(المشهد) الإعلامي الحرّ وكيفية تعزيز دور الشباب

(المشهد) الإعلامي الحرّ وكيفية تعزيز دور الشباب

كلما واجه المجتمع مشكلة لم يألفها من قبل أو مر بمحنة لم يكن لها خطة عمل مدروسة للتعامل معها سلفا، يبدأ الجميع في البحث عن المعلومة والخبر والتحليل لفهم المشهد.
ولهذا قد تتغير صيغ ووسائط ووسائل الإعلام التقليدي أو الجديد أو الإعلام المقيد أو الحر، ولكن سيظل دائما هناك إعلام. قد تتراجع مبيعات الصحف والمجلات المطبوعة ولكنها لن تزول وإنما ستتحول من صيغة إلى أخرى، قد يتراجع تأثير الراديو بسبب اختراع التليفزيون ويتراجع الاثنان بسبب التليفون الذكي ولكن كلهم لن يموتوا ولن يموت الإعلام لأننا جميعا نعيش في المشهد ونريد أن نفهمه كي نحسن التعامل معه وربما إعادة تشكيله بما يتفق مع مصالحنا.

حتى أواخر القرن الماضي، كان كل من حولنا أسرى الشاشات التقليدية والأخبار النمطية وانزوى المشاهدون خلف إطارات ومساحات ضيقة. حتى أنني وأثناء عملي الإعلامي والأكاديمي والحكومي، رأيت كيف استمد الجيل الذي يكبرني معلوماته وأخباره وأبرز أحداث المجتمع من الصحافة والإذاعة والتلفاز رافضين التعاطي مع الإعلام الجديد باعتباره مؤامرة خارجية لتدمير عقولنا.

الى أن تبدّل المشهد بفعل التطور السریع وظهور المدن الكبرى وما تلاهما من تشابك مصالح المجتمعات والمصالح الفردیة، ليكتمل المشهد بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت عملية تبادل المعلومات ومعها الشائعات وأوجدت العالم الافتراضي الذي يسير جنباً إلى جنب مع الواقع المادي، ويسمح للفرد نفسه بامتلاك شخصيتين: إحداهما حقيقية يعيش بها بين الناس في واقعهم المادي، والأخرى: افتراضية متخيلة يمكن أن تكون مصممة وفقا لتصوره الذي يرسمه لنفسه على وسائط التواصل الاجتماعي.

أربع جوانب رئيسية تميّز الإعلام الجديد
شهد قطاع الإعلام ثورات متتالية ارتبطت دائماً بالتطور التكنولوجي، والاختراعات الجديدة. فالطباعة كانت يوماً حدثاً كبيرا وعاملا قلب موازين كثيرة. ومثلها كانت الإذاعة وثم التلفاز، الذي نقل الإعلام إلى مستوى شكلت فيه الصورة العنصر الحداثي الغالب والمسيطر.  وحتى أواسط القرن العشرين كانت مهمة وسائل الإعلام البحث عن الأخبار وتقديمها للمواطنين بصيغ مختلفة، لكن المشهد تبدل خلال الأربعينات من القرن الماضي، فبرز الإعلام الموازي للإعلام الرسمي مع دوره الخاص الذي أعاد تشكيل الهوية الإعلامية في كل بلد. من هنا بدأت حركة وسائل الإعلام بالارتقاء والتطور، ولم تعد الصحافة مجرد خبر يذاع، بل باتت تفاعلية أكثر من ذي قبل. وارتقى العمل الإعلامي، على الصعيد الفني، ولم يعد المواطن ينتظر إلى صبيحة اليوم التالي ليعرف ما جرى بالأمس، فالإذاعات نشطت أكثر، ونشرات الأخبار على القنوات التلفزيونية باتت لأكثر من مرة في اليوم.  

الى أن وصل العالم إلى يومٍ مفصلي بات فيه كل إنسان على كوكب الأرض يعرف بالخبر بعد ثوانٍ من وقوعه، بل ويتعرف إلى تفاصيله وخلفياته وحيثياته، بعد ساعة على أبعد تقدير. وقد تحقق هذا بسبب اكتشاف الإنترنت واختراع الشبكة العنكبوتية إلى جانب ظهور الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وغيرها، والتي أدت الى إنشاء منصات إلكترونية متنوعة والتي جعلتنا نعيش في غرف معيشة بعضنا البعض دون مبالغة.

