بعد عام على توليها المنصب:

هل إن كمالا هاريس، مستقبل أمريكا...؟

هل إن كمالا هاريس، مستقبل أمريكا...؟

-- خلف الواجهة شبه المثالية، لا تزال هناك أسئلة كثيرة، خاصة حول شعبيتها
-- تنتمي إلى «جيل أوبامـا»، توقع لهـا كثير من المراقبين مستقبلا سياسيا مشـرقا
-- قادمة من التنوع، ذكية، وديناميكية، وقادرة على سد الفجوة بين الجناح اليساري والجناح الديمقراطي الوسطي


   يبدو أن نائب رئيس الولايات المتحدة في طريقها لتصبح مرشحة الحزب الديمقراطي عام 2024، لكن سيتعين عليها التوفيق بين الأطراف التقدمية والمحافظة.    أول امرأة يتم انتخابها لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة، تعمل كمالا هاريس تدريجياً على ترسيخ مكانتها كشخصية رئيسية في الحزب الديمقراطي والسياسة الأمريكية. ولئن يبدو ملفها الشخصي مثالياً للتنافس في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإن شكوكا تترسّخ بعد عام على تولّيها المنصب بخصوص قدرتها على تسلّم المهمّة بعد جو بايدن.

صعود صاروخي
   تعتبر كامالا هاريس، وهي ابنة أب جامايكي يدرّس الاقتصاد وأم هندية باحثة في مجال السرطان، تجسيدًا لـ “الحلم الأمريكي”. بعد نشأتها في أوكلاند، درست القانون في سان فرانسيسكو قبل قبولها في عمادة المحامين عام 1990. انطلقت مسيرتها المهنية عام 2010 عندما انتُخبت مدعيًا عامًا لولاية كاليفورنيا، الولاية الأكثر كثافة سكانية والأقوى في الولايات المتحدة. لكن عام 2016، بعد انتخابها سيناتورة، ازدادت سمعتها على الصعيد الوطني وفتحت لها أبواب واشنطن. وبأسلوب الواثق والحازم، سرعان ما تم اعتبارها نجمة صاعدة للحزب الديمقراطي.

تنتمي إلى “جيل أوباما”، توقع لها عديد المراقبين بمستقبل سياسي مشرق. واثقة، ومنتبهة إلى أن المرشحين الرئيسيين هم من كبار السن، دخلت كمالا هاريس عام 2019 سباق التمهيدية للحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. ستكون المغامرة قصيرة الأجل لأنها لم تتمكن أبدًا من خلق الزخم، وستستسلم لإيقاف حملتها في بداية ديسمبر 2019، حتى قبل بدء المواجهات.

  سنحتفظ من هذا الترشح السريع بهجومها المباشر ضد جو بايدن خلال مناظرة متلفزة حول معارضته في الماضي للحافلات، وهي أداة لإلغاء الفصل العنصري تتمثل في إعادة تنظيم النقل المدرسي عن طريق إرسال الأطفال إلى مدرسة مختلفة عن تلك الموجودة في الحي الذي يقيمون فيه بشكل يعزّز التنوع الاجتماعي والعرقي داخل المؤسسات العامة. “كانت هناك فتاة صغيرة تنتمي الى الجيل الثاني التحقت بالمدارس العامة. وكان يتم اصطحابها بالحافلة إلى المدرسة كل يوم... تلك الفتاة الصغيرة هي أنا”، صعقته في ذلك المساء.

   فائز في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، لم يحمل رفيق باراك أوباما السابق أي ضغينة ضدّها وعيّنها في منصب نائب الرئيس. هو الأبيض والمسنّ، كان يحتاج إلى شخص يمثل التنوع في أمريكا ليرافقه في هذه المغامرة.
   كامالا هاريس هي ثالث مرشحة لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة، سارت على خطى الديمقراطية جيرالدين فيرارو (1984) والجمهوريّة سارة بالين (2008). وعلى عكس الأخيرتين، دخلت التاريخ السياسي الأمريكي من بوّابة أنها اصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب المرموق بعد فوز جو بايدن على دونالد ترامب في نوفمبر 2020. وفي سياق حركتي مي تو وحياة السود مهمة، فإن الرمز قوي. ولم يخطئ الجهاز السري الذي يحميها في تخصيص “بيونيار”(رائدة) كاسم رمزي لها.

وريثة جو بايدن؟
   ورغم إشاعة حاشيته جوا من الشك، يظل من الصعب أن نتخيل أن الرئيس الأمريكي سيحاول المغامرة الرئاسية مرة أخرى عام 2024 للفوز بولاية ثانية عن عمر يناهز 82 عامًا. لذلك يبدو أن كامالا هاريس في طريقها لأن تصبح مرشحة الحزب الديمقراطي عام 2024. ويعتبرها الكثيرون الوريثة المعيّنة لجو بايدن، ولديها العديد من الأوراق الرابحة لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة أول قوة عالمية.

   قادمة من التنوع، ذكية، وديناميكية، وقادرة على سد الفجوة بين الجناح اليساري والجناح الديمقراطي الوسطي، يبدو ان نائب الرئيس الحالي، هي الشخص المثالي لخلافته.  وعلى غرار موطنها الأصلي كاليفورنيا، فهي تمثل أمريكا المستقبل.

هذا هو أيضًا عنوان السيرة الذاتية التي سخّرها لها جان إيريك برانا، الأستاذ المحاضر في جامعة باريس-بانثيون-أساس، والباحث في مركز ثيوسيديد.
   لكن، خلف هذه الواجهة شبه المثالية، لا تزال هناك أسئلة كثيرة، تتعلّق خاصة بشعبيتها. يشير مجمّع الاستطلاعات الجاد للغاية “فايف ثري ايت”، إلى أن 40 بالمائة فقط من الأمريكيين راضون على عمل كامالا هاريس في 25 ديسمبر الماضي. وكانوا 55 فاصل 2 بالمائة في أبريل.

    ومع ذلك، من الصعب استنتاج أي شيء من هذه الأرقام قبل ثلاث سنوات من القدّاس الانتخابي المقبل، خاصة أن المهام الموكلة إلى نائب الرئيس غالبًا ما تكون ثانوية. ويبدو أنها تعاني على وجه الخصوص من تراجع شعبية الرئيس المتعثر مؤخرًا في مفاوضات لا تنتهي في الكونجرس، وحمّلته الصحافة مسؤولية الانسحاب من أفغانستان. كما تم انتقاد بعض ملاحظاتها، لا سيما خلال رحلتها إلى غواتيمالا التي طلبت خلالها من مهاجري أمريكا الوسطى “عدم القدوم إلى الولايات المتحدة».

   كما ان خطها السياسي، لا تقدمية ولا محافظة، يعرّضها لانتقادات من الطرفين الديمقراطيين. أخيرًا، تجعل منها شخصيتها وصورتها هدفًا مفضلًا للجمهوريين والرئيس السابق: كونها امرأة ملونة وديمقراطية وقوية ومتألقة، يزعج الرجعيين الأمريكيين، ويمكن أن تكون عنصرًا يحشد أمريكا المحافظة أثناء الانتخابات.

   من الصعب اليوم التنبؤ بمستقبل كامالا هاريس، لكن هناك شيء واحد مؤكد: اسمها محفور من الآن في تاريخ الولايات المتحدة. فبالإضافة إلى كونها أول نائب رئيس، أصبحت أيضًا أول رئيسة في 19 نوفمبر 2021، عندما اضطر جو بايدن إلى إجراء تنظير القولون الذي يتطلب تخديرًا عامًا، ونقل السلطة إليها طيلة ساعة و25 دقيقة، وهو مدّة العلاج