقي للدنمارك. 
كان هذا رمزًا سياسيًا، في وقت تخلت فيه الولايات المتحدة عن أوكرانيا، حيث أوقفت تسليم بعض الأسلحة. وعلقت رئيسة الوزراء الدنماركية قائلة : «إذا قررت الولايات المتحدة عدم تقديم ما تم التخطيط له، فسيكون ذلك بمثابة خطوة إلى الوراء خطيرة بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا وحلف الناتو». وأضافت : «الحرب في أوكرانيا هي حرب من أجل مستقبل أوروبا. إذا كانت هناك ثغرات، فسيتعين علينا سدّها».

ومن بين التحديات التي تواجهها الرئاسة الدنماركية أيضًا، تعهدت بـ»بذل كل ما في وسعها» لرفع الحصار الذي تفرضه المجر على عملية انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد أن كانت معادية للتوسع، تُقدمه الآن على أنه ضروري للأمن المشترك لأوروبا. بالنسبة للسيدة الحديدية الدنماركية، التي ترأست الحكومة التي يهيمن عليها الاشتراكيون الديمقراطيون منذ عام 2019، تُعدّ رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي هذه «لحظة حاسمة لأوروبا». إنها ثورة كوبرنيكية لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 6 ملايين نسمة، والذي تميّز حتى وقت قريب بانعدام ثقته بالاتحاد. بعد انضمامها إلى الجماعة الأوروبية عام 1973، بالتزامن مع انضمام المملكة المتحدة، تفاوضت الدنمارك، شأنها شأن المملكة المتحدة، على عدة استثناءات من سياسات الجماعة. ولا تزال خارج منطقة اليورو، و خارج التعاون في مجالات العدل والشؤون الداخلية، والمواطنة الأوروبية. وقد أكدت عدة استفتاءات هذه الخيارات. ولكن بعد أربعة أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، قررت أغلبية كبيرة بلغت 67% من الناخبين في استفتاء أُجري في يونيو 2022 التخلي عن خيارهم الدفاعي. واليوم، تضع كوبنهاغن هذه السياسة المشتركة على رأس أولوياتها خلال رئاسة الاتحاد الأوروبي.  
  لقد شهدت السياسة الأوروبية للدنمارك تحولاً جذرياً في أعقاب ثلاث صدمات متتالية: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهجوم روسيا على أوكرانيا، وتهديدات ترامب بشأن غرينلاند. وقدّرت ميت فريدريكسن أن المصلحة الحيوية للدنمارك أصبحت الآن في قلب أوروبا، وهو ما يمثل انقلاباً كاملاً عن مواقفها السابقة، وفقاً لتحليل ليك فريس، مدير مركز أبحاث أوروبا في كوبنهاغن.

وهو شعور يتشاركه السكان. إذ يرغب ثمانية من كل عشرة دنماركيين في دور أكبر للاتحاد الأوروبي «لحماية المواطنين الأوروبيين من الأزمات العالمية والمخاطر الأمنية»، في حين رفضت البلاد تقليدياً أي نقل للسيادة إليه. وبررت رئيسة الوزراء ذلك قائلةً: «نحن نتحدث عن عصر المفترسين: يجب ألا تصبح أوروبا فريسة». وأعربت عن تقديرها لمواقف التضامن التي أبداها نظراؤها في مواجهة هجمات الرئيس ترامب المتكررة على سيادة غرينلاند، وهي إقليم دنماركي.يشمل ذلك زيارة إيمانويل ماكرون إلى البلاد برفقتها الشهر الماضي. وفي تحول آخر، أعلنت ميتي فريدريكسن قبل بضعة أسابيع تخلّيها عن المعسكر «المقتصد» الذي رفض أي زيادة في ميزانية الاتحاد الأوروبي.