ومكّن تطور تكنولوجيا الاتصال المرافق لما يسمى بـ"الثورة المعلوماتية"، من دمج تكنولوجيا التواصل والاتصالات مع الإعلام، ما يجعل الخبر اليوم مختلفاً عما كان عليه منذ عشر سنوات فقط. وأصبح الإعلام الحدیث شاملا و مشتركا، أي یتناول جوانب عدة في حیاة الشعوب والمجتمعات. فلم یعد الإعلام فقط يقتصر على جانب واحد بل يشمل جميع جوانب الحیاة بدءاً من السیاسة والمجتمع مرورا بالثقافة وصولا الى الاقتصاد والحوادث والفن والرياضة بل والأخبار الشخصية لأحاد الناس.  

في هذا السياق، يتميز الاعلام الجديد (الحر) الذي نعيشه اليوم عن الإعلام التقليدي (المقيد) الذي عاشه أجدادنا وآباؤنا في أربعة جوانب رئيسية هي: النطاق: بمعنى مساحة النفوذ والانتشار، والتأثير: بمعنى القدرة على تحدي وإعادة تشكيل على البناء المجتمعي والهوية الثقافية، التغيير: بمعنى القدرة على إحداث التغييرات الاجتماعية سواء كانت السلبية أو الإيجابية، والنافذية: بمعنى أن أجهزة الاتصال الحديثة زادت تخطي الإعلام لحاجزي الزمان والمكان مع صعوبة شديدة في الاستناد إلى فكرتي المنع والرقابة.  حين نضع هذه الجوانب الأربعة معا في ما يشبه المعادلة الكيمائية نجد أن النطاق والتأثير والتغيير والنافذية لدى الإعلام الجديد تقتضي من القائمين على الإعلام أن يتطوروا وأن يطوروا من أدواتهم ورسائلهم الإعلامية على نحو يؤدي إلى الاندماج بين وسائل الإعلام المختلفة والتكامل بين المحتوى الرقمي والمرئي والإذاعي لتقديم محتوى إعلامي نوعي يحظى بقبول الشباب وتفاعلهم معه.

الإعلام الحرّ وتعزيز دور الشباب
في دراسة حديثة لمركز الشباب العربي بعنوان " الإعلام الجديد"، تبين أن هناك أربع محفزات رئيسية لاستهلاك الشباب العربي للإعلام وهي: الطمأنينة والشعور بالأمان حيث بينت الدراسة أن النسبة الأكبر من الشباب العربي، ما يقرب من 26%، يستهلك الإعلام لحافز الطمأنينة، بينما 25% يستهلكون الإعلام من أجل النمو الشخصي، فيما يستخدم 24% الإعلام من أجل التقارب الاجتماعي، و25% من أجل التفرد والتميز.
وعليه، فإن الإعلام الحرّ الذي يوفر الطمأنينة والأمان والنمو، يساهم في إعداد جيل فاعل وواع مؤثر لا يتأثر بالمتغيرات المتسارعة، خصوصا تلك التي تحمل طابعاً سلبياً.

ويلعب الإعلام الحر دورا مهما في محاكاة الشباب وزيادة وعيهم في منطقتنا العربية خصوصا، من خلال التركيز على اهتماماتهم وعرض مشاكلهم ومعالجتها، وتوسیع الآفاق وتركیز الإنتباه وتربیة الذوق وفتح الحوار مما یساعد على تحقیق التنمیة.
كما أن وجود إعلام حر يساهم في إعطاء الشباب فرصة التعبير والتحدث في مختلف المجالات والقضايا المجتمعية على نحو يجعلنا على علم بما يخافون وما يتمنون وما يعانون.  

إن وسائل الإعلام الحرة يمكن أن تمكن الشباب الناشئ من تطوير مهارات ربما افتقدها السابقون مثل الاستماع وتقبل الآراء المختلفة. وقد أوضحت بعض الدراسات أن وسائل الإعلام الحر تمنح الشباب فرصة التعبير عن الآراء ووجهات النظر بأسلوب سلمي لا يتم فيه الإساءة الى الاخرين والمساس بهم أو تحويل أفكارهم إلى عنف مادي أو بدني.
خلال سنوات عملي تبدل المشهد الإعلامي العالمي والعربي، توهجت قنوات وانطفأت أخرى، انطلقت منصات وأغلقت معظمها. فعلى الرغم من الفرص التي قدمتها التكنولوجيا لقطاع الإعلام من ناحية الانتشار والمشاركة والتفاعل، إلا أن الاحتياج الأسمى للإعلام يبقى في تمكين الشباب والسعي إلى إيجاد حلول لمشاكلهم، إضافة الى اعتماد الشفافية والمصداقية في عرض المحتوى.
وهذا ما سنسعى لتقديمه للمشاهد العربي في "المشهد".

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot