رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
ضغوط دولية على الجيش السوداني لتقديم مزيد من التنازلات
يسعى الجيش السوداني لتقديم تنازلات جديدة مع تصاعد غضب الاتحاد الأوروبي وتهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة تستهدف قيادات كبيرة في المؤسسة العسكرية ضالعة بالانقلاب على المكون المدني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ووفق صحف عربية صادرة أمس السبت، فإن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أصبح مطالباً أكثر من أي وقت مضى بتشكيل مجلس وزاري يحظى بثقة الشارع الغاضب.
بناء الثقة
قالت مصادر لصحيفة “الشرق الأوسط”، إن سفراء الاتحاد الأوروبي لدى لقائهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي، تمسكوا باستعادة هياكل الحكم الاتحادي المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، قبل الدخول في أي تفاوض جديد بين أطراف العملية الانتقالية، وأن الدعم المقرر تقديمه لاقتصاد البلاد والدعم السياسي، رهينان بإجراءات بناء ثقة مقنعة، وتحقيق إجماع وطني حقيقي.
وقال سفراء الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي، لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إن الدعم الاقتصادي والسياسي الذي يقدمه الغرب للسودان يستهدف تحقيق شعارات الثورة “حرية وسلام وعدالة”، وإن التدخل العسكري أدى لإخراج تحالف المدنيين والعسكريين من مساره، وفقاً للوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا.
من جهة أخرى، ازدادت الضغوط الغربية على السلطات العسكرية السودانية، بإقرار لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي فرض عقوبات على “المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في السودان”، و”قانون ديمقراطية السودان” الذي يتضمن “عقوبات ملزمة” ضد مسؤولين عن زعزعة الانتقال المدني. ويتوقع أن تزيد العقوبات الأمريكية الوشيكة الأزمات الاقتصادية والسياسية في الوقت الذي لا تملك فيه السلطة العسكرية خيارات عملية، وهو ما وصفه المحلل السياسي الجميل الفاضل بـ”سياسة توقع مكان ضربة العصا المرفوعة دون أن تنزل”، ويقصد بها إنضاج الأمور على نار هادئة لتحقيق تراجعات مهمة تحت الضغط، وقال: “من الواضح أن الارتباك الذي شاب خطاب البرهان الأخير، والرسائل الغريبة التي حاول إرسالها، تشير إلى إمكانية التراجع، بعد أن أحس بأن اتفاق 21 نوفمبر (تشرين الثاني) لم يؤدِ إلى النتائج المطلوبة».
حمدوك تحت الضغط
وقالت صحيفة “العرب” اللندنية، إن الاتفاق الموقع بين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك أفقد القوى المدنية ثقتها، فصعدت احتجاجاتها ضدّ اصطفاف المكون المدني إلى جانب المؤسسة العسكرية.
وأصبح على حمدوك الذي أعيد إلى منصبه بعد نحو شهر من انقلاب عسكري أن يحلّ هذه المعضلة السياسية، ويحقق طموحه بتشكيل حكومة تضمن للمدنيين القيام بدور في مرحلة الانتقال العاصفة من حكم الفرد إلى الديمقراطية.
وأكدت الصحيفة، أن إنقاذ الانتقال السياسي، وكذلك سمعته، يحتاج من حمدوك الخبير الاقتصادي صاحب النبرة الهادئة إلى تأكيد استقلاله عن قيادة الجيش، التي فرضت عليه في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الإقامة الجبرية واعتقلت بعضاً من أعضاء حكومته السابقة لعدة أسابيع قبل التوصل إلى اتفاق معه الشهر الماضي يقضي بعودته.
ويقول دبلوماسيون سودانيون، إنه من المحتمل أن يؤدي فشل حمدوك في اكتساب ثقة القوى المدنية مجدداً إلى المزيد من الاضطرابات في السودان، الذي ينذر تعليق الدعم الاقتصادي الدولي له باختلال مالي في وقت يحتاج فيه ما يقرب من ثلث سكان البلاد إلى مساعدات إنسانية.
مخاوف
وقال الكاتب عثمان الميرغني في مقال بصحيفة “التغيير” السودانية، إن الحديث عن المخاوف من انزلاق السودان إلى مواجهات مسلحة وعنف وحرب، أصبح يتكرر كثيراً، وبات على رأس شواغل كل المهمومين بالوطن، ويدركون حجم ما يواجهه من أخطار داخلياً وخارجياً. وتزايد الحديث عن هذه المخاوف بعد انقلاب 25 أكتوبر “تشرين الأول” الماضي الذي أجج الأوضاع، وزاد من حدة التوترات.
وأضاف ميرغني، أن “الثورة تواجه وضعاً لم يواجه كل الثورات السابقة التي عرفها السودان، بسبب السلاح الكثير المنتشر والموجود خارج منظومة القوات المسلحة، وبسبب مشاركة قوات الدعم السريع وقوات قسم من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام، في الانقلاب الأخير. وهذا هو ما يثير قلق الكثيرين من احتمال الانزلاق نحو سيناريو العنف، لا سيما في ظل هشاشة الوضع الأمني في البلاد، والتوترات في بعض المناطق. وهذا هو أيضاً ما جعل جهات داخلية وخارجية تدعو للبحث عن صيغة لاستمرار الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، ودعا البعض لاقتراح مصالحات داخلية مستذكرين ما حدث في جنوب أفريقيا أو رواندا على سبيل المثال على الرغم من الفوارق الواضحة. قد يسأل سائل: هل الشراكة ضرورية؟ ومع من تكون بعد أن انقلب عليها المكون العسكري؟ الشراكة ليست ضرورة بالمطلق، فالقاعدة الأسلم هي ابتعاد الجيش عن مستنقع السياسة الذي أضر بالبلد وبالجيش ذاته وصرفه عن مهامه الأساسية، وجعله عرضة للتجاذبات والاختراقات الحزبية».
استدارة نحو روسيا
نقلت صحيفة “اليوم” السعودية، عن محلل روسي قوله إن السودان بات مضطراً للبحث عن نقاط ارتكاز جديدة في علاقاته الدولية، خاصة مع استياء الولايات المتحدة الذي زاد من اهتمام الخرطوم بقاعدة بحرية روسية. وقال إيغور سوبوتين: يتوقع العسكريون الروس والقيادة السودانية جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بشأن تنفيذ الاتفاق الثنائي على إنشاء مركز لوجيستي للبحرية الروسية في البحر الأحمر.
وبحسب الكاتب، فإنه “وبعد الإعلان عن حل وسط بين السياسيين المدنيين والعسكريين، قالت إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إنها تتوقع مزيداً من التقدم نحو تسوية الوضع في السودان قبل استئناف برنامج المساعدة المالية المعلق».
وأعربت روسيا بدورها عن أملها في أن يساعد تنفيذ الاتفاقات، التي تم التوصل إليها على تسوية الوضع. وفي هذا الصدد، قال خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف: على الرغم من التنازلات المقدمة للجناح المدني للحكومة، لا يزال الجناح العسكري في القيادة السودانية يشعر بالتهديد بفرض عقوبات من الغرب والتدخل الخارجي المحتمل، لذلك فهم مضطرون البحث عن نقاط ارتكاز جديدة يمكن أن تكونها روسيا أو الصين.