بل إنها قالت إنها مستعدة لدراسة أساليب تمويل جديدة للدفاع الأوروبي، دون استبعاد مبدأ الدين المشترك مسبقًا، شريطة تحديد المشاريع التي ستتطلبه أولاً.  منذ انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، دأبت الدنمارك على توحيد صفوفها مع جيرانها من دول الشمال الأوروبي ومنطقة البلطيق، بما في ذلك النرويج. تتعاون هذه المجموعة المكونة من ثماني دول، على وجه الخصوص، في مجال مراقبة بحر البلطيق، حيث تتزايد الهجمات الهجينة على الكابلات البحرية. وتدرس تعزيز التدريبات العسكرية والمشتريات المشتركة، بما في ذلك طلب محتمل لشراء عدة فرقاطات. تُخبرنا أجهزتنا الاستخباراتية أن التهديد الروسي سيستمر في التنامي في السنوات القادمة. يُحذّر نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الدنماركي، ترويلز لوند بولسن، قائلاً: «يجب أن تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها بحلول عام 2030 على أبعد تقدير».

ضاعفت الدنمارك ميزانيتها الدفاعية بأكثر من الضعف خلال ثلاث سنوات. سيستأنف مصنع ذخيرة سابق، مُغلق منذ خمسين عامًا، في مقاطعة جوتلاند الشمالية إنتاج قذائف عيار 155 و120 ملم تحت إشراف شركة نامو النرويجية الفنلندية. وقد وسعت الدنمارك نطاق التجنيد الإجباري ليشمل النساء منذ الأول من يوليو. تتماشى هذه الاستراتيجية مع الدعم العسكري والمدني لأوكرانيا، والذي يُعتبر استثمارًا في الدفاع الأوروبي. تُعد الدنمارك من أكبر موردي المعدات لكييف. يُضفي هذا التعاون طابعًا رسميًا على «النموذج الدنماركي»: الاستثمار في إنتاج الأسلحة في أوكرانيا، بدلًا من تقديم تبرعات بالمعدات لها.

من المتوقع أن يرتفع استثمار الدنمارك المباشر في الشركات الأوكرانية من 475 مليون يورو العام الماضي إلى 1.5 مليار يورو هذا العام، وفقًا لوزارة الدفاع. «لقد أجرينا مشروعًا تجريبيًا في هذا...» أوضح ترولز لوند بولسن: «كان من المفترض إنتاج 18 نظام مدفعية من طراز بوغدان في غضون شهرين. كان الأمر سيستغرق عامين على الأقل لو اشتريناها من أوروبا». ودعا فولوديمير زيلينسكي، الذي أعلن يوم الخميس عن شراكة مع شركة سويفت بيت الأمريكية لتصنيع الطائرات المسيرة، داعميه الأوروبيين إلى تقديم التمويل. وقال: «أعتمد على دعم الدنمارك». التبادلات متبادلة: فقد أبدت أوكرانيا نيتها إنتاج معدات في الدنمارك. ومع ذلك، لم تدفع هذه القفزة الاستراتيجية كوبنهاغن إلى قطع علاقاتها مع حليفها الأمريكي التقليدي. ورغم طموحات دونالد ترامب الإمبريالية بشأن غرينلاند، لا تزال المملكة تدرس طلب طائرات إف-35 إضافية.

ويظل «الأمن عبر الأطلسي» الهدف الرسمي. لكن الدنمارك أدركت أن الوقت قد حان للتركيز على جيرانها المباشرين أكثر من التركيز على حليف غير مؤكد. في البداية، تلتزم بزيادة استثماراتها داخل حلف الناتو، بما في ذلك في الولايات المتحدة، على أمل الحصول على الدعم الأمريكي. لكن، وفقًا لفليمينغ سبليدزبول هانسن من مؤسسة شومان، فإن البلاد تنتقل الآن إلى «الخطة البديلة»، معززةً استقلاليتها الاستراتيجية مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وكندا. وتقول ماري بيير، وزيرة الشؤون الأوروبية الدنماركية: «لم نكن يومًا مؤيدين لأوروبا كما نحن اليوم. يصل دعم الاتحاد الأوروبي إلى مستويات قياسية، بينما كنا من بين الأكثر تشككًا». ورغم عدم تأكيد ذلك رسميًا، إلا أن هذا الانقسام التاريخي عميق.