لقطع الطريق على اليمين المتطرف
أي ناخب من اليسار سيصوت لماكرون في أبريل...؟
-- كشف ماكرون حقيقة تم قمعها منذ فترة طويلة: العديد من الناخبين الاشتراكيين يمينيون أكثر من حزبهم
-- اليسار في حالة ذهول من انتشار الأيديولوجيات المهووسة
-- طيلة خمس سنوات، لا تعبئة ولا استجواب تم حله سياسيًا
-- عانى اليسار من نقص مزمن في الاستراتيجية ضد ماكرون
-- كل شيء جاهز لكي يوقّع ناخبو اليسار على شهادة وفاته بأنفسهم
-- رغم خلافاتهم الأساسية مع الرئيس المنتهية ولايته، تظل ورقة الاقتراع لصالحه هي أقل الشرور
فقدوا البوصلة، وفي حيرة من تفتّت اليسار وإمحائه، قد تغري ورقة إيمانويل ماكرون جزء من الجسم الانتخابي الفرنسي، فهو الأخير القادر على منع اليمين أو أقصى اليمين من الفوز في الانتخابات الرئاسية. هل يوجد يساري-ماكروني؟ وهل يمكن أن تُستخدم ورقة إيمانويل ماكرون من قبل الناخبين اليساريين، الذين عارضوا تصويت ماكرون عام 2017، والذين غدا في حالة من الإرهاق الديمقراطي، ومنزعجين من مصير اليسار، وحريصين، كملاذ أخير، على تجميد المشهد السياسي، بدلاً من رؤيته يسقط في أحضان اليمين، يلقون في النهاية باسمه في صندوق الاقتراع؟ منطقيا، يجد الناخبون من “شعب اليسار” صعوبة في التعامل مع الاتجاه اليميني المتزايد للخطاب السياسي.
إن كان سيوجد “يسار ماكروني”، فسيكون ذلك نتيجة انتقال كبير للناخبين اليساريين نحو التصويت لماكرون. في المقابل، يمكن أن يلتقي المرشح الرئاسي، وهو في طريقه إلى صناديق الاقتراع، ناخبين بخيارات وتموقع يساري، لكن من يمكنه أن يقيم معه “تحالف الدقيقة الواحدة”، وقت دخول الخلوة. لا يستبعد عدد لا يستهان به من الناخبين اليساريين فرضية التصويت لماكرون.لن يكون الحشد المأمول أو المتوقع أو المُثار للقادة الاشتراكيين السابقين هو الذي سيضمن إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا للجمهورية؛
إنقاذ اليسار
«الانتخابات التمهيدية الشعبية”، التي كان من المفترض أن تنقذ اليسار من خلال وحدة معلنة بالتصويت الإلكتروني، اقترحت خاصة أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ اليسار من معاناته هي ظهور وتعيين مرشح يتمتع بشخصية كاريزمية كافية للخروج من الركود والوهن. لذلك، تم التعامل مع الحملة الرئاسية من خلال تعيين شخصية موحدة، أو على الأقل تقديمها على هذا النحو من قبل المبادرين بالعملية.
في الواقع، يُفترض أن تكون “الانتخابات التمهيدية الشعبية” مناهضة للحزبية بامتياز. فهي لا يأخذ في الاعتبار الفروق المبرمجة بين اليساريين فحسب، بل تدفن أيضًا شكل الحزب الموروث من قسم البيك، رحم الأحزاب اليسارية هذه. لا تثير “التمهيدية الشعبية” خيارًا بقدر ما هي عملية جمع للمشاعر الفردية: إنها نفي متعمد لفكرة العقل الجماعي، مع انها هي التي صاغت في الماضي القدرة على الوصول الى السلطة.
اختار الحزب الاشتراكي، من خلال اللجوء إلى الساحة العامة لينتعش، اللجوء إلى شكل من أشكال مناهضة مركز الدراسات والبحوث والتعليم الاشتراكية، وهو تيار اليسار الذي سمح بمؤتمر أبيناي. هذه المرة، اختار اليسار إدارة حملة رئاسية على أساس ما هو في الواقع أجمل نموذج مناهض للحزبية عرفه التاريخ. تضع حملة كريستيان توبيرا في خدمة اليسار، كاريزما أحد أفضل الخطباء في البلاد من أجل دفاع عنيد يهدف إلى الحفاظ على فكرة اليسار ذاتها.
هل تستطيع الماكرونية استيعاب ناخب
من ميلينشون؟
الجوهر الأصلي لماكرون هو بلا شك اشتراكي-ليبرالي. قبل خمس سنوات، كانت هذه العائلة الأيديولوجية لا تمثل سوى حوالي 6 بالمائة من الناخبين، لكنها أصبحت أساسًا كافيًا لبدء احتلال انتخابي للبلاد، حيث جمعت على مدار أشهر العائلات الأيديولوجية والمجموعات الاجتماعية الأخرى التي أثبتت تقاربها، سواء من حيث مفهوم الاقتصاد والسياسات الواجب تنفيذها ومن حيث التوافق مع اليسار أو اليمين.
في النهاية، كان حوالي نصف الناخبين الذين ناصروا فرانسوا هولاند عام 2012 هم من استحوذ عليهم إيمانويل ماكرون في صندوق الاقتراع عام 2017، بينما ضخّم النصف الآخر كتائب الناخبين لصالح جان لوك ميلينشون، مما أدى إلى تفكك الناخبين الاشتراكيين. بعد خمس سنوات، وأبعد ما يكون عن الانحسار لدى جمهور ناخبي اليسار، فإن التصويت لماكرون لديه إمكانات أكبر بكثير من الانجذاب البسيط الذي يمارس على الليبراليين الاجتماعيين والناخبين الاشتراكيين الأكثر اعتدالًا.
منذ عام 2017، كان هناك تحول نحو يمين الوسط للناخبين الاشتراكيين السابقين الذين أصبحوا ناخبين لإيمانويل ماكرون.
ومستفيدًا من الدعم الحاسم لجزء من الشعب الاشتراكي، كشف إيمانويل ماكرون أيضًا عن حقيقــــة مكبوتـة منذ فترة طويلة: العديد من الناخبين الاشتراكيين كانوا يمينيين أكثر من حزبهم.
ورقة ماكرون قارب نجاة؟
قبل خمس سنوات، لم ينضم ناخبون اشتراكيون سابقون آخرون إلى إيمانويل ماكرون، حيث رفع عدد أصواتهم رصيد جان لوك ميلينشون، الذي اقترب من 20 بالمائة، وخسر بصعوبــــة التأهل إلى الدور الثاني.
هل توجد اليوم مجموعة من الناخبين اليساريين، المعادين لماكرون بالأمس، ويمكنهم في النهاية التصويت لصالح المرشح القريب من حزب الجمهورية الى الامام، بينما يعارضون سياسته؟ تم طرح هذه الفرضية من قبل مؤسسة جان جوريس في دراسة أجرتها BVA خلال النصف الأول من أكتوبر 2021.
قد تكون إحدى عواقب الانهيار الداخلي لليسار الحزبي تحرير الناخبين من الاصطفاف على اليسار، وتفضيل الاستراتيجيات الفردية التي تستجيب لما يعتبره هؤلاء الناخبون اساسيا.
ومن الواضح أن فصل المنافسة بين المرشحين المهمشين لا يمكن أن يكون رهانا أو دافعًا في خلوة التصويت.
غارقون في حالة من الارتباك والتيه امام نواقص اليسار، ومع انهم يدعمون نسبيًا الأشكال المختلفة للاحتجاج الاجتماعي التي هزت البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، يواجه الناخبون اليساريون معضلة.
وأمام الهزّات المتكررة التي تضرب الحياة السياسية الفرنسية، قد يرى بعض الناخبين، بشكل مجرد، أنه رغم خلافاتهم الأساسية مع رئيس الجمهورية، تظل ورقة الاقتراع لصالحه هي أقل الشرور، ولا شك، طريقة للخروج من فترة عنف النقاش العام وعنف الحياة الديمقراطية، التي هدأت لعدة عقود إلى درجة الاعتقاد بأن جميع العداوات الاجتماعية والسياسية قد وضعت تحت التخدير.
قيم يسارية وغريزة
البقاء ضد اليمين المتطرف
في خلفية هذه الحملة الرئاسية، يجب أخذ الروح المعنوية للفرنسيين، والتي وصفها مسح أجرته مؤسسة جان جوريس بأنه يغلب عليها الكآبة والتعب، في الاعتبار. حقيقة مفيدة ومثيرة للاهتمام بشكل خاص لوضع بعض الفرضيات حول المستقبل، إن بنية الروح المعنوية للفرنسيين تشبه معنويات الإيطاليين، ولا يمكن لأشكال الاحتجاج إلا أن تتأثر بمعنويات البلد.
يعتبر المجتمع الفرنسي مسرحًا لسلسلة من السخط والغضب أصبح لا يمكن التنبؤ بها بشكل متزايد، مع رؤى متنوعة للعالم وأهداف متباينة. طيلة خمس سنوات، لا تعبئة ولا تساؤلات تم حلها سياسيًا. وبطريقة ما، ربما أدى “الشتاء الروسي” الماكروني إلى شلّ حركة معارضيه، الأمر الذي لم يجلب أي رد سياسي شامل.
إن الشراسة التي باتت تطبع النقاش العام وتفجر أشكال العنف، ليس فقط اللفظي ولكن الجسدي أيضًا، أمر مقلق لجزء من السكان. وإذا كانت “السترات الصفراء” تجسد حركة اجتماعية ذات دوافع متجذرة بقوة في فئات اجتماعية مختلفة، فإن تحدي رئيس الجمهورية انحرف نحو إعدام الانسان ماكرون وكرهه، وتطوير الحملات عبر الشبكات الاجتماعية، وغرس الشك في المؤسسات والمسؤولين المنتخبين والأشخاص، حول مجموعة واسعة جدًا من الموضوعات التي استثمرها أتباع أطروحات “المؤامرة” جزئيًا. كما ان التهديدات الجسدية أو بالقتل، اصبحت حقيقة تتكرر بشكل متزايد. وما الاعتداء على النائب -رومان غراو -في بربينيان الا تأكيد لهذا الجو من العنف المتفجر والمتقطع.
لقد عانى اليسار من نقص مزمن في الاستراتيجية ضد ماكرون: بالنسبة للحزب الاشتراكي، فإن التواطؤ مع الرئيس قد أفسح المجال لصمت مستمر في حين أن هذا الرئيس نفسه لم يتعرض لانتقادات جذرية لأفعاله، ولكن لانتقام مطبوع بكراهية للشخص. لا شك أن قوى اليسار الأخرى لديها مشروع، لكنه لا يثير أي شيء ملحوظ في المجتمع. في غضون ذلك، يحتضن النشطاء على اختلاف أنواعهم أي قتال طالما أنه يضر بإيمانويل ماكرون.
لا شك أنه سيكون من الضروري تقييم حالة التساهل العام فيما يتعلق بثقافة تميل إلى كره الإنسان، ولكنها غير قادرة على تحليل وانتقاد سلوك البلد طيلة خمس سنوات، بل وأكثر من ذلك غير قادرة على تحديد موقع لحظة ماكرون في إطار زمني أطول.
غير قادر على العمل مع حركة اجتماعية مثل “السترات الصفراء”، وهي علاقة جدلية توفر منافذ ومخارج، من الواضح أن اليسار في ذهول من انتشار الأيديولوجيات المرضيّة والمهووسة. يمكن أن تستند كراهية إيمانويل ماكرون إلى قراءة أو رفض الصحافة الشعبية فقط. ومع ذلك، لا يمكن تشكيل معارضة على أساس هذا الاستياء البسيط. ويتطلب النقد الفعال لسياسة الرئيس ماكرون قراءات أخرى خالية من الأطروحات التأمرية، وهو أمر أكثر صعوبة. لا شيء في هذا الشأن، صادر من اليسار، قد تغلغل وترسّخ في البلاد.
غموض الحزب الاشتراكي ، الذي كافح في بداية فترة الخمس سنوات للانخراط في الأغلبية الرئاسية - وهو انضمام من المفترض أن يوفر بضع عشرات من المقاعد، لكن رفضته السلطة الجديدة - ، ورحيل كبار كوادر حزب “أوروبا البيئة-الخضر” ليتبنوا القضية الماكرونية ، والخيار الاستراتيجي لـ “فرنسا المتمردة” لمخاطبة الأقلية الراديكالية الأكثر صخباً بدلاً من اللجوء إلى الناخبين الأكثر اعتدالاً الذين بدأوا يثقون به ويفكرون في الانضمام إلى صفوف ناخبيه ، كل هذه العناصر أربكت ناخبون حريصون على الحفاظ على إطار ديمقراطي ونقاش عام مستقر ومحصّن ضد جميع أشكال العنف.
يغري الناخب اليساري، مثل غرينادير فلامبو دي روستاند، ان “يمنح نفسه كلمة المرور”. إذا لم يضع علمه في جيبه، وإذا التقطه وأصدر الأوامر لنفسه، بما ان أي قوة حزبية لم تقدم له تعليمات ترسم مسار المستقبل، فقد يتم دفعه لاتخاذ خيار مستقل لتفادي نتيجة تكون لصالح ما يبدو له أنه الأسوأ. تشير الدراسة التي أجرتها مؤسسة جان جوريس إلى هذا الإغراء الكبير على اليسار: “فكرة” التصويت المفيد، لعرقلة أقصى اليمين “أقوى حتى بين المتعاطفين مع “أوروبا البيئة-الخضر” الذين يمكنهم التصويت لإيمانويل ماكرون (56 بالمائة منهم) وأيضًا قوية بين المتعاطفين مع “فرنسا المتمردة” (41 بالمائة).
أسوأ اليسار إلى
اليمين في العالم
مع وجود مرشح يميني، وخاصة مرشحين اثنين عن اليمين المتطرف، على وشك التأهل ضد إيمانويل ماكرون، وفي سياق تهميش اليسار، يمكن تخيّل منطق بعض الناخبين الذين يميلون إلى فرملة أو إيقاف مسيرة مرشحي اليمين المتطرف.
إذا كان المصير السياسي لفرنسا هو ان تعيش حالة على النمط الإيطالي، حيث يتنافس هناك أيضًا حزبان يمينيان متطرفان للسيطرة على الحياة السياسية لبلدهما، بين الامتناع عن التصويت والاندفاع إلى “أهون الشرين”، فان جمهور الناخبين اليساريين سيصادق على الامحاء التاريخي لهذا اليسار.
في إيطاليا، تحول اليسار العضوي الحزبي إلى حزب وسطي، كانت هويته الفعلية هي مناهضة البرلسكونية، والتي تحولت إلى مناهضة السالفينية، مما أدى إلى التخلص من العالم العمّالي والشعبي الذي شكل يومًا ما جزءً مهمًا من الحشود الضخمة التي جمّعها الحزب الشيوعي الإيطالي. ويوجد، في إيطاليا أو في فرنسا، في اللحظة التاريخية الحالية، قطاع عريض من ناخبي اليسار أقل انزعاجًا من امحاء هذا الأخير، من صعود اليمين المتطرف.
إن الوضع على اليسار إذن لا يجعل وصوله إلى السلطة أمرًا ذا مصداقية.
والأسوأ من ذلك، يبدو أن دوره السياسي المحتمل يفسح المجال للشك والتشكيك. في نفس الوقت، صعود اليمين المتطرف إلى السلطة والذي يرى أن الجبهة الوطنية -التجمع الوطني، قد تجاوزه تقريبًا ترشّح زمور، والتحديات الكثيرة والخطيرة للمؤسسات وللديمقراطية التمثيلية، فضلاً عن تكاثر الأطروحات التآمرية أو نظرية المؤامرة، التي تثير التساؤل وتطعن في العلم وأبسط الإجراءات الصحية، تلقي جميعها بظلال من الشك على مستقبل نظامنا الديمقراطي.
في أذهان العديد من الناخبين، ما هو على المحك، لم يعد النظام وأزمته فقط، وانما استدامة النظام الديمقراطي للمجتمع الفرنسي.
ومن الواضح أن هذا هو مصدر “التصويت المفيد”، والذي هو، في جميع الاحتمالات، اشتراك في حد أدنى من الضمانات الديمقراطية أكثر منه تصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته. ورغم أن اليسار مرتبط بـ “قيمه”، إلا أن كل شيء جاهزا لكي يوقع ناخبوه على شهادة وفاة اليسار بأنفسهم.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “إلى اللقاء غرامشي” “منشورات سارف 2015».
