المقارنات التاريخية منقوصة، لكنها تضيء:

جو بايدن: رونالد ريغان، أم جيمي كارتر جديد...؟

جو بايدن: رونالد ريغان، أم جيمي كارتر جديد...؟

- أصبحت المقارنة مع كارتر أكثر خطورة على الرئيس جو بايدن
- لا يرغب جو بايدن في تعريف رئاسته بيوم مظلم آخر في التاريخ الأمريكي
- لم يتوقع كارتر وريغان أنهما سيساهمان في مثل هذا السيناريو بدعمهما المجاهدين المناهضين للشيوعية


هل إن هذه الكارثة الإنسانية والأمنية المروعة، هي فقط نتيجة قيادة جو بايدن الضعيفة وغير الكفوءة، وإنه غير جدير بأن يكون القائد العام للقوات المسلحة؟   وهل يستطيع رئيس أمريكي أن ينجو سياسياً من كارثة عسكرية مثل التي حدثت يوم الخميس في أفغانستان؟  المقارنات التاريخية منقوصة، لكنها تضئ. ولا شك أن جو بايدن، الذي أضعفه بشدة التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة 13 جنديًا أمريكيًا وما لا يقل عن 170 مدنياً أفغانياً في كابول، يفضل أن يعرف مصير الرئيس الجمهوري رونالد ريغان بدلاً من الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر.   ومع ذلك، فقد احتل رونالد ريغان البيت الأبيض رغم سلسلة من المذابح والاضطرابات التي بالكاد يمكن تصديقها اليوم، ومن الجدير سردها.
  في 17 نيسان 1983، استشهد 17 أمريكياً في تفجير ضد سفارة الولايات المتحدة في العاصمة اللبنانية بيروت التي كانت حينها فريسة للفوضى.

  في 23 أكتوبر 1983، قتل 241 من مشاة البحرية، من أفراد قوة أمنية متعددة الجنسيات، في هجوم بشاحنة مفخخة على مقرهم في بيروت. وأصيب أكثر من 120 جنديًا آخر في هذا الهجوم، الذي تبنته حركة الجهاد الإسلامي، مثل الهجوم السابق.
   في 16 مارس 1984، اختطف حزب الله وليام باكلي، رئيس فرع وكالة المخابرات المركزية في بيروت.
  في 20 سبتمبر 1984، انفجرت سيارة مفخخة أمام ملحق لسفارة الولايات المتحدة في بيروت، مما أسفر عن مقتل 24 شخصًا وإصابة سفير الولايات المتحدة بجروح طفيفة.

   وفي 6 نوفمبر 1984، أعيد انتخاب رونالد ريغان. وقد جمع 58 فاصل 8 بالمائة من الأصوات، واختطف جميع الولايات، باستثناء مينيسوتا، من خصمه الديمقراطي، والتر مونديل.
   وكان للاقتصاد الأمريكي، الذي يعمل بأقصى سرعة، دور كبير في انتصاره. غير ان الطريقة التي تعامل بها خصوم الرئيس الجمهوري مع الكوارث في لبنان، لعبت أيضًا دورًا في نتيجة الانتخابات.
  وحّد الديمقراطيون أصواتهم مع الجمهوريين في التنديد بالجهاد الإسلامي وحزب الله وغيرهما من المسؤولين عن مقتل الأمريكيين. وبدأت الاغلبية في مجلس النواب أيضًا، تحقيقًا من الحزبين في الهجوم على ثكنات المارينز، سعيًا لفهم ما حدث بدلاً من تحديد الجناة.

مقارنة خطيرة
   قد يحلم جو بايدن، بعد 37 عامًا، بازدهار اقتصادي عام 2022 أو 2024، لكنه يدرك مسبقا أنه لا يمكنه الاعتماد على دعم منافسيه السياسيين لمواجهة أزمات السياسة الخارجية.
  قبل معرفة العدد الدقيق للجنود الأمريكيين الذين قتلوا في كابول، ألقى القادة الجمهوريون في الكونجرس باللوم على رئيس بلادهم، متجاهلين مسؤولية الإرهابيين.

