بعد التشاور مع رئيس الدولة واعتماده.. محمد بن راشد يعلن تغييرات في حكومة الإمارات
نتيجة الانتخابات غير مؤكدة وفي غاية الغموض
من سيكون الرئيس القادم للجمهورية الإيطالية...؟
-- كانت عملية «الأيادي النظيفة» بمثابة نقطة تحول في التاريخ السياسي الإيطالي
-- في عالم مدمر، بقي معقل واحد فقط للسلطة في مكانه: كويرينال
-- انتخابات حاسمة في إيطاليا وأربع فرضيات مطروحة
-- الاختلال السياسي في النظام الإيطالي دعّم الدور المؤسسي للرئيس
-- لا توجد انتخابات في إيطاليا أكثر شمولاً من انتخاب الرئيس
-- لم يسبق أن ربط مصير الحكومة بانتخاب رئيس الدولة الجديد بهذا الشكل
تستعد إيطاليا لإحياء طُقس في قلب السلطة السياسية الإيطالية، انتخاب رئيس الجمهورية. وقبل تحليل الفرضيات الأربعة المطروحة على الطاولة في هذه المرحلة، يجدر فهم لماذا أصبح هذا التعيين وهذه الوظيفة مركزية للغاية في تنظيم الجمهورية الإيطالية.
قصة إيطالية
منذ أوائل التسعينات، تطور دور رئيس الدولة وفقًا للحياة السياسية الوطنية والدولية. داخليًا، كانت عملية “الأيادي النظيفة” بمثابة نقطة تحول في التاريخ السياسي الإيطالي. وآثار تلك السلسلة من التحقيقات القضائية، التي أجريت في مطلع التسعينات، معروفة جيداً: تدمير النظام السياسي للجمهورية الأولى مع اختفاء الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي؛ قطع رأس النخبة وريثة المعجزة الاقتصادية والسياسية ما بعد الحرب؛ الفصل بين القضاء والسياسة؛ إنشاء نظام أغلبي، ثنائي الحزبية، غير مكتمل، وبالتالي غير مستقر، وغير قادر على دفع الإصلاحات المؤسسية. وتزامنت هذه الأزمة المؤسسية الأساسية مع دخول إيطاليا إلى عالم معولم، دون انقسامات سياسية محددة، ومع زيادة ارتهان السلطة الإيطالية للقيود المالية الخارجية الأوروبية.
لكن عواقب “الايادي النظيفة” ليست فقط سياسية أو جيوسياسية، كما أنّ لها بعدًا أنثروبولوجيًا تقريبًا. أصبح الفضاء العام الإيطالي، ووسائل الإعلام، والناخبون، يعرّفون السياسة نفسها على أنها العدو، وكبش الفداء. لقد أصبحت من المهن المؤسفة الخاضعة لدورات متتالية، أكثر أو أقل عنفًا، تعيد نفس الاحداث. إنه خيط احمر ثابت في تاريخ الجمهورية الثانية: أراد سيلفيو برلسكوني استبدال الطبقة السياسية بـ “المديرين ورجال الأعمال”، واعتبر بيبي غريللو أنه من الضروري “رميها”. ولم تعثر رابطة الشمال بزعامة بوسي إلا على عش من اللصوص في روما (روما لادرونا)، واعتبر ماتيو رينزي أن هناك حاجة إلى “وجوه جديدة” بعد إرسال النخب الحاكمة “إلى الخردة”، وقال ماريو مونتي إنه يجب استبدالهم بـ “فنيين من المجتمع المدني».
لم تعرف الطبقة السياسية الإيطالية هدنة، وشهد هذا الغضب المناهض للسياسة، تقطّعات على ايقاع الاكراهات الخارجية في مختلف الأزمات الدولية (1993-2011-2020)، حيث اتخذت الأقواس المفتوحة شكل حكومات فنية. لم يتم إعادة بناء النظام السياسي القائم على الأحزاب على أسس متينة. وتم القاء كامل المسؤولية عن تدهور البلاد –مع انها موزعة بشكل جيد مع قطاعات أخرى -على السياسة الوطنية؛ ولم يتحقق تبادل الاعتراف بالشرعية بين القوى السياسية المتعارضة بشكل كامل، وازداد الفصل بين الشرعية والمشروعية بشكل تدريجي. وفي عالم الخراب هذا، بقي معقل واحد فقط للسلطة في مكانه: كويرينال.
لم تطله أبدًا الفضائح، وظل في صدارة قائمة الثقة في المؤسسات، وكانت شعبية رئيس الجمهورية دائمًا أعلى من شعبية قادة الاحزاب أو رؤساء الحكومات. ليس فقط لأن رئيس الدولة يمثل الوحدة الوطنية، ولكن أيضًا لأن دوره المؤسسي -في نفس الوقت الأم الحاضنة ورجل العناية الإلهية، والسفير الأعلى لإيطاليا على الساحة الأوروبية والدولية -أصبح أكثر أهمية بفضل الاختلالات السياسية في النظام الإيطالي، والقوة المتزايدة للإكراهات الخارجية في سياق التدهور الإيطالي.
إن سلطات الرئيس في غاية المرونة: في زمن ما يسمّى “كاتب عدل الدستور”، وصاحب “سلطة محايدة” نظرًا لمنصبه كحكم، وها هو يفرض نفسه اليوم كمركز للسياسة الإيطالية ومحركها. نوع من الملك الدستوري الذي يمكّنه من التأثير في اختيار رئيس الحكومة وأعضائها، وفي برنامج الحكومة، ومدة المجلس التشريعي، من أجل الحفاظ على إدارة البلاد في المسار الصحيح... لكن هناك المزيد.
وراء هذه الوظيفة، يختفي ما يمكن أن يسمّى “جهاز الكويرينال”. شبكة من السلطة متجذرة بعمق في وسائل الإعلام –”الكويريناليون” غالبًا ما يكونون رسل حقيقيين للرئيس - وفي الإدارة العليا والقضاء - الأمانة العامة للرئاسة هي نوع من المجالس البرلمانية التي يمكنها التحدث إلى قمم ماكنة الدولة، كما يترأس رئيس الدولة الإيطالية رسميًا المجلس الأعلى للقضاء - وفي القوات المسلحة وأجهزة المخابرات - بفضل تعيين مستشارين للرئيس - وفي البرلمان - نظرًا لأن الرئيس دائمًا ما يكون سياسي قديم وخبير، يتمتع بداعمين ومجموعات نفوذ داخل المجلس التشريعي يعملون في ظل القادة السياسيين - وفي السفارات الدبلوماسية - والتي يمكن لرئيس الدولة أن يقيم معها علاقات ولقاءات مباشرة وغير مباشرة.
كتب ميشيل ديبري، ذراع الجنرال ديغول ومهندس دستوره شبه الرئاسي، كتابًا حول هذا الموضوع (هؤلاء الأمراء الذين يحكموننا)، ليبيّن كيف كانت مصائر فرنسا في أيدي نخبة من بضعة آلاف الرجال. فالقرارات الأساسية للبلاد لا يتخذها فرد -الرئيس -ولا جميع المواطنين. وتنطبق نفس الآلية على رئاسة الجمهورية الإيطالية، حتى لو كانت تتمتع بصلاحيات أقل من الناحية القانونية، ولا تستفيد من الاقتراع المباشر للشعب.
مخطئ من يعتقد أن انتخاب رئيس الدولة الجديد هو بيد الأحزاب فقط وتحت رحمة الشائعات في وسائل الإعلام. من الناحيتين القانونية والرسمية، يعود الأمر إلى البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لكن سيكون من السذاجة ألا نرى أن العديد من القوى الأخرى ستؤثر في هذا التصويت.
بطبيعة الحال، تشارك المستشاريات الأجنبية أيضًا في لعبة السلطة هذه، لا سيما تلك الموجودة في البلدان التي تربطها علاقات قوية بإيطاليا. فرنسا، التي حصلت للتو على معاهدة جديدة، مهتمة جدًا بمستقبل كويرينال؛ ولا تزال ألمانيا تراقب عن كثب ديناميكيات السلطة الإيطالية، حتى لو كانت برلين أقل جرأة من باريس؛ ويسعى الكرسي الرسولي دائمًا إلى تأمين ضمانات داخلية ويقين بالخط الدبلوماسي لرئيس الدولة الإيطالية؛ وتسعى الولايات المتحدة والصين إلى نشر نفوذهما الإمبراطوري، ودفع بيادقهما وتفعيل شبكاتهما. بمعنى آخر، لا توجد انتخابات في إيطاليا أكثر شمولاً من انتخاب رئيس الجمهورية.
ومن الواضح أن هذا البعد مرتبط بخصائص هذه الوظيفة: الاقتراع السري، وغياب الترشّحات العفوية، والمنافسة السياسية العرضية بين الأحزاب. وهذه العناصر تفضل تفعيل الشبكات الوطنية والدولية في تعايش بين الديمقراطية التمثيلية ولعبة النخب. وسيتعرض القادة السياسيون ومرؤوسيهم لضغط كبير من هذه الشبكات في الأيام المقبلة.
إن انتخاب رئيس الجمهورية هو تشابك وتداخل كامل للسلطات: الديمقراطية التمثيلية هي واحدة من أهمها، لكنها بالتأكيد ليست الوحيدة. إن سلطة المرشح المحتمل للرئاسة وخبرته وتعاطفه الإنساني ليست سوى جزء صغير من المعادلة، التي سيتم ترجيحها إلى جانب المصالح الاستراتيجية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية والإدارية. ويجب أن يغطي الضمان الذي تقدمه الشخصية الرئاسية طيفًا يتجاوز المجال السياسي. ولهذا السبب بالتحديد، فإن نتيجة هذه الانتخابات غير مؤكدة وفي غاية الغموض. الشخص المختار دائمًا ما يكون محترمًا وسلطويًا في نفس الوقت.
وجهات نظر معاصرة
كيف تصل إيطاليا إلى هذه اللحظة المهمة بالنسبة لمستقبلها المؤسسي؟ بنظام سياسي مجمّد. وهذه الطبقة من الصقيع فوق البرلمان لها اسم: ماريو دراجي. منذ عام، اختارت الأحزاب تعليق نفسها من خلال دعوة التكنوقراط دراجي على رأس الحكومة لمواجهة الطوارئ الوبائية والإصلاحات التي دعت إليها خطة الإنعاش، ودعمه بأغلبية وحدة وطنية تشمل جميع الأحزاب باستثناء فراتلي دي ايطاليا.
لكن لننتقل إلى السيناريوهات المحتملة لانتخاب رئيس الجمهورية. على المستوى البرلماني، الوضع كالتالي: كتلة يمين الوسط تسيطر على 453 مقعدًا (الرابطة، فورزا ايطاليا، فراتلي دي ايطاليا، نحن مع ايطاليا)، كتلة يسار الوسط (الحزب الديمقراطي، حركة 5 نجوم، احرار ومتساوون) 408، والوسط 76 (ايطاليا فيفا والعمل والحركة الجمعياتية الإيطالية في الخارج)، بينما يوجد 78 برلمانيًا في الكتلة المختلطة.
ولانتخاب رئيس في الثلاثة اقتراعات الأولى، تكون الأغلبية المطلوبة 678، بينما تنخفض في الاقتراع الرابع إلى 505 (50 بالمائة +1).
والأرقام واضحة: لانتخاب الرئيس مباشرة، هناك حاجة إلى اتفاق واسع بين ائتلافي اليمين واليسار، بينما في الاقتراع الرابع، المطلوب هو تصويت إحدى الكتلتين بالإضافة إلى تصويت الوسطيين (في هذه الحالة، من اليمين)، أو الوسطيين والكتلة المختلطة (في حالة اليسار). جمود يجعل من الصعب للغاية انتخاب مرشح حزبي حتى بعد الاقتراع الرابع. يبقى التقارب الكامل، أو الجزئي على الأقل، بين المعسكرين هو الخيار الأكثر ترجيحًا. وهذا التقارب تشجعه أيضًا اغلبية الوحدة الوطنية لأنه لم يسبق من قبل أن رُبط مصير الحكومة بانتخاب رئيس جديد للدولة.
وفي هذا السياق، تنفتح أربعة سيناريوهات رئيسية:
أ-ينتخب دراجي رئيساً للجمهورية بأغلبيته الحكومية ويستطيع الائتلاف البقاء على حاله. يتم تعيين رئيس جديد للحكومة -ربما يكون أحد وزراء دراجي التكنوقراط -الذي يشكل هيئة تنفيذية لا تختلف كثيرًا عن القائمة بعد اتفاق بين قادة الاحزاب. ويظل المسار الذي بدأه الرئيس الحالي للمجلس مستمرًا.