-- اليسار في حالة ذهول من انتشار الأيديولوجيات المهووسة
-- طيلة خمس سنوات، لا تعبئة ولا استجواب تم حله سياسيًا
-- عانى اليسار من نقص مزمن في الاستراتيجية ضد ماكرون
-- كل شيء جاهز لكي يوقّع ناخبو اليسار على شهادة وفاته بأنفسهم
-- رغم خلافاتهم الأساسية مع الرئيس المنتهية ولايته، تظل ورقة الاقتراع لصالحه هي أقل الشرور
فقدوا البوصلة، وفي حيرة من تفتّت اليسار وإمحائه، قد تغري ورقة إيمانويل ماكرون جزء من الجسم الانتخابي الفرنسي، فهو الأخير القادر على منع اليمين أو أقصى اليمين من الفوز في الانتخابات الرئاسية. هل يوجد يساري-ماكروني؟ وهل يمكن أن تُستخدم ورقة إيمانويل ماكرون من قبل الناخبين اليساريين، الذين عارضوا تصويت ماكرون عام 2017، والذين غدا في حالة من الإرهاق الديمقراطي، ومنزعجين من مصير اليسار، وحريصين، كملاذ أخير، على تجميد المشهد السياسي، بدلاً من رؤيته يسقط في أحضان اليمين، يلقون في النهاية باسمه في صندوق الاقتراع؟ منطقيا، يجد الناخبون من “شعب اليسار” صعوبة في التعامل مع الاتجاه اليميني المتزايد للخطاب السياسي.
إن كان سيوجد “يسار ماكروني”، فسيكون ذلك نتيجة انتقال كبير للناخبين اليساريين نحو التصويت لماكرون. في المقابل، يمكن أن يلتقي المرشح الرئاسي، وهو في طريقه إلى صناديق الاقتراع، ناخبين بخيارات وتموقع يساري، لكن من يمكنه أن يقيم معه “تحالف الدقيقة الواحدة”، وقت دخول الخلوة. لا يستبعد عدد لا يستهان به من الناخبين اليساريين فرضية التصويت لماكرون.لن يكون الحشد المأمول أو المتوقع أو المُثار للقادة الاشتراكيين السابقين هو الذي سيضمن إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا للجمهورية؛
إنقاذ اليسار
«الانتخابات التمهيدية الشعبية”، التي كان من المفترض أن تنقذ اليسار من خلال وحدة معلنة بالتصويت الإلكتروني، اقترحت خاصة أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ اليسار من معاناته هي ظهور وتعيين مرشح يتمتع بشخصية كاريزمية كافية للخروج من الركود والوهن. لذلك، تم التعامل مع الحملة الرئاسية من خلال تعيين شخصية موحدة، أو على الأقل تقديمها على هذا النحو من قبل المبادرين بالعملية.
في الواقع، يُفترض أن تكون “الانتخابات التمهيدية الشعبية” مناهضة للحزبية بامتياز. فهي لا يأخذ في الاعتبار الفروق المبرمجة بين اليساريين فحسب، بل تدفن أيضًا شكل الحزب الموروث من قسم البيك، رحم الأحزاب اليسارية هذه. لا تثير “التمهيدية الشعبية” خيارًا بقدر ما هي عملية جمع للمشاعر الفردية: إنها نفي متعمد لفكرة العقل الجماعي، مع انها هي التي صاغت في الماضي القدرة على الوصول الى السلطة.
اختار الحزب الاشتراكي، من خلال اللجوء إلى الساحة العامة لينتعش، اللجوء إلى شكل من أشكال مناهضة مركز الدراسات والبحوث والتعليم الاشتراكية، وهو تيار اليسار الذي سمح بمؤتمر أبيناي. هذه المرة، اختار اليسار إدارة حملة رئاسية على أساس ما هو في الواقع أجمل نموذج مناهض للحزبية عرفه التاريخ. تضع حملة كريستيان توبيرا في خدمة اليسار، كاريزما أحد أفضل الخطباء في البلاد من أجل دفاع عنيد يهدف إلى الحفاظ على فكرة اليسار ذاتها.
