يُنسَب إليه افتقارُه للرؤية و الكريزما و الحنكة السياسية :

في عامه الأول في السلطة يخوض رئيس الوزراء البريطاني في مياه مضطربة


كان النصر مدويًا، لكن تبعاته أقل إشراقًا. قبل عام، فاز كير ستارمر بسهولة في الانتخابات العامة البريطانية. منهيًا أربعة عشر عامًا من حكم المحافظين، انتقل إلى داونينج ستريت. لكن شهر العسل كان قصيرًا جدًا. ويواجه زعيم حزب العمال المتعثر أزمة سلطة بين مؤيديه. «إذلال»، «استسلام كامل»، «مهزلة»... ألقت عناوين الصحف - من اليمين واليسار على حد سواء - بظلالها الثقيلة على هذه الذكرى يوم الأربعاء الماضي.

كان كير ستارمر، الذي يكافح للتكيف، قد تجنب لتوه هزيمة برلمانية مريرة على يد مؤيديه في الليلة السابقة. ثار حوالي 126 نائبًا من حزب العمال ضد إصلاح غير شعبي، يقضي بخفض الدعم للمرضى والمعاقين، كجزء من تخفيضات الميزانية. اضطر رئيس الوزراء إلى تقديم تنازلات نهائية لمنع رفض مشروع قانونه من قبل شعبه. لكن هذه الحلقة الكارثية ستترك بصماتها. وتزداد هذه القضية إحراجًا لأنها التراجع الثالث عن موقفه في غضون شهر. اضطر كير ستارمر أولًا إلى التراجع عن إلغاء معونة التدفئة الشتوية للمتقاعدين، والتي أثارت استياءً واسعًا.