ب-يبقى دراجي رئيساً للحكومة لأن اسماً آخر يبرز بسرعة تتوافق حوله الاغلبية الحكومية -أو على الأقل جزء كبير منها. ومن المرجح أن يضعف دراجي، وسيواجه، حتى لو احتفظ بمنصبه، صعوبة في كبح شهية وشرارات الأحزاب السياسية في عام ما قبل الانتخابات.
ج-يُنتخب المرشح بأغلبية تختلف عن الأغلبية الحكومية. وهذا يعني اختيار مرشح من اليمين أو من اليسار يمر في الاقتراع الرابع أو أكثر بتصويت الوسطيين والمجموعة المختلطة، لكن دون اتفاق بين جميع قادة الأغلبية في الحكومة. وسيكون هذا هو السيناريو الأسوأ لأنه، في هذه المرحلة، يمكن أن تدخل الأغلبية في أزمة -مما يعرّض ولاية دراجي للخطر. وستُفتح إمكانيات جديدة لإجراء انتخابات مبكرة أو لتحالف حاكم هش وضعيف للغاية. الخطر هو أن دراجي يخرج ويغلق الباب ويترك الاحزاب في حالة من الفوضى.
د-يجد البرلمان نفسه في مأزق مطلق. تفشل مجموعة من المرشحين المحتملين في اتخاذ القرار فيما بينهم، لغياب اتفاق بين الاحزاب، مما يؤدي إلى وضع لا يمكن فكّه. تطلب جميع الأحزاب تقريبًا في البرلمان من ماتاريلا قبول ولاية ثانية**، بينما يظل ماريو دراجي رئيسًا للحكومة. هذا هو السيناريو الأقل احتمالًا حاليًا ولكن لا يمكن استبعاده تمامًا.
*أستاذ العلوم السياسية وباحث في جامعة لويس جيدو كارلي، روما. تتركز بحوثه حول تاريخ المؤسسات السياسية، ويعمل بشكل على التاريخ الأنجلو أمريكي وتحليل السيناريوهات السياسية. من مؤلفاته “نهاية السياسة؟ التكنوقراطية والشعبوية والتعددية الثقافية” و”صعود البيروقراطية الإدارية، إصلاح الخدمة المدنية البريطانية” و”كابوس توكفيل: تاريخ البيروقراطية الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية»
**عام 2021، أعلن أنه لن يترشح لولاية ثانية، خاصة بسبب سنه.
-- في عالم مدمر، بقي معقل واحد فقط للسلطة في مكانه: كويرينال
-- انتخابات حاسمة في إيطاليا وأربع فرضيات مطروحة
-- الاختلال السياسي في النظام الإيطالي دعّم الدور المؤسسي للرئيس
-- لا توجد انتخابات في إيطاليا أكثر شمولاً من انتخاب الرئيس
-- لم يسبق أن ربط مصير الحكومة بانتخاب رئيس الدولة الجديد بهذا الشكل
تستعد إيطاليا لإحياء طُقس في قلب السلطة السياسية الإيطالية، انتخاب رئيس الجمهورية. وقبل تحليل الفرضيات الأربعة المطروحة على الطاولة في هذه المرحلة، يجدر فهم لماذا أصبح هذا التعيين وهذه الوظيفة مركزية للغاية في تنظيم الجمهورية الإيطالية.
قصة إيطالية
منذ أوائل التسعينات، تطور دور رئيس الدولة وفقًا للحياة السياسية الوطنية والدولية. داخليًا، كانت عملية “الأيادي النظيفة” بمثابة نقطة تحول في التاريخ السياسي الإيطالي. وآثار تلك السلسلة من التحقيقات القضائية، التي أجريت في مطلع التسعينات، معروفة جيداً: تدمير النظام السياسي للجمهورية الأولى مع اختفاء الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي؛ قطع رأس النخبة وريثة المعجزة الاقتصادية والسياسية ما بعد الحرب؛ الفصل بين القضاء والسياسة؛ إنشاء نظام أغلبي، ثنائي الحزبية، غير مكتمل، وبالتالي غير مستقر، وغير قادر على دفع الإصلاحات المؤسسية. وتزامنت هذه الأزمة المؤسسية الأساسية مع دخول إيطاليا إلى عالم معولم، دون انقسامات سياسية محددة، ومع زيادة ارتهان السلطة الإيطالية للقيود المالية الخارجية الأوروبية.
لكن عواقب “الايادي النظيفة” ليست فقط سياسية أو جيوسياسية، كما أنّ لها بعدًا أنثروبولوجيًا تقريبًا. أصبح الفضاء العام الإيطالي، ووسائل الإعلام، والناخبون، يعرّفون السياسة نفسها على أنها العدو، وكبش الفداء. لقد أصبحت من المهن المؤسفة الخاضعة لدورات متتالية، أكثر أو أقل عنفًا، تعيد نفس الاحداث. إنه خيط احمر ثابت في تاريخ الجمهورية الثانية: أراد سيلفيو برلسكوني استبدال الطبقة السياسية بـ “المديرين ورجال الأعمال”، واعتبر بيبي غريللو أنه من الضروري “رميها”. ولم تعثر رابطة الشمال بزعامة بوسي إلا على عش من اللصوص في روما (روما لادرونا)، واعتبر ماتيو رينزي أن هناك حاجة إلى “وجوه جديدة” بعد إرسال النخب الحاكمة “إلى الخردة”، وقال ماريو مونتي إنه يجب استبدالهم بـ “فنيين من المجتمع المدني».
لم تعرف الطبقة السياسية الإيطالية هدنة، وشهد هذا الغضب المناهض للسياسة، تقطّعات على ايقاع الاكراهات الخارجية في مختلف الأزمات الدولية (1993-2011-2020)، حيث اتخذت الأقواس المفتوحة شكل حكومات فنية. لم يتم إعادة بناء النظام السياسي القائم على الأحزاب على أسس متينة. وتم القاء كامل المسؤولية عن تدهور البلاد –مع انها موزعة بشكل جيد مع قطاعات أخرى -على السياسة الوطنية؛ ولم يتحقق تبادل الاعتراف بالشرعية بين القوى السياسية المتعارضة بشكل كامل، وازداد الفصل بين الشرعية والمشروعية بشكل تدريجي. وفي عالم الخراب هذا، بقي معقل واحد فقط للسلطة في مكانه: كويرينال.
لم تطله أبدًا الفضائح، وظل في صدارة قائمة الثقة في المؤسسات، وكانت شعبية رئيس الجمهورية دائمًا أعلى من شعبية قادة الاحزاب أو رؤساء الحكومات. ليس فقط لأن رئيس الدولة يمثل الوحدة الوطنية، ولكن أيضًا لأن دوره المؤسسي -في نفس الوقت الأم الحاضنة ورجل العناية الإلهية، والسفير الأعلى لإيطاليا على الساحة الأوروبية والدولية -أصبح أكثر أهمية بفضل الاختلالات السياسية في النظام الإيطالي، والقوة المتزايدة للإكراهات الخارجية في سياق التدهور الإيطالي.
إن سلطات الرئيس في غاية المرونة: في زمن ما يسمّى “كاتب عدل الدستور”، وصاحب “سلطة محايدة” نظرًا لمنصبه كحكم، وها هو يفرض نفسه اليوم كمركز للسياسة الإيطالية ومحركها. نوع من الملك الدستوري الذي يمكّنه من التأثير في اختيار رئيس الحكومة وأعضائها، وفي برنامج الحكومة، ومدة المجلس التشريعي، من أجل الحفاظ على إدارة البلاد في المسار الصحيح... لكن هناك المزيد.
وراء هذه الوظيفة، يختفي ما يمكن أن يسمّى “جهاز الكويرينال”. شبكة من السلطة متجذرة بعمق في وسائل الإعلام –”الكويريناليون” غالبًا ما يكونون رسل حقيقيين للرئيس - وفي الإدارة العليا والقضاء - الأمانة العامة للرئاسة هي نوع من المجالس البرلمانية التي يمكنها التحدث إلى قمم ماكنة الدولة، كما يترأس رئيس الدولة الإيطالية رسميًا المجلس الأعلى للقضاء - وفي القوات المسلحة وأجهزة المخابرات - بفضل تعيين مستشارين للرئيس - وفي البرلمان - نظرًا لأن الرئيس دائمًا ما يكون سياسي قديم وخبير، يتمتع بداعمين ومجموعات نفوذ داخل المجلس التشريعي يعملون في ظل القادة السياسيين - وفي السفارات الدبلوماسية - والتي يمكن لرئيس الدولة أن يقيم معها علاقات ولقاءات مباشرة وغير مباشرة.
كتب ميشيل ديبري، ذراع الجنرال ديغول ومهندس دستوره شبه الرئاسي، كتابًا حول هذا الموضوع (هؤلاء الأمراء الذين يحكموننا)، ليبيّن كيف كانت مصائر فرنسا في أيدي نخبة من بضعة آلاف الرجال. فالقرارات الأساسية للبلاد لا يتخذها فرد -الرئيس -ولا جميع المواطنين. وتنطبق نفس الآلية على رئاسة الجمهورية الإيطالية، حتى لو كانت تتمتع بصلاحيات أقل من الناحية القانونية، ولا تستفيد من الاقتراع المباشر للشعب.
مخطئ من يعتقد أن انتخاب رئيس الدولة الجديد هو بيد الأحزاب فقط وتحت رحمة الشائعات في وسائل الإعلام. من الناحيتين القانونية والرسمية، يعود الأمر إلى البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لكن سيكون من السذاجة ألا نرى أن العديد من القوى الأخرى ستؤثر في هذا التصويت.
بطبيعة الحال، تشارك المستشاريات الأجنبية أيضًا في لعبة السلطة هذه، لا سيما تلك الموجودة في البلدان التي تربطها علاقات قوية بإيطاليا. فرنسا، التي حصلت للتو على معاهدة جديدة، مهتمة جدًا بمستقبل كويرينال؛ ولا تزال ألمانيا تراقب عن كثب ديناميكيات السلطة الإيطالية، حتى لو كانت برلين أقل جرأة من باريس؛ ويسعى الكرسي الرسولي دائمًا إلى تأمين ضمانات داخلية ويقين بالخط الدبلوماسي لرئيس الدولة الإيطالية؛ وتسعى الولايات المتحدة والصين إلى نشر نفوذهما الإمبراطوري، ودفع بيادقهما وتفعيل شبكاتهما. بمعنى آخر، لا توجد انتخابات في إيطاليا أكثر شمولاً من انتخاب رئيس الجمهورية.
ومن الواضح أن هذا البعد مرتبط بخصائص هذه الوظيفة: الاقتراع السري، وغياب الترشّحات العفوية، والمنافسة السياسية العرضية بين الأحزاب. وهذه العناصر تفضل تفعيل الشبكات الوطنية والدولية في تعايش بين الديمقراطية التمثيلية ولعبة النخب. وسيتعرض القادة السياسيون ومرؤوسيهم لضغط كبير من هذه الشبكات في الأيام المقبلة.
إن انتخاب رئيس الجمهورية هو تشابك وتداخل كامل للسلطات: الديمقراطية التمثيلية هي واحدة من أهمها، لكنها بالتأكيد ليست الوحيدة. إن سلطة المرشح المحتمل للرئاسة وخبرته وتعاطفه الإنساني ليست سوى جزء صغير من المعادلة، التي سيتم ترجيحها إلى جانب المصالح الاستراتيجية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية والإدارية. ويجب أن يغطي الضمان الذي تقدمه الشخصية الرئاسية طيفًا يتجاوز المجال السياسي. ولهذا السبب بالتحديد، فإن نتيجة هذه الانتخابات غير مؤكدة وفي غاية الغموض. الشخص المختار دائمًا ما يكون محترمًا وسلطويًا في نفس الوقت.
وجهات نظر معاصرة
كيف تصل إيطاليا إلى هذه اللحظة المهمة بالنسبة لمستقبلها المؤسسي؟ بنظام سياسي مجمّد. وهذه الطبقة من الصقيع فوق البرلمان لها اسم: ماريو دراجي. منذ عام، اختارت الأحزاب تعليق نفسها من خلال دعوة التكنوقراط دراجي على رأس الحكومة لمواجهة الطوارئ الوبائية والإصلاحات التي دعت إليها خطة الإنعاش، ودعمه بأغلبية وحدة وطنية تشمل جميع الأحزاب باستثناء فراتلي دي ايطاليا.
لكن لننتقل إلى السيناريوهات المحتملة لانتخاب رئيس الجمهورية. على المستوى البرلماني، الوضع كالتالي: كتلة يمين الوسط تسيطر على 453 مقعدًا (الرابطة، فورزا ايطاليا، فراتلي دي ايطاليا، نحن مع ايطاليا)، كتلة يسار الوسط (الحزب الديمقراطي، حركة 5 نجوم، احرار ومتساوون) 408، والوسط 76 (ايطاليا فيفا والعمل والحركة الجمعياتية الإيطالية في الخارج)، بينما يوجد 78 برلمانيًا في الكتلة المختلطة.