هل تستطيع الماكرونية استيعاب ناخب
من ميلينشون؟
الجوهر الأصلي لماكرون هو بلا شك اشتراكي-ليبرالي. قبل خمس سنوات، كانت هذه العائلة الأيديولوجية لا تمثل سوى حوالي 6 بالمائة من الناخبين، لكنها أصبحت أساسًا كافيًا لبدء احتلال انتخابي للبلاد، حيث جمعت على مدار أشهر العائلات الأيديولوجية والمجموعات الاجتماعية الأخرى التي أثبتت تقاربها، سواء من حيث مفهوم الاقتصاد والسياسات الواجب تنفيذها ومن حيث التوافق مع اليسار أو اليمين.
في النهاية، كان حوالي نصف الناخبين الذين ناصروا فرانسوا هولاند عام 2012 هم من استحوذ عليهم إيمانويل ماكرون في صندوق الاقتراع عام 2017، بينما ضخّم النصف الآخر كتائب الناخبين لصالح جان لوك ميلينشون، مما أدى إلى تفكك الناخبين الاشتراكيين. بعد خمس سنوات، وأبعد ما يكون عن الانحسار لدى جمهور ناخبي اليسار، فإن التصويت لماكرون لديه إمكانات أكبر بكثير من الانجذاب البسيط الذي يمارس على الليبراليين الاجتماعيين والناخبين الاشتراكيين الأكثر اعتدالًا.
منذ عام 2017، كان هناك تحول نحو يمين الوسط للناخبين الاشتراكيين السابقين الذين أصبحوا ناخبين لإيمانويل ماكرون.
ومستفيدًا من الدعم الحاسم لجزء من الشعب الاشتراكي، كشف إيمانويل ماكرون أيضًا عن حقيقــــة مكبوتـة منذ فترة طويلة: العديد من الناخبين الاشتراكيين كانوا يمينيين أكثر من حزبهم.
ورقة ماكرون قارب نجاة؟
قبل خمس سنوات، لم ينضم ناخبون اشتراكيون سابقون آخرون إلى إيمانويل ماكرون، حيث رفع عدد أصواتهم رصيد جان لوك ميلينشون، الذي اقترب من 20 بالمائة، وخسر بصعوبــــة التأهل إلى الدور الثاني.
هل توجد اليوم مجموعة من الناخبين اليساريين، المعادين لماكرون بالأمس، ويمكنهم في النهاية التصويت لصالح المرشح القريب من حزب الجمهورية الى الامام، بينما يعارضون سياسته؟ تم طرح هذه الفرضية من قبل مؤسسة جان جوريس في دراسة أجرتها BVA خلال النصف الأول من أكتوبر 2021.
قد تكون إحدى عواقب الانهيار الداخلي لليسار الحزبي تحرير الناخبين من الاصطفاف على اليسار، وتفضيل الاستراتيجيات الفردية التي تستجيب لما يعتبره هؤلاء الناخبون اساسيا.
ومن الواضح أن فصل المنافسة بين المرشحين المهمشين لا يمكن أن يكون رهانا أو دافعًا في خلوة التصويت.
غارقون في حالة من الارتباك والتيه امام نواقص اليسار، ومع انهم يدعمون نسبيًا الأشكال المختلفة للاحتجاج الاجتماعي التي هزت البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، يواجه الناخبون اليساريون معضلة.
وأمام الهزّات المتكررة التي تضرب الحياة السياسية الفرنسية، قد يرى بعض الناخبين، بشكل مجرد، أنه رغم خلافاتهم الأساسية مع رئيس الجمهورية، تظل ورقة الاقتراع لصالحه هي أقل الشرور، ولا شك، طريقة للخروج من فترة عنف النقاش العام وعنف الحياة الديمقراطية، التي هدأت لعدة عقود إلى درجة الاعتقاد بأن جميع العداوات الاجتماعية والسياسية قد وضعت تحت التخدير.