 ثم أذن أخيرًا بإجراء تحقيق وطني في الفضيحة المأساوية لـ»عصابات التهييج»، وهي عصابات اغتصاب، معظمها باكستانيون، أودت بحياة مئات الضحايا بين الشابات الإنجليزيات. بقسوة، أعادت بوليتيكو نشر تغريدة لستارمر، تعود إلى سبتمبر  2020 .كتب زعيم المعارضة آنذاك: «لقد تعثر بوريس جونسون وحكومته من أزمة إلى أخرى، ومن تراجع إلى تراجع». وأضاف: «قد يكون تصحيح خطأ واحد، أو حتى خطأين، منطقيًا. لكن بعد اثنتي عشرة تراجعًا (...)، الاستنتاج الوحيد هو استمرار العجز».
في العديد من القضايا، تعثرت الحكومة. تعاني المالية العامة من عجز خطير. في «ميزانيتها الربيعية»، التي كُشف عنها في مارس، حددت وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، خطة توفير بقيمة 14 مليار جنيه إسترليني لمعالجة الوضع. لكن التراجعات الأخيرة في إصلاحات الرعاية الاجتماعية تُقلص من هامش المناورة لديها. تعتقد هيلين ميلر، نائبة مدير معهد الدراسات المالية و هو مركز أبحاث، أن «زيادة الضرائب أصبحت مرجحة بشكل متزايد». وهذا أمر وعدت الحكومة بتجنبه. كانت الحكومة قد تعهدت بموازنة الإنفاق العام الحالي وإيرادات الضرائب بحلول عام 2030 ومما يزيد الطين بلة، أن راشيل ريفز لا تستطيع الاعتماد على النمو، الذي لا يزال ضعيفًا. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7% في الربع الأول، وهو بالتأكيد أكثر من المتوقع، لكن الاقتصاديين يحذرون من أن هذا قد لا يدوم. وقد خفض مكتب مسؤولية الميزانية توقعاته للنمو لعام 2025 إلى النصف، من 2% إلى 1%. ولإعادة تحريك الأمور، اختارت الحكومة تحرير بعض القطاعات وأعلنت عن خطة لاستثمار عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية في البنية التحتية. لكن التأثير سيستغرق وقتًا حتى يظهر. وعلى الصعيد المحلي، يواجه ستارمر صعوبات أيضًا. فبينما وعد بـ»استعادة السيطرة على الحدود»، إلا أن الأرقام صادمة. فقد عَبَر أكثر من 20,400 مهاجر القناة الإنجليزية في الأشهر الستة الأولى من عام 2025، وهو اتجاه يشير إلى رقم قياسي جديد لهذا العام. تُظهر الحكومة عزمها على التصدي لعصابات تهريب البشر لوقف «القوارب الصغيرة»، وتعمل مع باريس على إيجاد أساليب اعتراض أكثر فعالية على الساحل الفرنسي. في الوقت نفسه، يسعى ستارمر أيضًا إلى الحد من الهجرة الشرعية من خلال تشديد شروط منح تأشيرات العمل.
أما على الصعيد الخارجي، فيُعتبر رئيس الوزراء أكثر حظًا. ففي ربيع هذا العام، تمكن من إبرام ثلاث اتفاقيات تجارية: مع الولايات المتحدة للحد من الرسوم الجمركية، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع الهند. وفي قمة غير مسبوقة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل خمس سنوات، وقّعت لندن «شراكة استراتيجية جديدة» مع الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تعزيز العلاقات الدفاعية وتخفيف بعض الحواجز التجارية. ولا يُظهر ستارمر أداءً سيئًا في هذا التوازن بين الولايات المتحدة وأوروبا. فبينما لم يبدأ حزب العمال بموقف إيجابي للغاية من ترامب، لقد أجاد الزعيم البريطاني التفاوض بشأن علاقته بالرئيس الأمريكي المتقلب. وهو يرغب في أن يكون في طليعة الموقف بشأن أوكرانيا، داعمًا «تحالف الراغبين» مع باريس تحسبًا لوقف إطلاق نار افتراضي. دفاعًا عنه، تولى كير ستارمر زمام الأمور في سياق صعب، في ظل اقتصاد بريطاني متعثر وعالم تهتز فيه اضطرابات حربية. لفترة طويلة، اكتفى بإدانة الوضع الذي غادر فيه المحافظون البلاد، قبل أن يدرك أن هذا الخطاب الكئيب كان يُثبط عزيمة البريطانيين والمستثمرين. 
يشير العديد من المعلقين إلى افتقاره إلى الرؤية، بالإضافة إلى افتقاره إلى الكاريزما والحنكة السياسية. قد لا يحصل دائمًا على المساعدة التي يحتاجها. فبعد فترة طويلة من وجوده في المعارضة، لم يكن لدى معظم مستشاريه خبرة حكومية. عند توليه زمام الأمور، تعهد رئيس الوزراء بتطهير الحزب من جناحه «الكوربيني»، الذي كان متطرفًا يساريًا ومُعرّضًا لتجاوزات معادية للسامية. في مواجهة إخفاقات الحكومة، يُسمع صوت هذا اليسار المهمّش مجددًا، ويتحدّى التحوّل نحو الوسط. تنعكس هذه «السنة الأولى» الصعبة في استطلاعات الرأي. فوفقًا لتلخيص دراسات جمعتها بوليتيكو، فإن 62% من البريطانيين لا يوافقون على تصرفات رئيس الوزراء. وفي انعكاسٍ لهذه الكراهية، يستمرّ حزب «الإصلاح في المملكة المتحدة» في الارتفاع. ووفقًا لاستطلاع رأي حديث أجرته يوجوف، لو أُجريت انتخابات عامة غدًا، لكان حزب نايجل فاراج قد تصدّر المشهد بحصوله على 271 مقعدًا. وحذّرت شارون غراهام، رئيسة نقابة «يونايت» الكبيرة، من أن «الناس العاديين يبحثون عن التغيير الجذري، وليس عن الإدارة». ويبدو أن حزب «الإصلاح» هو الذي يُجسّد هذا التغيير اليوم. ويعلق كارل بايك من جامعة كوين ماري في لندن قائلا: «إذا استمر هذا الوضع، فقد ينتهي الأمر بحزب العمال إلى «استراتيجية ماكرون»، حيث يصوت الناخبون الليبراليون لصالحها فقط لمنع الإصلاح، وليس لدعم تفويضها .