  وقالت النائبة الجمهورية عن ولاية نيويورك، إليز ستيفانيك، الرقم الثالث في مجلس النواب في كتلتها: “يدا جو بايدن ملطختان بالدماء».
   ودعا العديد من الجمهوريين المنتخبين، إلى استقالة أو عزل الرئيس الديمقراطي، كما قارنه المعلقون المحافظون بجيمي كارتر.
   وكتب ويليام ماكغورن، كاتب الخطابات السابق لجورج دبليو بوش، في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال بعد تولي طالبان السلطة: “أصبح جو بايدن جيمي كارتر يوم الأحد».

  وأضاف: “بعد سنوات من مغادرة الرئيس كارتر المكتب البيضاوي، يظل اسمه مرادفًا للضعف وعدم الكفاءة”. ومنذ الخميس، أصبحت هذه المقارنة أكثر خطورة على جو بايدن.

  يحتفظ التاريخ، بأن جيمي كارتر أعطى الضوء الأخضر لعملية عسكرية تحولت إلى إخفاق تام وساهمت في هزيمته أمام رونالد ريغان في نوفمبر 1980، ووقعت أثناء أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران. ففي 24 أبريل 1980، بأوامر من الرئيس الديمقراطي، حلقت قوة هجومية قوامها 120 رجلاً في مروحيات وطائرات باتجاه طهران لاستعادة 53 رهينة أمريكيًا يحتجزهم منذ شهور طلاب إيرانيون في سفارة الولايات المتحدة في طهران.
   سيموت ثمانية جنود في هذه العملية التي اضطروا الى التخلي عنها أثناء سيرها بسبب العواصف الرملية والمشاكل الفنية.

ميزة الوقت
   أصبح فشل هذه العملية رمزا لرئاسة جيمي كارتر. ويمكن طبعا تفسير هزيمته الانتخابية بعوامل أخرى، منها الاقتصاد الذي ابتلي بأزمة طاقة أعقبها ركود.
   إلا أنّ جو بايدن لا يرغب في تعريف رئاسته بيوم مظلم آخر في التاريخ الأمريكي، يوم 26 أغسطس 2021، عندما تحوّل إجلاء المدنيين الأمريكيين والأفغان من كابول إلى مذبحة. يوم هزه بشدة، إذا سلّمنا بالصورة التي عرضها خلال مؤتمره الصحفي يوم الخميس، صورة رجل اغرقته المشاعر، وربما تجاوزته الأحداث.

   قد يجد جو بايدن العزاء حين يفكر أن سلاح الوقت لصالحه: لا يزال هناك أكثر من عام قبل الانتخابات النصفية، وأكثر من ثلاث سنوات قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي هذا الخريف، يمكنه إحياء رئاسته من خلال سن مشاريع قوانين للبنية التحتية والبرامج الاجتماعية التي تنافس أعظم إنجازات فرانكلين روزفلت وليندون جونسون.

   كما ستسمح المسافة الزمنية، أيضًا، للأمريكيين ووسائل إعلامهم المحمومة، بإضفاء النسبية على دراما الخميس ومشاهد الفوضى التي سبقتها في مطار كابول. خاصة أن الرئيس الديمقراطي أنهى الحرب التي أصبحت لا تحظى بشعبية لدى غالبية الأمريكيين.

   إلا أن الفصل الأفغاني لم ينته بعد، واحتمال عدم إجلاء عدد من المدنيين الأمريكيين وعشرات الآلاف من الحلفاء الأفغان في الوقت المناسب، خطر قائم، الى جانب مسألة ماذا سيحدث لأفغانستان بعد مغادرة الأمريكيين.

   إن الخوف من أن يصبح هذا البلد ملجأ للإرهابيين كبير، ويمكن القول إنه لم يكن بوسع جيمي كارتر ورونالد ريغان توقّع أنهما سيساهمان في مثل هذا السيناريو من خلال دعم المجاهدين المناهضين للشيوعية.