قيم يسارية وغريزة
البقاء ضد اليمين المتطرف
في خلفية هذه الحملة الرئاسية، يجب أخذ الروح المعنوية للفرنسيين، والتي وصفها مسح أجرته مؤسسة جان جوريس بأنه يغلب عليها الكآبة والتعب، في الاعتبار. حقيقة مفيدة ومثيرة للاهتمام بشكل خاص لوضع بعض الفرضيات حول المستقبل، إن بنية الروح المعنوية للفرنسيين تشبه معنويات الإيطاليين، ولا يمكن لأشكال الاحتجاج إلا أن تتأثر بمعنويات البلد.
يعتبر المجتمع الفرنسي مسرحًا لسلسلة من السخط والغضب أصبح لا يمكن التنبؤ بها بشكل متزايد، مع رؤى متنوعة للعالم وأهداف متباينة. طيلة خمس سنوات، لا تعبئة ولا تساؤلات تم حلها سياسيًا. وبطريقة ما، ربما أدى “الشتاء الروسي” الماكروني إلى شلّ حركة معارضيه، الأمر الذي لم يجلب أي رد سياسي شامل.
إن الشراسة التي باتت تطبع النقاش العام وتفجر أشكال العنف، ليس فقط اللفظي ولكن الجسدي أيضًا، أمر مقلق لجزء من السكان. وإذا كانت “السترات الصفراء” تجسد حركة اجتماعية ذات دوافع متجذرة بقوة في فئات اجتماعية مختلفة، فإن تحدي رئيس الجمهورية انحرف نحو إعدام الانسان ماكرون وكرهه، وتطوير الحملات عبر الشبكات الاجتماعية، وغرس الشك في المؤسسات والمسؤولين المنتخبين والأشخاص، حول مجموعة واسعة جدًا من الموضوعات التي استثمرها أتباع أطروحات “المؤامرة” جزئيًا. كما ان التهديدات الجسدية أو بالقتل، اصبحت حقيقة تتكرر بشكل متزايد. وما الاعتداء على النائب -رومان غراو -في بربينيان الا تأكيد لهذا الجو من العنف المتفجر والمتقطع.
لقد عانى اليسار من نقص مزمن في الاستراتيجية ضد ماكرون: بالنسبة للحزب الاشتراكي، فإن التواطؤ مع الرئيس قد أفسح المجال لصمت مستمر في حين أن هذا الرئيس نفسه لم يتعرض لانتقادات جذرية لأفعاله، ولكن لانتقام مطبوع بكراهية للشخص. لا شك أن قوى اليسار الأخرى لديها مشروع، لكنه لا يثير أي شيء ملحوظ في المجتمع. في غضون ذلك، يحتضن النشطاء على اختلاف أنواعهم أي قتال طالما أنه يضر بإيمانويل ماكرون.
لا شك أنه سيكون من الضروري تقييم حالة التساهل العام فيما يتعلق بثقافة تميل إلى كره الإنسان، ولكنها غير قادرة على تحليل وانتقاد سلوك البلد طيلة خمس سنوات، بل وأكثر من ذلك غير قادرة على تحديد موقع لحظة ماكرون في إطار زمني أطول.
غير قادر على العمل مع حركة اجتماعية مثل “السترات الصفراء”، وهي علاقة جدلية توفر منافذ ومخارج، من الواضح أن اليسار في ذهول من انتشار الأيديولوجيات المرضيّة والمهووسة. يمكن أن تستند كراهية إيمانويل ماكرون إلى قراءة أو رفض الصحافة الشعبية فقط. ومع ذلك، لا يمكن تشكيل معارضة على أساس هذا الاستياء البسيط. ويتطلب النقد الفعال لسياسة الرئيس ماكرون قراءات أخرى خالية من الأطروحات التأمرية، وهو أمر أكثر صعوبة. لا شيء في هذا الشأن، صادر من اليسار، قد تغلغل وترسّخ في البلاد.
غموض الحزب الاشتراكي ، الذي كافح في بداية فترة الخمس سنوات للانخراط في الأغلبية الرئاسية - وهو انضمام من المفترض أن يوفر بضع عشرات من المقاعد، لكن رفضته السلطة الجديدة - ، ورحيل كبار كوادر حزب “أوروبا البيئة-الخضر” ليتبنوا القضية الماكرونية ، والخيار الاستراتيجي لـ “فرنسا المتمردة” لمخاطبة الأقلية الراديكالية الأكثر صخباً بدلاً من اللجوء إلى الناخبين الأكثر اعتدالاً الذين بدأوا يثقون به ويفكرون في الانضمام إلى صفوف ناخبيه ، كل هذه العناصر أربكت ناخبون حريصون على الحفاظ على إطار ديمقراطي ونقاش عام مستقر ومحصّن ضد جميع أشكال العنف.
