فن التوافق غريب على السياسة الفرنسية

غربة الكسكسي عن المطبخ الياباني...!

غربة الكسكسي عن المطبخ الياباني...!


في عدد من البلدان، لم تكن نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة لتثير سوى دهشة عابرة، مجرد حادثة بسيطة في حياة الأمة. وبمجرد أن يُعرف ذلك، يُشرع في دراسة إمكانية وجود هذا التحالف او ذاك، وموضوعات الخلاف القائمة بين الفرقاء، ونقاط الالتقاء القادرة على تهيئة الظروف لديناميكية حكومية.

   في فرنسا، لا شيء من ذلك. في الليل، لو أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، ما كان للارتباك أن يكون أكبر.
   فجأة، بدا كما لو أن الأرض انشقت تحت أقدام الديمقراطية الفرنسية، مهددة بابتلاعها إلى الأبد. لم يعد يُعرف الى أي قديس يتم التوجّه، وفي هذا التّرنّح الكبير، حيث ينظر الجميع إلى بعضهم البعض بريبة وعداوة وقد برزت أنيابهم جاهزة للعضّ، أدركنا أنه لن يكون الامر سهلا بالنسبة للأغلبية، كما هو الحال بالنسبة للمعارضة.

   فن التوافق غريب على السياسة الفرنسية، مثل الكسكسي بالنسبة للمطبخ الياباني. الآخر، الخصم، الشخص الذي لا يشاركك أفكارك، يُنظر إليه دائمًا على أنه الشيطان المتجسد الذي تبدو حتى مناقشته جريمة خيانة عظمى. في فرنسا، نحن لا نتفاوض، بل نقدح ونذم، ونصيح، ونبصق في وجوه بعضنا البعض، ونرتكز بصلابة على مبادئنا.

   لا أعرف من أين تأتي هذه الخصوصية الفرنسية، هذا النوع من الهستيريا التي تمنع الأحزاب السياسية من الاجتماع حول طاولة للعمل من أجل المصلحة العامة. كما لو انه في النهاية أن تبقى بمفردك أهم من أن تشارك في حياة الأمة. أو كما لو أن يعير المرء نفسه لهذا النوع من الممارسات يعني التخلي عن قناعاته، في حين أن الأمر يتعلق فقط بإيجاد أرضية مشتركة مقبولة لجميع الأطراف. البراغماتية ليست هزيمة للفكر، بل هي تكيّف مع الواقع، والقدرة على إيجاد اتفاقات دون إنكار الذات، تعديل للموقف من أجل الاستمرار في التقدّم.

   ما هي الديمقراطية إن لم تكن سلسلة من التنازلات حيث نحاول، عامًا بعد عام، العمل من أجل المجتمع ونحن ندرك أن تلبية انتظارات بعضنا البعض هي مسألة تربيع للدوائر، واستحالة ميتافيزيقية؟ خاصة في فرنسا، بلد الوفاق المفقود، حيث يفضّل أن يُترك الشارع يملي قانونه بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة.

  إنه من خلال اعتبار الآخر عدوًا للجنس البشري -خطرًا على حياة البلد -، ومن خلال تصويره على أنه "ليبرالي متطرف" أو "يساري متطرف"، ينتهي الأمر بالإيمان بمبالغاتنا الخاصة، مما يجعل أي حوار مستحيلاً. انه منطق قاتل، يغرق فيه الجميع مع خطر الضياع الى الأبد. فحتى قبل الاستماع إلى ما سيقوله الآخر، نقول "لا" مقدمًا، نتوقف عن ممارسة السياسة لنغرق في نضالية وتشدد لا طائل من ورائهما.

   خلال فترة الانتخابات نمارس المبالغة والمزايدات اللفظية ووصم الخصم، ما الذي يمكن أن يكون طبيعيا أكثر؟ لكن استمرار هذا الصراع الشامل بعد نتائج الانتخابات، بمجرد سقوط الستار، هو أمر مثير للدهشة. في النهاية، ما هي السياسة إن لم تكن فن التسوية والحل الوسط، وإمكانية إيجاد القاسم المشترك بين وجهات النظر التي تعتبر بداهة غير قابلة للتوفيق؟

   بدون ممارسة التوافق، السياسة ليست سوى ممارسة للعادة السرية، قصيدة عقيمة للمجد الخاص. نحن نستمتع بالمعارضة حتى دون أن ندرك أن هذا العناد لا يخدم قضية أولئك الذين من المفترض أن نمثلهم. فإذا كنا، بأي شكل من الأشكال، لا نؤثر في اتخاذ القرار، وإذا كنا نعارض من أجل أن نعارض، وإذا كنا نرفض وفقًا لمبدأ وجودي أي مرونة، أو أي ميل للتفاوض، فما الفائدة منا إذا كان هدفنا الحفاظ على حالتنا كحمقى، فرد فئوي وطائفي، عاجز عن مد يده لخدمة الصالح العام؟

   أليس من الافضل لعب التنس ضد جدار المرآب دون إزعاج أي شخص. تكمن المشكلة في أن ممارسة الأرض المحروقة، حيث لا يوجد خلاص خارج الجدران الأربعة لعقيدة المرء، تؤدي تلقائيًا إلى رفع منسوب التطرف باتجاهيه. وبما أن الأحزاب الحكومية عاجزة على محو أو على الأقل تليين خلافاتها من أجل المضي قدمًا، ينتهي الأمر بالناخب إلى استنتاج أنها غير مجدية تمامًا، والتصويت في المرة القادمة لمثيري الشغب الذين يندمج عندهم حب الوطن بكراهية الأجانب.

   لذا، يجب أن ننظر في نتائج التشريعية الأحد الماضي، على أنها فرصة لفرنسا. لقد حان الوقت لترك المواقف المراهقة هذه، ونكسب من زاوية النضج وتحمّل المسؤولية، ووضع المصلحة العامة قبل المصالح الحزبية.
   ليس صحيحا ان البلاد باتت لا تحكم، انها تبحث فقط عن توازن حيث يجب أن يفسح القدح الدائم الطريق للحاجة إلى بناء مستقبل مشترك. سيداتي وسادتي، بدلاً من المعارضة للمعارضة، حان الوقت للتوافق.
   لإظهار روح الانفتاح... والتسامح.
   التسامح...
  هذا برنامج حكومي جميل، أليس كذلك؟

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot