ذكرنا في الأجزاء السابقة أن في القرية العالمية رموزا ووجوها مشرقة ومتألقة ومبتكرة تشارك فيها وتستحق أن تنشر حكاياتها وإبداعاتها وإبتكاراتها لتكون في سيرة حياتها قدوة لغيرها.. هؤلاء صنعوا أنفسهم بأنفسهم شاقين حياتهم بمجهوداتهم الفردية حتى تألقوا وذاع صيتهم وأصبحوا ملاحقين من الآخرين يريدون السير على هداهم.. وأنا أعتقد أن مشاركة هؤلاء المبدعين والمبتكرين في القرية العالمية فخر لها قبل أن يكون ذلك فخر لهم, وهم كما يقال أنهم عصاميون من الألف إلى الياء.. وهنا نسرد حكاية إبداع ومثابرة وتصميم على النجاح لإشباع الهواية إلى جانب العمل.

الوجة المبتسم الهاوي مريم الدجاني
الطبيبة مريم الدجاني ولدت في كندا لأب وأم طبيبين ذهبا إلى كندا لإتمام دراساتهما العليا ولذا ولدت مريم هناك, وبعد خمسة أعوام عادت مع والديها الى مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية وهناك التحقت بمدرسة الرياض الأهلية وأتمت دراستها الابتدائية.. وتوجهت بعدها إلى مدينة لندن ببريطانيا مع والدتها التي ذهبت إلى لندن لتتم بعض دراساتها ومكثتا مدة عامين هناك ثم عادتا إلى مدينة الرياض, ودرست مريم المرحلة الإعدادية ما بين مدارس لندن والرياض إلى أن أتمت تلك المرحة.. في بدء المرحلة الثانوية توجهوا جميعا إلى مدينة جدة وإلتحقت مريم المدارس الثانوية وأتمت تلك المرحلة.. بعدها إلتحقت مريم بجامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة وتخصصت في طب الأسنان وقضت مدة الدراسة سبعة أعوام بها.

بعدها توجهت مريم إلى أمريكا لدراسة الزمالة ونيل درجة الماجستير في طب أسنان الأطفال كما حصلت على البورد الأمريكي أيضا.. وعندما عادت مريم إلى مدينة جدة إلتحقت كعضوة بهيئة التدريس بدرجة أستاذ مساعد في جامعة الملك عبد العزيز, وفي نفس الوقت إفتتحت عيادة خاصة بها بطب أسنان الأطفال وإستمرت في التدريس وفي عيادتها إلى أن عم وباء كورونا العالم وتم فرض الحجز الصحي في اللملكة العربية السعودية بأكملها.

اغتنمت مريم تلك الفرصة السانحة في تنمية مهاراتها في مجال الحلويات التي أحبتها وأحبت عملها منذ الصغر وكانت تتفنن في صناعتها بأنواعها المختلفة, ودرست عدة دورات عن بعد في هذا المجال مع الممارسة العملية المستمرة وركزت كثيرا على حلويات الدونتس وأجرت تجارب كثيرة لتتفنن في تطوير حشواتها إلى أن وصلت إلى حد الإبداع فيها.. وهذا جعل صديقاتها اللواتي جربن حلوياتها وكذلك والديها الضغط على مريم لتبدأ مرحلة الإنتاج التجاري في مجال حلويات الدونتس بكل حشواتها المختلفة والشهية, وإفتتحت لنفسا ولحلوياتها صفحة على وسائل التواصل الإجتماعي وخاصة الإنستجرام وانهالت عليها الطلباتوأصبح لها زبائن دائمين يطلبون حلوياتها بكثرة.

استمر هذا الوضع لمدة ستة أشهر توقفت بعدها مريم نتيجة ضغط العمل وخصوصا العمل الجامعي واستمر توقفها عاما ونصف العام ولكن لم تنس خلال تلك الفترة تطوير مهاراتها في دورات عن بعد واستمرت حتى يونيو عام 2022م.. بعدها قررت مريم أن تغير هوية المحل حتى تعود لافتتاح مخبزها المنزلي وتعود للبيع من خلاله من المنزل وإعادة افتتاح مخبزها المنزلي باسمه الجديد (بيكو بيكري).
خلال ذلك شاهد المسؤولون في إدارة سوق القطارات بالقرية العالمية بدبي صفحتها على الإنستجرام واقتنعوا وأعجبوا بحلوياتها مما جعلهم يتصلون بها ويعرضون عليها المشاركة بحلوياتها في سوق القطارات بالقرية العالمية في موسمها السابع والعشرين, ووافقت مريم على ذلك لأنها تتطمح إلى إشهار حلوياتها وانتقالها إلى مرحلة العالمية وأن تعرف كل الدنيا بحلوياتها التي تبدع فيها ويزداد إبداعها يوما بعد يوم.. وحضرت مريم إلى القرية العالمية مشاركة فيها واختارت محلا لها في سوق القطارات ومشاركتها هذه للمرة الأولى.

الجدير بالذكر أن مريم تقوم بعمل حلوياتها يوميا طازجة وبنفسها وتحضرها لمحلها بالقرية العالمية لأن الضيوف أعجبوا بحلوياتها كثيرا وازداد الطلب عليها, وهذا ورغم التعب المضني في إنجاز الحلويات يوميا يسعدها لدرجة كبيرة، وأن حلوياتها أصبحت معروفة للضيوف الذين يأتونها يوميا لتذوق وشراء حلوياتها التي تبدع في ابتكار حشواتها وأصبح لها زبائن دائمون, لاسيما وأن حلوياتها تتنوع ما بين العربية والغربية من الدونتس المحشو بحشوات مبتكرة.
ولأن مريم لديها اعتزاز بالثقافة العربية جعلها تبدع في حشوات حلوياتها وتفردت فيها دون غيرها مثل الدونتس بحشوة كريمة معمول التمر, وحشوة كريمة الفانيليا بالهيل.. كما أنها لم تنس النكهات الغربية فعملت دونتس بحشوات غربية مثل حشوة مربى التوت, وحشوة فطيرة التفاح, وحشوة النوتيلا والشوكولاتة, بمعنى آخر مزجت مريم الثقافة العربية والغربية معا.. وكل هذا تقوم بهه مريم دون الإستعانة بأي مصنع آخر للحلويات.. إن ما تعرضه مريم من حلوياتها التي تبدع فيها وتبتكر قدر ما تستطيع يشبع شغفها وحبها للحلويات وحشواتها المتعددة والمتنوعة حيث أنها تعملها من مواد طازجة وطبيعية مائة في المائة وتقدمها لضيوفها وزبائنها أينما وجدوا سواء في المملكة العربية السعودية أو في القرية العالمية بدبي أو في أي مكان آخر.

اعتادت مريم أن تقدم ابتسامتها المشرقة قبل حلوياتها لضوفها وزبائنا.. وتقول إنها دائما مبتسمة حتى في أصعب ظروفها, في بيتها وفي عملها ومع والديها ومع صديقاتها ومع زملائها في العمل, وهي تعودت منذ صغرها على الإبتسام أمام أي وجه تقابله, ولهذا السبب أحبها الكثير ممن حولها ويدعونها دائما الإنسانة ذات الأبتسامة المشرقة الندية.

الوجه الحرفي المحترف نجاح العنيزي
نجاح العنيزي سيدة سعودية دؤوبة مكافحة تغزل السدو على النول في جناح المملكة العربية السعودية بالقرية العالمية وتصنع منه أشكالاً ومنتجات عديدة مثل الشالات والحقائب النسائية وأساور اليد والسجاد وأغطية الوسائد والخداديات وتعليقات للمتاحف ولكل المناسبات وغير ذلك من المنتجات, ولدت في مدينة الرياض ثم غادرتها مع أسرتها إلى أطراف مدينة حائل ثم انتقلوا إلى القصيم.
عندما بلغت من العمر 12 عاما وهي ما زالت فتاة صغيرة تعلمت هذه الحرفة من والدتها التي كانت تتقنها, ولم يسعدها الحظ بأن تتعلم مثل غيرها من البنات بل كانت يساعد والدتها في غزل الصوف اللازم للسدو بعد جزه من الماشية التي كانوا يربونها, ثم بدأت بتعلم الغزل من والدتها بطريقة النظر فقد كانت تلاحظ الطريقة التي كانت تغزل بها والدتها فتعلمتها بل وأتقنتها, كما تعلمت أيضا فن التطريز على القماش وغيره.. وأصبحت نجاح اليد اليمنى لوالدتها حيث فقامتا بعمل بيتهم مما غزلوه وكان هذا سائدا أيامها أيام الزمن الأول منذ اربعون عاما، كما كانت تقوم بغزل كل لوازم البيت التي تصنع من السدو.

بعد ذلك ومنذ عشرين عاما مضت اتجهت نجاح للتجارة في هذا المجال وتعرفت على جمعية حرفة في القصيم وكانت تؤدي وتعمل ما تطلبه ما تطلبه منها الجمعية من منتجات غزل السدو, بالإضافة إلى ذلك إلى تطريز القماش والخداديات وأغطية الوسائد وغير ذلك وكان هذا نظير أجر تتقاضاه نجاح من جمعية حرفة ومازالت تتعاون مع الجمعية حتى الآن.. وأرسلتها الجمعية إلى الرياض لتعقد دورات تدريبية لطالبات المدارس والجامعات وكان هذا منذ ستة أشهر.
وتعاونت نجاح مع هيئة السياحة السعودية التي أرسلتها إلى مدينة الرياض للحي الدبلوماسي وأيضا في معرض المربع لتعرض فيهما حرفة السدو, وأشركتها أيضا في مهرجان الفليجة بمدينة القصيم, وأرسلتها إلى دبي لعرض حرفتها بجوار برج خليفة.. وتعاونت نجاح أيضا مع بنك التنمية الأجتماعي الذي أرسها إلى فعاليات متعددة في المملكة تغزل فيها السدو, فأشركها في ربيع بريدة أربع مرات, وفي مهرجان مدينة الطائف, وفي معرض الكتاب بمدينة الرياض, ثم في القرية العالمية بدبي لتشارك بحرفتها في جناح المملكة العربية السعودية بالقرية لتعرض حرفة وفن غزل السدو للضيوف.

الجدير بالذكر أن جمعية أعمال بمدينة الرياض والتي ترعى الأيتام والأسر الفقيرة أوكلت إليها منذ شهر تقريبا تدريب الفتيات من هؤلاء لمدة شهر على حرفة غزل السدو مما إضطرها إلى مغادرة القرية العالمية لتنفيذ هذه الدورة وعادت بعد إتمام مهمتها إلى القرية العالمية مرة أخرى وهي الآن تقوم بعرض فنها وحرفتها لضيوف الجناح السعودي وضيوف القرية العالمية.