يغري الناخب اليساري، مثل غرينادير فلامبو دي روستاند، ان “يمنح نفسه كلمة المرور”. إذا لم يضع علمه في جيبه، وإذا التقطه وأصدر الأوامر لنفسه، بما ان أي قوة حزبية لم تقدم له تعليمات ترسم مسار المستقبل، فقد يتم دفعه لاتخاذ خيار مستقل لتفادي نتيجة تكون لصالح ما يبدو له أنه الأسوأ. تشير الدراسة التي أجرتها مؤسسة جان جوريس إلى هذا الإغراء الكبير على اليسار: “فكرة” التصويت المفيد، لعرقلة أقصى اليمين “أقوى حتى بين المتعاطفين مع “أوروبا البيئة-الخضر” الذين يمكنهم التصويت لإيمانويل ماكرون (56 بالمائة منهم) وأيضًا قوية بين المتعاطفين مع “فرنسا المتمردة” (41 بالمائة).
أسوأ اليسار إلى
اليمين في العالم
مع وجود مرشح يميني، وخاصة مرشحين اثنين عن اليمين المتطرف، على وشك التأهل ضد إيمانويل ماكرون، وفي سياق تهميش اليسار، يمكن تخيّل منطق بعض الناخبين الذين يميلون إلى فرملة أو إيقاف مسيرة مرشحي اليمين المتطرف.
إذا كان المصير السياسي لفرنسا هو ان تعيش حالة على النمط الإيطالي، حيث يتنافس هناك أيضًا حزبان يمينيان متطرفان للسيطرة على الحياة السياسية لبلدهما، بين الامتناع عن التصويت والاندفاع إلى “أهون الشرين”، فان جمهور الناخبين اليساريين سيصادق على الامحاء التاريخي لهذا اليسار.
في إيطاليا، تحول اليسار العضوي الحزبي إلى حزب وسطي، كانت هويته الفعلية هي مناهضة البرلسكونية، والتي تحولت إلى مناهضة السالفينية، مما أدى إلى التخلص من العالم العمّالي والشعبي الذي شكل يومًا ما جزءً مهمًا من الحشود الضخمة التي جمّعها الحزب الشيوعي الإيطالي. ويوجد، في إيطاليا أو في فرنسا، في اللحظة التاريخية الحالية، قطاع عريض من ناخبي اليسار أقل انزعاجًا من امحاء هذا الأخير، من صعود اليمين المتطرف.
إن الوضع على اليسار إذن لا يجعل وصوله إلى السلطة أمرًا ذا مصداقية.
والأسوأ من ذلك، يبدو أن دوره السياسي المحتمل يفسح المجال للشك والتشكيك. في نفس الوقت، صعود اليمين المتطرف إلى السلطة والذي يرى أن الجبهة الوطنية -التجمع الوطني، قد تجاوزه تقريبًا ترشّح زمور، والتحديات الكثيرة والخطيرة للمؤسسات وللديمقراطية التمثيلية، فضلاً عن تكاثر الأطروحات التآمرية أو نظرية المؤامرة، التي تثير التساؤل وتطعن في العلم وأبسط الإجراءات الصحية، تلقي جميعها بظلال من الشك على مستقبل نظامنا الديمقراطي.
في أذهان العديد من الناخبين، ما هو على المحك، لم يعد النظام وأزمته فقط، وانما استدامة النظام الديمقراطي للمجتمع الفرنسي.
ومن الواضح أن هذا هو مصدر “التصويت المفيد”، والذي هو، في جميع الاحتمالات، اشتراك في حد أدنى من الضمانات الديمقراطية أكثر منه تصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته. ورغم أن اليسار مرتبط بـ “قيمه”، إلا أن كل شيء جاهزا لكي يوقع ناخبوه على شهادة وفاة اليسار بأنفسهم.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “إلى اللقاء غرامشي” “منشورات سارف 2015».