ولانتخاب رئيس في الثلاثة اقتراعات الأولى، تكون الأغلبية المطلوبة 678، بينما تنخفض في الاقتراع الرابع إلى 505 (50 بالمائة +1).
والأرقام واضحة: لانتخاب الرئيس مباشرة، هناك حاجة إلى اتفاق واسع بين ائتلافي اليمين واليسار، بينما في الاقتراع الرابع، المطلوب هو تصويت إحدى الكتلتين بالإضافة إلى تصويت الوسطيين (في هذه الحالة، من اليمين)، أو الوسطيين والكتلة المختلطة (في حالة اليسار). جمود يجعل من الصعب للغاية انتخاب مرشح حزبي حتى بعد الاقتراع الرابع. يبقى التقارب الكامل، أو الجزئي على الأقل، بين المعسكرين هو الخيار الأكثر ترجيحًا. وهذا التقارب تشجعه أيضًا اغلبية الوحدة الوطنية لأنه لم يسبق من قبل أن رُبط مصير الحكومة بانتخاب رئيس جديد للدولة.
وفي هذا السياق، تنفتح أربعة سيناريوهات رئيسية:
أ-ينتخب دراجي رئيساً للجمهورية بأغلبيته الحكومية ويستطيع الائتلاف البقاء على حاله. يتم تعيين رئيس جديد للحكومة -ربما يكون أحد وزراء دراجي التكنوقراط -الذي يشكل هيئة تنفيذية لا تختلف كثيرًا عن القائمة بعد اتفاق بين قادة الاحزاب. ويظل المسار الذي بدأه الرئيس الحالي للمجلس مستمرًا.
ب-يبقى دراجي رئيساً للحكومة لأن اسماً آخر يبرز بسرعة تتوافق حوله الاغلبية الحكومية -أو على الأقل جزء كبير منها. ومن المرجح أن يضعف دراجي، وسيواجه، حتى لو احتفظ بمنصبه، صعوبة في كبح شهية وشرارات الأحزاب السياسية في عام ما قبل الانتخابات.
ج-يُنتخب المرشح بأغلبية تختلف عن الأغلبية الحكومية. وهذا يعني اختيار مرشح من اليمين أو من اليسار يمر في الاقتراع الرابع أو أكثر بتصويت الوسطيين والمجموعة المختلطة، لكن دون اتفاق بين جميع قادة الأغلبية في الحكومة. وسيكون هذا هو السيناريو الأسوأ لأنه، في هذه المرحلة، يمكن أن تدخل الأغلبية في أزمة -مما يعرّض ولاية دراجي للخطر. وستُفتح إمكانيات جديدة لإجراء انتخابات مبكرة أو لتحالف حاكم هش وضعيف للغاية. الخطر هو أن دراجي يخرج ويغلق الباب ويترك الاحزاب في حالة من الفوضى.
د-يجد البرلمان نفسه في مأزق مطلق. تفشل مجموعة من المرشحين المحتملين في اتخاذ القرار فيما بينهم، لغياب اتفاق بين الاحزاب، مما يؤدي إلى وضع لا يمكن فكّه. تطلب جميع الأحزاب تقريبًا في البرلمان من ماتاريلا قبول ولاية ثانية**، بينما يظل ماريو دراجي رئيسًا للحكومة. هذا هو السيناريو الأقل احتمالًا حاليًا ولكن لا يمكن استبعاده تمامًا.
*أستاذ العلوم السياسية وباحث في جامعة لويس جيدو كارلي، روما. تتركز بحوثه حول تاريخ المؤسسات السياسية، ويعمل بشكل على التاريخ الأنجلو أمريكي وتحليل السيناريوهات السياسية. من مؤلفاته “نهاية السياسة؟ التكنوقراطية والشعبوية والتعددية الثقافية” و”صعود البيروقراطية الإدارية، إصلاح الخدمة المدنية البريطانية” و”كابوس توكفيل: تاريخ البيروقراطية الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية»
**عام 2021، أعلن أنه لن يترشح لولاية ثانية، خاصة بسبب سنه.